هذا ليس فيلما!

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
فهد الأسطاء “لماذا نحتاج الى تصوير الأفلام اذا كنا نستطيع أن نرويها”.. مع هذه العبارة التي يطلقها المخرج الايراني جعفر بناهي وهو يغادر حزينا صالة الجلوس في بيته أمام صديقه المخرج مجتبى ميرتاهماسب ربما ستشعر معه بنفس الغصة التي يعانيها أحد اشهر وافضل المخرجين الايرانيين حاليا. فهو يعيش الآن في بيته منتظرا حكم الاستئناف في قضيته التي حكم عليه فيها بالسجن لست سنوات والمنع من اخراج وكتابة وانتاج الافلام لمدة عشرين سنة او حتى اجراء اللقاءات مع أي وسيلة اعلامية وذلك بتهمة “القيام بأنشطة مسيئة للامن القومي والترويج الدعائي المعادي للنظام” بعدما بدأ اخراج فيلم حول الاضطرابات التي اعقبت اعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد في يونيو 2009.

في هذا الفيلم الوثائقي الذي كان قد تم تهريبه خارج إيران في شريحة ذاكرة (USB) داخل قالب من الكيك ليجوب بعض المهرجانات العالمية مثل كان وبرلين حاضيا بتقدير النقاد السينمائيين وتعاطفهم الكبير مع هذا المخرج الفذ والشغوف والذي يعيش الآن أسوأ أوقاته ليس في سجنه فحسب وانما في حرمانه من اخراج الافلام كل هذه الفترة القاسية.

يصور بناهي فيلمه هذا وبطريقة تجعله خلوا من المسؤولية القضائية -كما يقول في الفيلم – أحداث احد الايام الاعتيادية التي يعيشها بناهي في بيته مجبرا حيث يضع الكاميرا أمامه ليقوم باعماله اليومية فهو يتناول افطاره ويستمع لرسائل الهاتف المخزنة ويعتني بحيوانهم الاليف في البيت ويراقب حركة الشارع من شرفة منزله ويصور بكاميرا جواله ويجري اتصالاته مع محاميته فريدة ليستطلعها الخبر حول الاستئناف الذي قدمه للمحكمة بشأن الحكم عليه بالاضافة لاتصاله الاهم مع صديقه المخرج مجتبى ليستدعيه من اجل القيام بأمر ما داخل بيته مؤكدا له على سرية الموضوع.

حينما يصل صديقه المخرج يخبره انه يرغب بأن يقوم بتصويره وهو يروي حكاية الفيلم الذي كان ينوي إخراجه وقت اعتقاله حيث يعمد بناهي بتجسيد موقع الاحداث من خلال وضع لاصق على الارض كرسم للغرفة والبيت التي ستكون محل احداث قصته الجديدة والمحورة كما يقول عن قصة للروسي الشهير تشيخوف حول فتاة يرفض اهلها التحاقها بالجامعة ويقومون بحبسها داخل المنزل فيما يجعلها تفكر جديا في الانتحار لولا انها تلاحظ من شباك الغرفة شابا وسيما يقف في الشارع فتنشأ لديها نوع من العلاقة والمشاعر العاطفية تجاهه… الطريقة التي كان بناهي يروي فيها الفيلم ورؤيته الاخراجية تشدك كثيرا للدرجة التي تتحسر فيها على فوات فرصة تقديم العمل واخراجه من بناهي لانك تدرك كمية الجمال الفني المنتظرة عطفا على كل اعماله السابقة تقريبا والتي تجعلني شخصيا من معجبي هذا المخرج ليس ايرانيا فقط بل ومن بين مخرجي العالم السينمائي..

منذ أن عرفته عبر فيلمه الرائع والفريد جدا في سرده “The Circle” عام 2000 والفائز وقتها بعدد من جوائز المهرجانات العالمية ومنها الاسد الذهبي في فينيسيا وجائزة الفيبريسي وهو حول خمس قصص متلاحقة لمجموعة من النساء يظهر من خلالها مستوى الوضع الاضطهادي اجتماعيا وقانونيا الذي تعيشه المرأة في ايران.. قبل أن اعود لأوائل أفلامه عام 1995 “The White Balloon” والفائز حينها بالكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي حول طفلة تفقد مالها وهي في طريقها لشراء سمكة جديدة.

ثم عام 2005 قدم فيلمه “Crimson Gold” والذي لاقى احتفاء كبيرا في مهرجان كان حول عامل توصيل بيتزا يكشف من خلاله المخرج مستوى الجريمة والفساد في المجتمع الايراني ومعاناة الطبقة الكادحة وسلطة المؤسسات الدينية ثم آخر أفلامه عام 2006 قبل اعتقاله “Offside” الفائز بالدب الفضي في برلين حول فتاة تتنكر بزي شاب لتتمكن من حضور مباراة المنتخب الايراني في كرة القدم والمفارقة التي يمكن ملاحظتها في فيلم بناهي الوثائقي هذا ومع طريقته الاستثنائية في تقديم الفيلم وسط كل هذه المعوقات الا اننا سنلحظ ان حسه النقدي لمؤسسات الدولة وتحكم السلطة الدينية وتهاوي المجتمع الايراني تحت ظروف معيشية صعبة كان ظاهرا سواء من خلال الاحداث الواقعية الحقيقية التي نشهدها في الفيلم من خلال تواصل بناهي مع غيره او حتى في الانطباع العام الذي يصنعه الفيلم لدى المشاهد وهو يرى حكاية جائرة لفنان حقيقي يتم اسكاته واضطهاده ليعاني غصة الظلم والابتعاد عن شغفه السينمائي.

مقالات من نفس القسم