نوّارة .. نقطة مضيئة في نفق معتم!
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
يبدو ظاهريا ًمن فيلم "نوارة" – تأليف وإخراج هالة خليل ــ وكأنه يرصد حكاية تلك الفتاه ومعاناتها، لكنه مع قليل من التبصر سيدُرك المشاهد أن هَم صناعه لم ينصب على نوارة وحدها، بل وكأنه شهادة عن شريحة من المجتمع ليست هينة عانت الكثير من التهميش والفقر.
السرد والبناء
تدور أحداث الفيلم حول نوارة الفتاه التي تًعمل كخادمة في فيلا الوزير السابق أسامة (محمود حميدة) في إحدى الكمبوندات المُنعزلة تماما ًعن القاهرة، ترتبط بقصة حب مع علي (أمير صلاح الدين) منذ خمس سنوات ولم يتزوجا بعد، لعدم قدرتهما على شراء أو استئجار شقة الزوجية.
اختارت المخرجة أن يكون زمن الأحداث بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011، تلك الفترة التي عانى الجميع فيها من التخبط بدءا ًمن السلطة التي تُدير البلاد آنذاك وحتى أصغر مواطن، مما أنعكس بالضرورة على الشخصيات، فكل منهم يُعاني حالة من التشتت، مثلا ً شاهندة زوجة الوزير (شيرين رضا) ترغب في السفر للخارج للحاق بابنها وتشعر بعدم الأمان في ظل الأوضاع الجديدة، والعكس تماما ً الوزير أسامة زوجها نجده لا يهمه أحد ويجلس وحيدا ً يُتابع التليفزيون أو يقضي وقته في حمام السباحة، أما على الجانب الآخر نجد علي الذي لا يجد نقودا ً تكفي لعلاج والده، ولا يقدر على الزواج من نوارة. ويتأثر عمله بالظروف التي تمر بها البلد.
يُمكننا تقسيم الفيلم إلى عالمين لا ثالث لهما، العالم الأول نوارة وعلي وتوحة (رجاء حسين) جَدة نوارة، وأهل علي النوبيين، وحياة قطاع كبير من المصريين تحت خط الفقر. أما العالم الثاني فيلا الوزير أسامة الذي يَعيش هو وأسرته داخل ما يُمكن أن نطلق عليه يوتوبيا. لا يتقاطع أو يتقابل العالمان ألا من خلال نوارة، التي تبدو وكأنها الحلقة التي تربط العالمين ببعضهما البعض.
العناصر الفنية
لا شك أن هالة خليل مخرجة موهوبة، لديها بصمتها ورؤيتها التي سَعت في فيلميها السابقين (أحلى الأوقات، قص ولزق) إلى إبرازها وبلورتها في قالب فني، تلك الرؤية التي تَعني بالإنسان في المقام الأول. وهي تستكمل في نوارة مشروعها، في التعبير عن الإنسان وهمومه، هذه المرة التعبير عن الفقراء في ظل فترة تاريخية عصيبة، وأعتقد أنها وفقت في اختيارها الفترة الزمنية، ربيع 2011 في الفترة التي كثر الحديث فيها عن استعادة الأموال المهربة، ووصل اللغط فيها إلى اعتقاد البعض بأنه سيتم توزيع هذه الأموال على الشعب، فنجد في إحدى المشاهد نوارة فِرحة بقرب استعادة تلك الأموال وبتوزيعها على الشعب الذي سيصل نصيب الفرد فيه إلى مائتي ألف جنيها.
ديكور هند حيدر جاء موفقا ً للغاية للتعبير عن الفرق بين العالمين، الفيلا بأثاثها الأنيق المُغالى في فخامته، وعلى الجانب الآخر بيت نوارة التي تسكن في حجرة منه برفقة جدتها، وهذا يُحلنا لعنصرين هاميين، العنصر الأول: الملابس والإكسسوار الذان تم اختيارهما بعناية وتحديدا ً ملابس نوارة، حتى الشبشب بدا بسيطا.
العنصر الثاني: الرمزية في العلاقة مع الحيوان وتطورات هذه العلاقة.. نوارة تهتم بتربية الكتاكيت والعلاقة معهم متسقة ومتوازية، فالكتاكيت بدت هنا وكأنها تتُناسب مع نوارة وبدت وكأنها مُعادلا لها ولحياتها البسيطة، أما خديجة ابنة الوزير(رحمة حسن) التي تقتني كلبا يبدو شرساً لاسيما في تعامله مع نوارة، لكن يحدث ما يُغير مسار العلاقة معه، بعد تَغلب نوارة على خوفها منه، فلا يتدخل سواه للدفاع عنها ضد اعتداء حسن (عباس أبو الحسن) شقيق الوزير، ويركض وراءه حتى الشارع، فيطلق عليه النار ويقضي عليه وهو يصيح "هنفضل أسياد البلد" في إشارة واضحة إلى التحول الدرامي في العلاقة بين الكلب ونوارة، وتحوله لجانبها بعد أن كان يُمثل فارقا ً طبقيا.
الخلفية الصوتية والموسيقى التصويرية: يُمكننا أن نُقسم الخلفية الصوتية إلى شقين.. أولا ً الموسيقى التصويرية للمؤلفة الموسيقية ليال وطفة التي جاءت مميزة وتحديدا ً في مشهد النهاية مُعبرة عن خيبة أمل وانهيار حلم نوارة، التي لم تَدم سعادتها بهذا الحلم سوى ساعات قليلة. أما الشق الثاني فهوشريط الصوت الخلفي المُتمثل في الراديوالذي تستمع له نوارة في المواصلات، اوالقنوات التليفزيونية يتحدث عن هذه الثروات، في اشارة ذكية إلى أحلام البسطاء بالأقتراب ولوبقدر يسير من هؤلاء الذين يخدمونهم، واشارة أيضا ً إلي الفوارق الطبقية.فقد بدا وكانه بديلا ً عن الموسيقى التصويرية للتعبير عن الحالة العامة ليست للشخصيات فقط أنما الحال عامة خلال تلك الفترة.
الأداء التمثيلي
أدت منة شلبي دورًا استثنائيًا، سيبقى كثيرا ً في ذاكرة السينما، يكفي أدائها للحظات الفرح، التي تبدو ملامحها فيها مزيجًا بين البراءة والسذاجة والدهشة، أما محمود حميدة فرغم أن عدد مشاهده لم يكن كبيرا ً لكنه بدا في أفضل حالاته. يكفي مشهده في السيارة قبل سفره للخارج فيبدو محنيًا لليسار قليلا ً في إشارة إلى خنوعه لسيطرة زوجته ولامبالاته بما يجري، أما الجديد فهو أمير صلاح الدين.. ليس بسبب أدائه الجيد فحسب وإنما بسبب العلاقة بينه وبين نوارة، فمن النادر أن نجد على الشاشة قصة حب بين شاب نوبي وفتاه قاهرية، صحيح تم تناولها في فيلم "سواق الهانم" 1994 من اخراج حسن ابراهيم، ولكن في قالب طريف، لم يكن بهذا العمق. أما رجاء حسين وشيرين رضا وأحمد راتب ( حارس الفيلا) وعباس أبوالحسن فلم يُقدموا أي جديد.
إيجابيات وسلبيات
تتمثل أكثر إيجابيات الفيلم في التعبير عن تلك الفترة التي لم يتطرق لها الكثير، المصريين بعد يناير 2011، معظم الأعمال الفنية تناقش الثورة، لكن هنا الرؤية مُغايرة عن ماذا جرى بعد ذلك.
أما سلبيات الفيلم فيقع أكبرها على السيناريو حيث بدا مباشرا وتقريريا ً إلى حد كبير، بالتأكيد الكل يعرف مُعاناة الفقراء، ويُدرك جيدا ً ما حدث بعد 25 يناير، قدمت صاحبة "أحلى الأوقات" ما جرى وقتها ويجري الآن بشكل تقريري وهذا يتضح من خلال الصورة مثلا ً.. الانتقال بين العالمين رغم انه هام للتعبير عن الفوارق بينهما ألا أن بدا مُفتعلا ً في بعض الأحيان، مثل مشهد توحة وهي تُخبر مندوبي الحي بأنها لا تملك قطرة ماء، وبعدها تنتقل الكاميرا للوزير أسامة وهو يلقي بجسده في حمام السباحة في إشارة إلى وفرة المياه على الجانب الآخر، كل هذا يبدو رائعا ً، لكن هناك شيئا ً ما ينقصه حتى يكتمل الإقناع.
وأخيرا ً شريط الصوت لم يكن واضحا ً بالقدر الكافي وتحديدا ً في بداية الفيلم.
الخلاصة
"نوارة".. فيلم جيد حتى وإن احتوى على بعض السلبيات، لكنه يبقى تجربة تستحق الدعم والإشادة في ظل ضعف الإنتاج السينمائي الجيد وانحسار السينما الحقيقية في إطار السينما التجارية التي تبتعد عن جماليات الفن السينمائي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن عين على السينما
خالد عبد العزيز
قاص وناقد مصري صدر له: الطفل الذي طار على جناح فراشة ـ مجموعة قصصية ـ روافد
تصفح مقالات الكاتب