قد تدفعك معرفتك/صداقتك لكاتب ما إلى أن تبالغ في تضخيمه ومدحه وتصديره كأهم كاتب في الجيل، وهي آفة موجودة في وسطنا الثقافي للأسف، حيث كل شلة تطبل لشخص ما من الشلة بغض النظر عن جودة ما يقدمه. المشكلة الأكبر التي تحدث -للأسف- أحيانا في بعض الجماعات /التجمعات/الشلل الأخرى هي السعي المتطرف للموضوعية والخشية المتزايدة من المجاملة /النفاق، وهو ما يؤدي لبخس حق زملائك المبدعين والتقليل من أهميتهم وأهمية أعمالهم
هنا -في محاولة للتمرد على هذا الإجحاف- أكتب عن الكاتبة الموهوبة المبدعة هناء كامل كقاصة من أهم كتاب جيلنا.
تعرفت بهناء في جماعة مغامير، ومنذ السماع الأول لقصصها تأكد لي أنني أمام موهبة لا يستهان بها، تكتب القصة وكأنها تغزل من خيوط الكلمات مفرشا مطرزا لعرضه في معرض فني ،لا يخرج هذا الغزل الأدبي إلا من كاتبة مطلعة ومستوعبة لأدب الكبار (ونجيب محفوظ تحديد).
اهتمام بالسرد واللغة وخلق شخصيات من لحم ودم وتضفير ذلك لعرض فكرة /مضمون قوي.. كان هذا ما لفت نظري في كتابتها أولا
يكفي أن تقرأ لها قصة ” بالطابق الثاني” لتتأكد من ذلك. كيف رسمت مثل هذه الشخصية الثرية لتعبر عن تلك الفكرة في إطار مشوق..
وفي قصة تحت نافذتي كيف تحول الراوي الشاهد إلى راوي مشارك باكتشافك تلك المشاعر الغامضة التي تكنها البطلة/الراوية تجاه بطل الحكاية التي تنتهي فصولها تحت نافذتها، وفي قصة المجموعة “كرباج سعادة” كيف تسرد بتلك السلاسة عن طريق ضمير المخاطب في قصة تتماس مع رباعيتين لصلاح جاهين.
التكثيف سمة مميزة في المجموعة يكفي أن تطالع قصة “شيخوخة” وكيف قدمت هذه الحالة الإنسانية الدرامية القوية في أقل عدد من السطور، مما ساهم في تركيز الشحنة العاطفية مثل سهم يصيب الهدف، وكما في القصة سالفة الذكر “بالطابق الثاني” هذه الفكرة التي تحتمل أن تكتب فيها رواية، كيف اختزلتها دون إخلال لتقدمها في هذا العدد من الصفحات.
قدمت هناء في المجموعة تنويعات إنسانية درامية وحالات شعورية مختلفة كما في بعض الطيور وشيخوخة وعكاز ورغبة وبقايا قطرات، لم تبخل هناء على القارئ بتقديم قصص تجريبية مختلفة عن النمط التقليدي في البناء والشكل السردي ، قصص تتماس مع أشكال أدبية مختلفة، وتتحرر هناء فيها من قيود الشكل لتسبح في فضاء الأدب منتجة تجارب قد نختلف في تقييمها ودرجة استمتاعك بها حسب ذائقتك ورؤيتك، ومنها: سماء..تراب وماء التي تقدم فيها فكرة تقليدية بشكل غير تقليدي وقصص أخرى لم تضمها هناء للمجموعة ربما نراها في المجموعة القادمة.
القصة الوحيدة التي لم تلمسني ولم أجد فيها الطريقة الهنائية في الكتابة هي قصة “سيحدث ذات خميس” وإن كانت هناء تجرب فيها السرد براوٍ عليم يعلم ما سيحدث في المستقبل، لكن الفكرة الكابوسية لم تتخط “مسخ” كافكا ولم تتحاور أو تتعارض معها.
ختاما أقول إن القاري لأي قصة من قصص المجموعة سيجد عنصرا مميزا، فلو لم يجد شخصية مميزة سيجد راويا مختلف وفي كل الأحوال هناك لغة سرد ممتعة ، وبالعودة للمقدمة ولأن هناك عددا هائلا من الكتاب وعددا أكبر من الكتب الأدبية ومع سهولة النشر قد يضيع الثمين بين ركام المنشور، وبعد الاطلاع على بعض كتابات الأسماء اللامعة -أو التي يحاولون تلميعها -والاطلاع على بعض التجارب التي حصدت جوائز، أقول بضمير مستريح إن هناء كامل من أكثر كتاب جيلنا موهبة وإبداعا، ولو تحمست للكتابة ولم يمنعها الملل لصارت من الأسماء المهمة في الأدب في مجالي القصة والرواية
ــــــــــــــــــــ
قاص، من مؤسسي جماعة مغامير الأدبية
صدر له: موت أداة الاستثناء ،هل يمكن أن نحب يوم الثلاثاء؟.