في القرية المزدانة بتفاصيل الطبيعة تبدأ حكاية الحب والموسيقي للمؤلف السوري مهند العاقوص لتتحول الكلمات إلى نغمات تأخدك لعالم من الخيال جعل فيه الطبيعة تجذبك إلى القرية بكل تفاصيلها. ففي الطريق إليها يرى بطل الحكاية، الحقول تغازل الشمس وعلى زقزقات العصافير تتمايل وفي البعيد قرية جدته “كعروس جميلة” تختبئ بين الغابات، مفردات عذبة لا يخلو منها النص تقودنا إلى القرية، حيث صياح الديوك “مآذن ونواقيس” لفجر الندى. وموسيقي تحملها الكلمات “فشخير”الحافلة العجوز يتوقف لحظة وصولهم وصور جسدت، في صمت “العمود الذي ينفث من فمه دخاناً أسود” كوحش هزيل وها هي الجدة لتستقبلنا بسلة من الفاكهة والحكايات والحب.
ولليل القرية موسيقي تنوعت نغماتها فتنتقلك المفردات من أصوات ذئاب تعوي إلى سكون يمزقه صوت غريب “وززز ..وززز” صانعاً إيقاع المفردات ليظهر معه شغف طفل المدينة بالتفاصيل المدهشة للريف ربطاً لك بين دودة القز التي ظلت لأيام تراقب تحولها لفراشة و بين الطفل الذي اختبأ متكوراً من تلك الأصوات في حضن والدته الدافئ. ولكنه الفضول الذي جعله لا ينام، لتبدأ معه اسئلة لا تنتهي موجهاً إياها لأمه “فلمن هذا الصفير؟”.
وكيف لا تجيب عنها الأم التي تعتقد في أن “أسئلة الأطفال تصير شعرات بيضاء في الرأس إذ بقيت دون أجوبة”. وكيف لا ترتسم البسمة على وجوهنا ونحن نقرأ هذه الجملة فالنص الذي تسحرك مفرداته لا يخلو أيضا من روح تبهج روحك. لنكتشف أنه صفير “زيز الليل”، لكن لماذا يصفر؟ فتجيب الأم بأنه يبكي. فيشعر الطفل برغبة في البكاء كالزيز ليحدث النص تماهياً بينه وبين الزيز الذي يبكي لإنتظار عودة الأم بالطعام حتي لاحت خيوط شمس يوم جديد، ولكن الأسئلة لم تصمت فمن هو “زيز النهار” إذاً؟
ويعود بنا النص إلى المدينة الصاخبة بشوارعها المزدحمة بالمارة والسيارات المزعجة في أجواء الاحتفال بالعيد جاعلاً عيون الأطفال ترقص فرحاً. فقد حصل بطل الحكاية على دمية جديدة وانطلق في” آلة دائرة” تحمل الأطفال من أسفل وإلى أعلى وتعود لتهبط بهم ليرى العالم من أعلى والناس وقد صارت أصغر، لكن الضخب يتوقف في لحظة ويصبح العالم أصماً عندما يرى طفلاً أسمر شاحب الوجه فقيراً، يدور رأسه مع الآلة الدائرة سبق وأن رآه في محل اللعب ويسمع صوت “وززز ..وززز ” وهنا يعرف زيز النهار ! وليحدث التماهي فيلعبنا معاً ويقسمنا بهجة العيد نحو الشمس .
ويختتم النص بهذة الكلمات” أسمع صفيرك الآن .. هل أنت زيز؟”
ولكن متعة النص تكتمل أيضا بمعلومة عن “حشرة الزيز” التي تصدر نغماتها لامتلاكها كيساً هوائياً على البطن كالطبلة مثبتاً بأربع عضلات كالأوتار. ويلحق أيضا ” بأسطورة يونانية” بطلتها حشرة الزيز التي حطت على آلة عازف فقير كسرت ريشته فساعدته على الفوز بجائزة كاد عازف ثري طماع الفوز بها و لتصير “حشرة الزيز” رمزاً يرسم مجاوراً للآلات الموسيقية. لقد تمكن المؤلف من الدمج بين نص شيق تحمل فيه الكلمات إيقاعات وأصوات تأخدنا إلى “الزيز” وبين معلومة علمية جسدته كآلة موسيقية وأخرى من التاريخ في أسطورة يونانية يتحول فيها لرمز يجاور الآلات الموسيقية ناصراً للضعفاء.
موسيقي الكلمات وإيقاعات متنوعة تحمل جمال الريف وأصوات كائناتها وأخرى تحمل صخب المدينة والآلاتها. عالم يحفز الخيال في مشاهد تتلاحق لنصل إلى فكرة لا تستطيع فصلها عن الحقيقة العلمية والتاريخية ربما حدث اسقاط ما بين الأسطورة القديمة و حكاية اليوم . وتدخلت الحقيقة العلمية لتؤكد نغمات الكلمات التي تترك صداها حتي بعد أن تغلق الكتاب . فالتماهي بين بطل الحكاية وزيز الليل في الريف ثم التماهي بين الأول والطفل الأسمر أو زيز النهار يجعلك ترى الأسطورة تحيا من جديد في ظل ما أصبحت تعرفه عن حشرة الزيز التي تشبة الآلة الموسيقية .
لقد انتهت الفرجة من خلال صندوق عجب يحكيه المؤلف مهند العاقوص بكلماته الشعرية ورسمته الفنانة طيبه عبدالله ولكننا ما زلنا نسمع صفير الزيز!
بريفيو:
هل أنت زيز؟ صادر عن دار البراق – العراق 2013
تأليف : مهند العاقوص
رسوم : طيبه عبدالله
حاز على جائزة أفضل كتاب خيالي للفئة العمرية 7-9 سنوات ” جائزة كتابي “من مؤسسة الفكر العربي 2015