هـى دائمـا هـكــذا

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 36
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

الطاهر شرقاوي

بمرور الوقت تقبلوا وجودها بينهم..

حتى الشاب السوهاجى، الواقف على فرشة الفواكه، كف عن نعتها بـ “المرة المجنونة” كلما جاءت سيرتها. وأخذ يرسل لها كل يوم ــ بعــد الظهر ــ مع البنت الصغيرة بائعة المناديل، بعض البرتقالات.

هى هكذا دائما..

بثوبها الأسود الحايب، الطويل حتى قدميها، وشال قطيفة يغطى رأسها، يمتلئ بثقوب واضحة، وحذاء بلاستيكى. قابضة على رأس مكنسة، من ليف النخيل. منحنية فوق السلم العلوي للمزلقان. وبتأن تأخذ سلالمه الرخامية، من أعلى الى أسفل… سلمة… سلمة… غير آبهة بالأحذية المختلفة، صعودا وهبوطا، ولا بتأفف بنات المدارس، الذي يتخلل حوارهن الضاحك، عن الأولاد المزوغين، المنتظرين خروجهن، فيضعن أيديهن على أنوفهن، أو يحركنها أمام وجوههن فى ضيق.

فقط، عندما تحس بالوجع أسفل ظهرها.

تقعد على المكنسة، بجوار السور الحديدي، فى الظل القليل المتبقي، تمسح العمص اللاصق حول عينيها، فتسيل خيوط من الدموع، على وجهها المتغضن المنكمش.

الأفريقي، بائع المحافظ الجلدية، قال بلهجته المكسرة، إنها تكلمت معه قليلا، وإنها ليست من هنا.

أما المرأة التي تعمل الشاي، ذات الأرداف الهائلة، والتي يتندر عليها سائقو الميكروباصات، كانت تقول دائما: إنها ليست مجنونة ولا حاجة، هي فقط لا تحب الكلام.

ما إن تنتهي من الكنس… حتى يكون السلم، قد امتلأ بالتراب الناعم، الذي تناقلته الأقدام الكثيفة من أسفل.

بعد العصر بقليل، تترك ما بيدها…

تلتصق بالسور الحديدي..

تنتظر القطار الحربي، الذاهب الى الصعيد.

عند وصوله، كان يتمهل قليلا، فتبص على العساكر الصغار، بأفرولات الإجازة الزيتية، ووجوههم متزاحمة فى الشبابيك المفتوحة، وعلى أبواب العربات.

عندما يلمحونها، يكفون عن الهرج، ويحدقون فى وجهها الوحيد الباصص عليهم.

أحيانا كثيرة، كان القطار يقف أمامها لفترة، قبل أن يواصل انطلاقه، مختفيا فى البعيد.

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال