ملف طارق إمام مليء بالجوائز سواء كانت للقصص القصيرة ومجموعها 3 مجموعات و5 روايات، وهذا يدل على نشاطه وكثرة إنتاجه بالرغم من أنه يُعد من الكتاب الشباب.
“هدوء القتلة” هي رواية الشر بامتياز والقتل الذي يأتي بلا تبرير وبلا سبب، قتل عبثي لمجرد القتل بحيث إنها لا تترك أي مساحة للتعاطف مع أبطالها سواء كان القاتل أو المقتول، القتل المجاني هذا يمارسه بطل الرواية سالم الذي يعمل موظفاً في هيئة تعداد السكان، والذي يقوده اعتقاده بيقين ليس فيه ذرة شك من أنه حفيد لسلالة قتلة قدرها أن تعيش وتمارس القتل، وهذا اليقين استولى على روحه حين قرأ أوراق مخطوطة الناسك القديم التي تركها المدون وعثر عليها سالم، ومن ثم أدرك امتداده لسلالة الناسك القاتل، وأن قدره يقبع تحت هذا المخطوط المقدس السري الملوث بدماء القتلة.
الرواية مكتوبة بحرفية عالية وبها مشاهد في غاية الروعة خاصة تلك التي يمتزج بها خيالات البطل مع واقع الحدث الحقيقي، وما لم يحدث، خيال جامح فنتازي معقد في التركيب والمعنى، مثل هذا المشهد، وهو واحد من مشاهد عديدة حفلت بها الرواية على صغر حجمها: “وبات عادياً للمارة مشاهدة ضباط يغادرون البناية في مهابة بينما تراصت عشرات الطيور على أكتافهم وأخرى على رؤوسهم، ورؤوس دقيقة مزغبة تطل بفضول من جيوب ستراتهم، كما صار مألوفا بين الضباط أن يهم أحدهم بالتحدث ليجد سربا رماديا ينطلق من فمه”.
هذه الرواية على صغر عدد صفحاتها التي لم تتجاوز 129 صفحة إلا أنها أخذت من المؤلف 5 سنوات كتابة، وهذا في رأيي كان بسبب التفكير في تركيب المشاهد السريالية المرسومة بفنتازيا عالية تحتاج إلى تخييل مضاعف، وربما شحن الإدراك بقراءات تخيلية وأفلام سينمائية تدور في ذات فلك مضمون هذه النوعية من الكتابة.
تناول الكاتب لفكرة اليد التي تكتب الشعر واليد التي تمارس القتل جدا جميلة، فهذه اليد النبيلة التي تكتب الشعر، تقابلها أختها الشريرة التي تمارس القتل، وهما لذات الجسد الذي يحملهما بخيره وشره، وإن كانت اليد الشاعرة النبيلة تستفيد وتنتفع من مجهود وتعب اليد القاتلة التي تغذيها بمادة وروح الشعر، وحتى إن لم تجد ما تغذيها به فتتقاتل الاثنتان حتى تكادا أن تقضيا على بعضهما البعض، ومشهد القتال هذا جديد غريب في آن واحد: “أنا مؤرق. استيقظت على يدي هائجتين. نهشت اليمنى اليسرى أثناء نومي، كادت أن تقتلها، استيقظت على دمائها الغزيرة، مطعونة في أكثر من موضع، وجدت يدي اليمنى قابضة على المطواة، تكيل الطعنات لأختها، كيف أتت بها؟ هل تحركت بجسدي إلى الصالة وتناولتها من الدولاب العتيق ثم عادت بجسدي إلى السرير؟ هل تقودني يدي إلى هذا الحد؟ اليسرى أيضا فعلت شيئا شبيها، أتت بأوراق بيضاء من درج المكتب وانشغلت بالكتابة بدمائها… بدمائي، استيقظت على هذا المشهد القاسي، ولكني لم أشعر بألم، كأن هاتين الأختين ليستا لي، ذات يوم ستتآمران علي، سأكون أنا القتيل: تقتلني اليمنى وتكتب اليسرى بدمي، اتفاق ممتاز”.
هذه الرواية متميزة جداً بمشاهدها المكتوبة بتقنية تخيل عال، وكنت أتمنى فقط لو أن طارق لم يجعل دافع القتل هو إيمان البطل بمخطوطة الناسك التي لم تكن مقنعة وواقعية، كما أن فكرة العثور على أوراق أو رقاع أو مخطوطات أو أيقونات وغيرها من أفكار استهلكت وابتذلت من كثرة الاستخدام، وكان من الأفضل أن يكون البطل السايكو مصاباً بعقدة مرض نفسي أو انفصام أو ممارسا لمهنة قاتل مأجور أو من المدمنين أو فئة المتوحدين المهمشين المظلومين في المدينة حتى يكون قتله مبرراً، لكن ليس باستطاعة أحد أن يقول للكاتب ما يجب كتابته لأن للكتابة أيضاً واقعها وشروطها، ويبقى مضمون هذه الرواية مميزاً ومختلفاً عن غيرها في تفهمها للقتل: “المطواة تجعلك قريبا من ضحيتك، تلتصق بها في لحظة نهايتها مُستشعرا لذة التوحد، تكون بالتزامن ملكا لكما معا”.