وجوه مشروخة

وجوه مشرفة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد الرحيم التدلاوي

قصص قصيرة جدا؛ مزيدة

دار الريف للطبع والنشر والتوزيع، الناظور، المغرب/ الطبعة الأولى سنة 2013م.

تقديم:

جميل أن تقرأ لعبد الرحيم التدلاوي… وأن تسافر في حروفه ونصوصه… نصوصه عالم مذهل يشبعك متعة، ويطريك ألفة، ويغنيك انشراحا، وإلفا.. عالم عبد الرحيم التدلاوي اكتشفته عندما حمل إلي بريدي الالكتروني أضمومته وهي في مهدها، ومراحلها الخامة… فوجدت أنني أمام نصوص لكاتب حذق فن القصة القصيرة جدا.. وتمرس خوض غمارها والإبحار في براثنها… ما يشدني في عالمه القصصي والذي سماه – مؤقتا- ب(حياة)، هو: اللعب على المفارقة- والسخرية- والنقد اللاذع- والتوظيف الجيد للصورة والمشهد- والتقطيع (التوضيب)- واعتماد الكلمة الهادفة (اللغة)- والعجائبي… اهتمامه بهذه الآليات، جعلتني أكتشف في الأديب عبد الرحيم التدلاوي: – قارئا حصيفا. – كاتبا مجدا، وجيدا. – ناقدا اجتماعيا. – ساخرا وكاريكاتوريا من طراز رفيع… تشهد على ذلك نصوصه القصصية القصيرة جدا، مثلحياة- سواد-شارع المتنبي- شك- صراخ وعواء-ضرب- رحم- وردة- حب- فناء- رسم- الموت عشقا- ) وغيرها من النصوص القصصية… الأديب عبد الرحيم، المبدع المغربي كروان مكناسة المغرد، يدخلنا عالمه السردي، من خلال القصة القصيرة جدا… لقد أبدع نصوصا قصصية بينت أنه يمتلك ناصية هذا اللون الأدبي الحديث… خاصة وأنه يغرف في كتاباته من واقع يرى تناقضاته تتكالب يوما بعد يوم.. ويعيش مفارقاته… وهو يرى فيه واقعا متخما بالمفارقات اليومية الساخرة…والدامية…ومجالات الحياة المختلفة… لذا يتحول إلى عين لاقطة لهذه الصور… ولهذه المشاهدات… ينقلها لنا بكاريكاتورية مغرقة في السخرية، والنقد اللاذع…والحسرة… إن عالمه القصصي يغري بالمتابعة والقراءة، لما يوفره من متعة ولذة قرائية…وفنية وجمالية… فهنيئا للقصة المغربية القصيرة جدا بكاتب من حجم عبد الرحيم التدلاوي..

 محمد داني

**********

وعد نهر

انطلق النهر يجري تنفيذا لوعد ما أخلفه أبدا.. يعانق الحقول؛ يمنحها من دفقه حياة.. أصيب بدوخة وهو يسير في طريق لولبية ما عهدها.. لما استفاق وجد نفسه في صهريج عظيم؛ بضيعة شاسعة؛ والحقول الصغيرة قد ارتسم على أحداقها الغبن.. غضب حتى كاد ينفجر..

يد خبيرة حولته سواقي!

*

ابتلاع

يحبني: قال؛ مثل سمك السلمون!.. أصررت على الحضور حين حضورها على طبقه:

امتدت يده إليها بنشوة؛ انشب أظافره فيها بالتذاذ؛ وصار ينهشها نهشا؛ حين انتهى؛ وجدتني ببطنه..

*

نقمة

أطل من نافذته..

عب الهواء ملء رئتيه..

أطلق تنهيدة طويلة، ثم قال:

العالم مليء يا للفظاعات…!

نظر إلى المدية الجادة، قرأ تعطشها المجنون للدم..و رقصة النداء العلوي تهزها..

رواها من نبع نحور أهله و أكمل ري العطش بنحره..

انبثقت من وجهه ابتسامة ساخرة..و ارتفع الأصبع الأوسط مساندا..

*

لذائذ

أقبلت عليه الحياة، فأقبل عليها، أصبحت له فتوحات نسائية، عاقر الكأس، غرف من بيت المال ما شاء الله…

لما أحس بميل في كتفه الشمال، و صوت علوي يقرع سمعه، أعرض عن الدنيا، تقشف، لبس الصوف، اعتكف بالمساجد، صام الدهر، ورسم جبهته على الحصير..

حين أحس بتعادل الكفتين، قال: اللهم حسن الختام، ثم،..

غفا…

*

بكاء

حين سمعت الشاعر يلقي بقصيدته وسط تصفيقات الحضور..بكيت..

قيل لي :ما الذي يبكيك؟

قلت:تذكرت حبيبتي..

و ما علاقة حبيبتك بقصيدة الشاعر؟

لقد قتلها توا..

*

صورة

أيقظني صوت الريح يهز نافذة غرفتي و يسكن روحي الصقيع..

رأيت المرآة تنظرني و تدون تفاصيل حزني و رحلة البعاد…

هربت منها إلى صورتي بإطارها المذهب..

رأيت يده التي صاغت قوس قزح في روحي و أركبتني بساط العشق قد ذوبها الرحيل…

قلت في نفسي:

(في محطات الشغف انتظرتك،

لكن القطارات مرت،

و أودعت صفيرها في صدفتي الفارغة…)*

أخرجني من سفري، صخب المرآة..

رأيتها تسقط من شدة الضحك، فتتشظى..

أبت إلى نفسي و قد علمت

أنه قد خرج من حكايتي..فتكسر الإطار..

 

*أعطيت المرآة ظهري للشاعرة بروين حبيب، دار الكوكب الطبعة الاولى 2009

*

سقوط

جلس عنترة بباب المندب يبيع حصانه ليفي ببعض التزاماته تجاه الأبناء..مر وقت لم يساومه فيه أحد..أحس بغبن و إرهاق..غفا قليلا..رأى حصانه يجر عربة سياح..استيقظ مذعورا..وجد سوط الحوذي يلهب ظهره….

*

لص ظريف

وضع نصل السكين على رقبتي..طلب مني أن أتجه إلى الدرب المظلم دون مقاومة..رضخت..و هناك دعاني إلى إفراغ جيوبي:

طلب سلف,أوراق مالية, صورة لأسرتي, و ورقة مطوية..

نظر إلى ممتلكاتي بقليل من الاهتمام, فتح الورقة و استغرق في قراءتها دون أن تفارقني عيناه..

و في الأخير, أعاد إلي كل شيء.. مدني بنقود إضافية, و احتفظ بالورقة آمرا إياي بإغلاق فمي..

في الصباح و أنا أتفحص جريدتي المفضلة أصبت بالذهول..

*

انثيال

نظرت إلى روحي في صفحات كتاب هرّأته أنامل الريح، لحظة انثيال..

قلت: ما أبدعك أيها التاريخ…!؟

ثم، نهضت لأكتب قصائدي من’ رماد الكلمات’.

*

ضمير جارف

رشقته بسهام كلامها الجارح، سممت حياته بانتقاداتها اللاذعة، طاردت رائحة عفنه الفائح..

ضاق بها ذرعا، حذرها من مغبة التمادي..فتمادت..

ذات غضب، انزلقت روحها من بين أصابعه كقطرة ماء تبخرت بالغياب..

استكان للهدوء غير مرتاب..

صارت القطرة ضميرا جارفا.

*

غياب (مرثية أستاذ انتحر)

واقفا كعمود علاه الصدأ..

جيده ممدود إلى الأمام و كأنه يرنو إلى الأفق البعيد..

بنظرات مطفأة يتابع المركب المسكين، تتقاذفه الأمواج العاتية..تلاعبه..حتى إذا دب الوهن إلى جسمه، أطبقت بفكيها عليه، محدثة ثقوبا بعدد النجوم..

يتسرب الماء إليه..يهوي إلى الأعماق رويدا..حتى إذا طواه اليم..

انتقلت توشح وجه الجسد الراقص كبندول، ظلمة النهاية..

*

عزاء

كان عذابي فظيعا، حين أطلقت أعيرة حزني في الساحة العامة، لأنهم لما قتلوني، لم يمنحوني وقتا كافيا لتوديع أمي، وتقبيل قبر أبي، وطبع قبلة رقيقة على جبين حبيبتي..

عزائي، تابوتي الذي حضنني بحب و قد أراني وجه الله.

*

مراحل

شابا عاش مندفعا للأمام..يصوغ نوتة الأحلام..

كهلا عاش تحاصره الذكريات..

شرب كأس مرارته حتى الثمالة..

توسد ذراع الخيبة و نام..

يستيقظ، لا يستيقظ، يستيقظ، لا يستيقظ…

*

نكران

لما رأيت اشتداد جوعهم..قدمت لهم جسدي..

نهشوا اللحم و الشحم حتى العظم..

ثم قالوا:ما أشد مرارته..!!

*

الرجل الطيب

سيدي رجل طاهر..يحب الخير..

لما رأى أني أتفانى في العمل..وهبني الأرض..

بقي يدعمني..

يمسح عرق جبيني بجيب سرواله..

و في رواية أخرى، مزيدة و منقحة

حتى تقر عينه.

*

خذلان

اتكأ عليها، فساندته بكل حب حتى وصل..شرب نخب نجاحه بسرور..

لما أحست بدوخة اتكأت عليه فتمايل..سقطت كورقة خريف جافة..

فتح الباب للريح لتنظيف المكان..ثم، استقبل الأميرة الجديدة.

*

استغراب

ظل النسر يستمتع بتحليقه في الأعالي، يراقب مملكته الشاسعة، باطمئنان، إلى أن لفت انتباهه غراب يحذو حذوه..ثارت ثائرته، فسعى إلى الانقضاض عليه ليلقنه درسا لن ينساه على تجرئه..

كانت الغربان قد بيتت أمرا..

كلما لحق بواحد ظهر له الثاني من الجهة الأخرى..إلى أن أنهكت قواه، و أصيب بدوخة جعلته يسقط من حالق مغشيا عليه..

حينها تم تنصيب الغربان سادة المملكة..!

*

نجاة

لما امتدت ألسنة النيران بحيي، تمتص رحيق الأرواح..

ولما رأيت أن لا منجاة من النار إلا إلى النار..

احتميت بقلب حبيبتي

*

حطب

في الغابة، قضى الحطاب يومه كله في قطع الأشجار..حتى إذا جن الليل، و نال الوصب منه..

تمدد على الأرض، و أسند رأسه على قطعة خشب و نااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ام..

في الصباح، بحث عن رأسه فلم يجده..

تعلم الشجر كيف يكون حاطبا..!

*

انزلاق

فاجأه الألم تحت نخلة الخيال الجامحة..

تقلب ذات اليمين وذات الشمال.. ذرع الغرفة جيئة وذهابا، وأعقاب السجائر تشعل بعضها وأكواب القهوة تهدئ أوتار البطن المشدودة..

فجأة، سقط مغشيا عليه.. حين استفاق، وجد على الصفحة البيضاء حبلا من السقف مدلى..

آمن أن القدر قد رسم له الخاتمة.

*

هداف

عالج القفل طويلا، و لما استعصى عليه فتحه..

_اغتسل، في اليوم الثالث، بموج اليم، سبعا..

ثم،

_تخطى، في اليوم الخامس، المبخرة، سبعا..

_و في اليوم السابع، استوى على سرير الطبيب، و أقر أنه أضاع المفتاح..

*

هواء

هو لاعب ماهر..رائع التسديد..

قضى ليلة دخلته يراوغ بحثا عن ثغرة لتسديدة الانتصار..

في الصباح، و أمام الصحافيين، أعلن أن الكرة مفرغة الهواء..!

*

تساؤل

زفت إليه تحت أنظار ابن الجيران الجاحظة..

دخل بها، ثم خرج على الناس منتفخ الصدر مرفوع الهامة..و رماهم بلباس الطهر ملقما إياهم الصمت..

أصبح ابن الجيران حردا..

*

تحد

احتج سكان حيي على انقطاع الماء في عز الصيف..

وجد عبد القاهر ظهره، و قد غيبت الدروب باقي المحتجين، تحت سوط القائد..الذي لم يكن يريد تكسير الاحتجاج و لا الظهر..

قام عبد القاهر بالصعود إلى أعلى نقطة في الجبل، و صاح:

أنا مواطن!

ثم عاد إلى نقطته الأولى، و منح ظهره للسوط

متحديا!

*

كاتب

فض ظرف إحدى المعجبات بسكينه الذهبي المسنون..

بداخله رسالة معطرة..بوسطها وردة عارية..بوسطها قلب يرتعش..، فوقه كلمة، احبك، مضطربة

أسفل الصفحة بركة بتلات حمراوات..

طواها بتأفف، و ألقى بها في سلة المهملات ظافرا..

انتقل إلى مظروف معجبة أخرى ليفضه..

*

فراسة

صداع يلم بالرأس، يخرج من المنزل غاضبا متوعدا..

بدكانه يجلس ضاغطا على حبات سبحته الثلاث..يفكر بعمق، لا يخرجه منه إلا قدوم مليحة مشرقة الوجه..تنبسط أساريره لها، فيقوم مرحبا..

ثم، يسلكها في سبحته.

*

سم..سار

نظر إلى الحقول،وجدها حابلة بسنابل القمح المتراقصة، و إلى الأشجار رآها مثقلة بالثمار، باشتهاء..

وضعها ببطن مخازنه، فأصبح رب السوق..

كانت أرصدته تنز عرقا…

*

ل ق ا ء

مكالمة خاطئة تحولت إلى صداقة..

بعد مدة طلبت منها تحويل الصوت إلى صورة..

حددت المكان و حددت الزمان..

وقفت أنتظر شاعرا بحرج.. من أنظار المارة و سكان المقهى البعيد..

ذرعت المكان لأنفض عني الضيق و كنت أتحرك بين الظل و الشمس مستمتعا..

لم أحس إلا و أنا مغمور بالظل و قشعريرة برد تجتاحني..

علمت أن الوقت قد مر..جذبني وجه فتاة جميلة كالقمر يشع حزنا..مزقت و رقة و ألقت بها أرضا..

جمعتها فقرأت:عيب عليك! لم تركتني أنتظر؟

هبت ريح خفيفة..فتبعثرت..

*

ميقات

تقاذفتنا الظلمات..

كنا كالسيل المنهمر..تعثر كثيرون في بداية الطريق، و آخرون في منتصفها، النخبة هي التي وصلت..

حاصرنا القلعة. بحثنا عن ثغرة للنفاذ منها، نجحت و مات الباقون غيظا..

آثرت البقاء كامنا.. ما اهتممت بالتحولات، بقيت لشهور أنعم بالدعة و السكينة، أغتسل بماء دافئ، و بطعامي يأتيني رغدا..

انهد السد و جرف السيل رأسي إلى الخارج..حاولت بكل جهد البقاء، غير أن يدين قويتين أخرجتاني قسرا..غضبي الشديد كاد يخنقني، و الضربات الموجعة جعلتني أصرخ بقوة..ثم صمتت لأني شعرت بارتياح كبير..

وجدتني ممدا فوق سرير وثير، مدثرا بأغطية، عطرة، من حرير..

بأذن سمعت أذانا، و بأخرى لغط أسماء..

داعب أجفاني نعيم النوم.

*

عروة

بالأمس البعيد:

تعود عروة بن الورد الإغارة على القوافل، يوزع أموالها على الفقراء..

بالأمس القريب:

أصبح عروة وثقى لا انفصام لها..

جرت أحداث، و تغيرت أمم..

أما اليوم:

فقد تعود الناس وضع وردة في عروة ستراتهم..يشترونها من أطفال أكلهم الصدأ، و هدهم الجوع.

*

انتقام

حشوت قصتي بكلمات رصاصية، و انتظرت قدوم الزعيم، في موكبه المهيب،هو الذي سرق وطني و اغتال أحلامي..

حين أصبح على مرمى غضبي،أطلقت عليه نارا مصهورة بآلامي الحادة..

من الضحك سقط ساخرا..

و أنا بالجب سعيدا، صحبة قرنفلة..

*

طعن

من الخلف،

سددوا إليها الطعنات..

سال دمها مغسولا بالعبرات..

تساءلوا، شامتين، لم البكاء؟!!

جهلوا، أن إلى قلوبهم توجهت الضربات..

*

محاولة انتحار

حين ثبت الحبل بالغصن و أداره حول عنقه..

طاردته العصافير..

*

وفاء

رأى قبضتها الناعمة، ترخي حبل حبهما المتين..الذي جمع بينهما سنين عددا، ثم تغيب..

طوق به عنقه و لحق بها.

*

تظاهر

تظاهر الزوجان، كباقي المشاركين، في الحملة التحسيسية بأخطار برودة العلاقات الأسرية..

رفعا الشعارات..

وزعا الأوراق..

حاورا الناس..

عادا إلى منزلهما مسرورين..

تناولا عشاء خفيفا على ضوء الشموع..

اندسا في فراشهما بكل هدوء..

و،

تظاهرا

*
سوط

أمسك الأب بتلابيب ابنه..بدأ يعنفه على عدم ذهابه إلى المدرسة..

أثار انتباهه جلبة آتية من خلفه..

وجد حوذيا يلهب حصانه بعنف و حقد..

انتزع منه السوط ساخطا..مؤنبا..

ثم،

هوى به على الجسد الغض !

*

مفارقة

طلق امرأته..، لعن المتزوجين، حذر الرجال من النساء،

بينما قامتْ أمُهُ تفتشُ له في الحارةِ عن زوجة.

*

نكهات

أطلت النظر إلى الحاسوب، و استغرقت في تقليب الصفحات..

قصرت همتي..

فكان الطلاق..

أطل على أبنائي من الشاشة مهنئين!

*

طنين

كان يعاني من طنين ألم حاد حين كان يتابع حصص تاريخ أمته المجيد، و إنجازات أجداده الميامين..

و هو يتابع أشغال ترميم الأسوار العتيقة، شاهد تساقط عظام آدمية..

شعر بفرحة الشفاء..

*

اندهاش

غمس يراعه في الدواوين..ثم جلس إلى طاولته يسود الصفحات..

لما استوت, و انتعش..فاضت الكلمات..سقطت أرضا..استحالت فراشات..عادت إلى حيث كانت..اندهش الرجل..

لما استفاق من ذهوله, قام بجلد القلم!..

*

بحران

من زقاق ضيق نفذت إلى البحر:

كان ضخما..شاسعا..صاخبا..أمواجه العاتية تترى..تتلاطم و الصخرة..ترتفع ذراته, لاهثة,إلى الأعلى..تحط بدفئها على خدي..فأنتعش..

أقفل راجعا..

أجد حسناء كحلم تتخذ الزقاق مسلكا..تبدد عتمته بضوئها الباهر..أفسح لها المجال:

أتجنب..ألتصق بالحائط..أكتم أنفاسي..يلامس نهداها صدري فأشتعل..

أرى البحر في..

*

مستقبل

في صباح ربيعي, خرجت إلى الحديقة..أطلقت أحلامي..استحالت بلابل..شنفت أسماعي بشجي ألحانها..

أغمضت عيني لأسبح في ملكوت الجمال..

أيقظني صوت مرعب..أخرجني من المتعة و الاطمئنان..نهضت مرعوبا أبحث عن طيوري..

شاهدت ريشة تتهادى في الفضاء..و جثة صياد..

*

تعلم…

قضى وقتا طويلا في تعلم المبارزة بالسيف..

لما اشتد ساعده..

قتلته رصاصة!!..

*

قلم..رصاص..

خرج القلم إلى الشارع، عاريا، إلا من رصاصه، يبغي رسم سماء..مطر..و ينابيع..حياة يزهر فيها الربيع..، و حلما بهيجا يترعرع في العين….

أعلنت حالة الطوارئ!!!

*

عاطفة وعاصفة

سرى الحب بيننا مسرى الدم في العروق..

غدت حبيبتي نحلة ترتشف رحيق أزهاري حد الارتواء..

تحيلها عسلا مصفى..

شفاء للقلوب العليلة..

غدوت شجرة..أمد أغصاني لجني ندى السماء..ايواء الطيور..الأطفال المحرومين..

غير أن حراس الرفه و السكينة..أضرموا النار..

احترقت الشجرة: تشرد الأطفال..هاجرت الطيور الأوكار..مات النحل..

وفي قلبي نبتت عاصفة.. بنبض جديد..

وفي الأفق ارتسم انهيار الظلام..

*

أقنعة

جثا علي ركبتيه.شبك يديه و قال:

أحبك بجنون,

ثم أمسك بيدها.

أوقفته أمام المرآة:

أمسكت وجهه فسقط القناع, وأمسكت القناع فسقط وجهه!

قبلت المرآة و رحلت…

*

مقلب

نظر الرجل إلى حظيرته..

وجدها فارغة إلا من بعض ذئاب..كانت هائجة، تعوي بشدة..

خرج، مستغربا، يستطلع الأمر..

وجد غنمه تطوقها بصمت..!

عقدت الدهشة لسانه، و أنسته طريق الرجوع

*

ذبول

في ليلة رومانسية ماتعة، كنت أتابع ضوء الشمعة و ذبالتها، و كانت هي، تتابعني.

حين نظرت إلى عينيها، وجدتني أتقلص..أتقلص..

إلى أن صرت فيهما

د

م

ع

ة

ساقطة.

*

لغة

جهّزت كلماتي بعد جهد..لما أنهيت كلامي..

تململ سيبويه متوجعا..

كسوه بورود المحبة..

و ترحموا..

..عليّ..

*

تحذير..

في نصين:

1_

نظرت..

نظرت عميقا..

الحرائق المهولة من مستصغر الشرر..

قلت : يا قوم، النار النار !

سخروا مني..

سلقوني بألسنة حداد..

رموني بحجر الكراهية..أدمت قلبي و قدمي..

حملت مزودتي..و فوق الرأس تجمعت سحب دكناء..ما التفتت..

طويت الأرض.. طويت صفحة من تاريخ..

و مضيت.

2_

قلت : يا قوم، النار النار !

بسرعة، انفض من حولي الناس، و تركوني قائما..

فجأة، سقطت أمطار طوفانية، حملت معها كل ممتلكاتهم، و تركتهم عرايا..

نظروا إلى ساخرين، و قالوا بألسنة حداد، في ما يشبه كورالا :

كاذب مجنون !

*

الحطيئة نرجسا

نظر نرجس إلى الحطيئة:_ما أبهاك!!

_أتسخر مني..؟!و أنا سليط اللسان!!..

_انظر إلى مرآتي…تر..

نظر مليا..وجد قمرا..

_أحيلة من حيلك،أيها الساحر؟!

_حرك وجهك..قم بحركات..

_كأنني هو..’و باغتباط’_إنني هو..

_اشرب جرعة منه تزدد يقينا..

غرف غرفة فانتشى..

نظر حواليه فلم يجد نرجسا..

و هو عائد إلى منزله فرحا،ضايقه أحدب..حاول التملص منه فاستعصى عليه الأمر،أراد هجوه..

كان قد فقد قدرة نظم الكلام…

*

الحلاوة المرة

كان ساحرا..

..كل صباح كان يخرج من قبعته حلوى يهديني إياها..

ألتهمها، مسحورة، بلذاذة..

مرة، قال لي : و أنت، ماذا ستهبينني ؟

سارعت إلى منحه كالمنومة، أو، ربما، في غفلة مني، هز شجرتي، فتساقطت ثمرتي /حلواي..فتراقصت المجرات دائخة..

أكلها بشراهة..

غير أني وجدته مرا.

*

الساعة

_ كم الساعة؟ وكانت بمعصمه أنواع شتى..

_ أشرقية أم غربية؟

_ بل عربية.. _

إنها معطلة إلى حين!..

*

ممنوع

وضعوا المسدس صوب صدغه، والقلم بيمينه، وقالوا له: اكتب بكل حرية..! وما امتنع..

*********

قراءة في العمل

بلاغةُ الإيجازِ في القصّة القصيرةِ جدّا.. قراءة في مجموعة “وجوه مشروخة” لعبد الرحيم التدلاوي

سعيد بكّور 

 

أوّلا- في ماهيةِ القصّة القصيرة جدّا: تُجاهدُ القصّة القصيرة جدّا من أجل أن تضع لنفسها موطئَ قدم راسخاً بجوارٍ فنونٍ أدبيّة لها إرثٌ وشرعيةٌ وامتداد في التاريخ والوجدان وسلطةٌ على الذّوقِ. وإذا كانت القصّة القصيرة جدا –بمفهومها المعاصر- حديثةً طارئةً، فإننا لا نعدمُ لها أصولاً، ونماذجَ، وأشباها، في التراث السّرديّ العربيّ المتنوّع المشارب. بل إنّنا نصادفها في كثيرٍ من إبداعات قصّاصين عرب في منتصف القرن العشرين وقبله، لكنها لم تصل إلى مستوى الظاهرة المطّردة التي تستدعي نقاشاً وتأصيلاً. لقد أسهم التطوّر الحضاريّ في ظهور الحاجة إلى فنون جديدةٍ تراعي وقتَ المتلقّي وتساير تعقّد الحياةِ، وكان لهذا التحوّل تأثير على ثقافة الإنسان المعاصر وذائقته التي أصبحت ميّالةً إلى ما هو موجز سريع، وعليه كان لتعقّد الحضارة وتغيّر الذائقة دور في نشوء فنّ القصّة القصيرةجدّا وغيره من الفنون التي تجنح للسّرعة مراعية بذلك وقت المتلقّي. تقتنصُ القصة القصيرة جدا اللقطات الهاربة، وتصطادُ الأحداث الهامشية، وتقبضُ ببراعة على الشعاع الخاطف، ناقلةً إياه إلى واقعٍ لغويّ وعالم قصصي تخييليّ مستغلّة ما تنماز به اللغة العربية من إمكانيات تساعدها على التكثيف، والإيجاز، والتّلميح، والكناية، والإيحاء. وتُعنىالقصّة القصيرة جدّا، إلى جانب ذلك، بالمشاهد الهاربة من الحياة والزّمن، والتفاصيل الجزئية التي لا توليها القصة القصيرة والرواية اهتماما وعنايةً.وتشبه القصة القصيرةُ جدّا في إصابتها لمقاتل الأغراض تلك الرصاصة التي تصيب الهدف في سرعةٍ ودقّة. وهنا تكمنُ خصوصيةُ كاتبها، من حيثُ قدرته على التقاط ما لا يراه كاتبا الرّواية والقصّة، مستفيدا في ذلك من مجهريةِ نظرته للأشياء، وقوّة ملاحظته لتحوّلات الواقعِ، وكذا النفاذ إلى عمقها. إنّ القصة القصيرة جدّا مزاج من القصّة والشعر، فهيتأخذ من كلا الفنين بطرفٍ ونصيب، مشكّلةً لنفسها خصوصية أجناسيةفي الشّكل والمضمون والوظيفة، فإذا كانت تحتفظ بكثير من قواعد الكتابة السردية المعروفة وتبيّئُها مع طبيعتها ومساحتها، فإنها استطاعت أن تصهر في بوتقتها بعضاً من الظواهر البلاغية التي ينماز بها الشعر كالإيجاز والتكثيف والانزياح… والقصة القصيرة جدا، بعد هذا وذاك، فنّ موجز بليغ، يعتمد على التكثيف الدّلالي المصبوبِ في لفظٍ مختزل، ومتواليات سردية متتابعة متسارعة،ويمتلك القدرة على رصّ المعاني الكثيرة في تعبير لغويّ بالغِ الإيجاز والتركيز. ثانيا-تجليات بلاغةِ الإيجاز : تقومُ القصّة القصيرةُ جدّا على “إجاعة اللفظ وإشباع المعنى”، فأمام مأزق المساحة المكانية المحدودة، يستنفر الكاتبُ طاقاته البلاغية وألاعيبَه الأسلوبية وخبرتَه الإبداعية ليصبّ حكايته في قالبٍ لغويّ مقتصد سيماهُ التكثيف والعمق الدلاليّ، وعنوانه الإشارة واللمحة الدّالة والتّفجير.وعليه، فالإيجاز ليسَ بمعدودٍ عجزا بقدر ما هو تمكّن من اللغة وأساليبها. فمن علائم بلاغةِ الكلامِ حسنُ العبارةِ وإصابة المعنى. والبلاغةُ أيضا “بلوغ المعنى ولمّا يطل سفَر الكلام”، وتلك أرقى درجاتِ التمكّن. إنّ الإيجازَ رأسُ البلاغةِ ومنتهاها، وقد كانت العربُ تمدحُ الخطيبَ الذي يجمع المعاني الغزار في اللفظ القليل، ومدحوا الشاعر الذي يجمع المعنى الواحد في البيت الواحد، وأفضل منه درجة في سلّم الشعر ذاك الذي يجمع المعنى في قسيمٍ واحد. ولأنّ الإيجاز دليلُ تمكّن لغويّ وبيانيّ وتركيبيّ، كان من يتقنه يربو على غيره ممن لا يحسن إلاّ التطويل غير النافع. وفيما يلي محاولةٌ مختصرة لرصدِ (بلاغةِ الإيجاز)وتجلّياتِها في المجموعة القصصية (وجوه مشروخة) للكاتب المغربيّ عبد الرحيم التدلاوي، ونجمع هذه التجليات في ثلاثةِ عناصر هي: الحذف المشهديّ، والرمزية، وتكثيف الأحداث، وينبغي التأكيد على أنّ هذه العناصر تتداخلُ في بينها وتترابطُ عضويا، فلا يعمل عنصرٍ إلا في تضامّه وتماسّه بالآخر. 1- الحذف المشهديّ: هو وجه من أوجه التّكثيف، وملمح من ملامح الإيجاز، إذ تُحذف المشاهد وتُطوى الأحداث، ويُكتفى بالحدثِ البؤرة الذي يتفرّع، بعد التأويل، إلى أحداثٍ فرعية تخرج من رحمِ الحدثِ الأمّ، ففي قصّة ( ممنوع) تتوارى خلفَ المتنِ المحكيّ تفاصيلُ كثيرة لا يأتي عليها الذّكر، ومشاهدُ مرعبة تحيلُ عليها نقط الحذفِ وتومئ إليه رمزاً المتتالية السّردية (وضعوا المسدّس صوب صدغه)، فالمقام مقام ترهيبٍ وتعذيب، وما قولهم –وهم المتخفّون خلف ضمير الغائب-( اكتب بكلّ حرية.. !) إلّا كشفٌ عن مشهد التعذيبِ النّفسيّ الذي يعانيه المثقف الذي يحمل همّ التغيير بالكلمة، وتؤكّد نقط الحذف وعلامة التعجّب المختوم بها مشهدُ التهديد غرابةَ الأمر الذي خرج عن معناه الحقيقي إلى إفادة دلالات استلزامية مؤدّاها الوعيد والتّهديد. ونقف في هذه القصة التي تلخّص واقع المثقّف الذي يحمل همّ الأمّة على حذف المشهد الأخير، حيثُ جاءت القفلةُ مفتوحةً مخيّبةً لأفق التوقّع، حاثّة المتلقي على صنعِ النهاية التي تتناسبُ مع قناعاته، ويفتحُ حذف المفعول به في قول السارد التي يتموقعفي الخلف( وما امتنع) الأفق أمام توقّعات كثيرة ضبابية. وفي حذف المفعول به أيضا في قوله ( اكتب بكل حرّية.. !) ما يفيدُ دلالات تتآخى مع الدلالة الاستلزامية للأمر المتصدّر للجملة، فما دام المقام مقام تهديدٍ فلا عجب أن يكون المفعول المحذوف مفيداً لدلالةِ صرفِ الاتجاه إلى مواضيعَ هامشية لا تدخل في حيّز اهتمام المثقّف الحقيقيّ. 2-الرّمزيةُ: إنّ ركوبَ مطيّة المجاز هو في عمقه وجهٌ من أوجه الإيجاز، ذلك أنّ الدلالةَ في التعبير المجازي تنحو إلى الرمزية والتكثيف والكنائية، فيختصر اللفظ الواحدُ الدلالات العِظام، وفي لحظة التأويل تتفجّر الصّور مفرزة كمّا من الدلالات المتناسلة التي لا تكادُ تتوقّف، وظلالا من الجمال التي تلقي بوارِفِ سحرِها على التعبير مانحةً إياه تأثيراً وفاعليةً جمالية. في قصّة ( السّاعة) يتّخذُ الكاتبُ السّاعةَ في بعدها الزّمنيّ الدّال على حركية الحياةِ رمزاً للحضارةِ العربيّة، في إشارةٍ إلى تعطّل سيرها نحو الأمام، ويفتح هذا الرّمز النّص على أبعادٍ رمزية لا حصر لها، ولعل الكاتب يشير إلى أنّ حضارة العرب توقّفت عن التقدّم في العصور الوسطى، ومنذ تلك اللحظة لم تراوح مكانها، وأنّها اتّخذت موقع المتفرّج على الحضارات الأخرى التي تسير حاثّة خطاها نحو المستقبل، ويشير تعطّل ( الساعة) أيضا إلى تعطّل العقل والفعل. والقصّة في عمقها انتقادٌ ساخر لواقع عربّي لا يبارح مكانه في حركية التاريخ التي لا تهدأ. وفي قصّة ( وعد نهر)، يصير النهر رمزا للانعتاق والثورة على القيود والتوق إلى الحرية. ونقفُ في قصّة ( ابتلاع) على صورةٍ قد تبدو نمطية في ظاهرها، لكن كاتبنا أحسنَ توظيفها بما يخدم قصدية السياق وينمّي دلالة القصّة وبعدها الرمزيّ، إذ يقول ( أنشبَ أظافره فيها بالتذاذ، وصار ينهشها نهشا)، فالفريسة هنا ما هي إلا سمكة السّلمون التي يحبّها كحبّه لصاحبته، وهي فاقدةٌ لحسّ المقاومة، لذا كانَ توظيف ( نشب الأظفار) و( النّهش) قصداً إلى المبالغة في تصوير الجانب النّفسي لشخصية البطل الذي لا يرى فرقا بينَ سمكة السلمون وزوجته، فكلاهما يشبعان رغبةً وحشية، أو لنقل كلاهما يشبعان جوعاً. 3-تكثيفُ الأحداثِ: هو أحد الخاصّات المميّزة للقصة القصيرة جدّا، فأمام انحسار الفضاءِ المكانيّ يضطر كاتب القصة القصيرة جدّا، من منطلق وعيه الكتابيّ، إلى إفراغ الدلالات في قالبٍ سرديّ مكثّف الأحداثِ، وتلك أكبر العوائق التي يمكن أن تواجه كاتب هذا الجنس الأدبيّ. ففي قصّة (الساعة) تكمنُ في الخلفية أحداثٌ كثيرة تحيلُ عليها نقط الحذفِ ويدلّ عليها السّياقُ الذي ينفتح على التاريخِ والواقعِ في إشارةٍ إلى حضارة كسيحةٍ معطّلةٍ. وقد يتّخذُ تكثيف الأحداث شكل إسقاطِ أحداث من السّياق، حيثيمعنُ كاتب القصة القصية جدّا في توظيف الأفعال التي تختزل وقائع كثيرة في حيّز زمني\ لغوي قصير، فتصيرُ القصّة عبارة عن متواليات سردية قصيرةٍ سريعةِ النّفَس، تتسارع في وتيرة متناسلةٍ، وأمام هذاالاندلاثِ السريع والتدفّق الآليّ للأفعال تسقطُ أحداث وتُطوى مشاهدُ، ويمكن أن نقف على تدفّق الأفعالِ وما يهبُه للسّرد من دينامية في قصة ( وعد نهر) من خلال الجردِ التاليّ: “انطلق، يعانق، يمنحها، أصيب، يسير، استفاق، غضب، ينفجر”، وهذه الدينامية المتدفّقة تعكسُ انطلاقَ النهر وتدفّقه الذي يتماشى مع دلالة الحرية والثورة على القيود التي يرمز إليها. وممّا سلفَ، يمكن القولُ أنّ الإيجاز في القصّة القصيرة جدّا وسيلةٌ وغاية، وسيلة من حيث كونُه قالباً لغويا ودلاليا وتركيبيا يصبّ فيه الكاتب مضمونه دون أن يعييه ضيقُ المساحة، وغايةٌ باعتباره مطلباً أسلوبيا صعبَ المنالَ لا يتأتّى إلا لمن تمرّس على البلاغةِ والكتابة.

مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

ثقوب