مرزوق الحلبي
1.
السير في الطريق إلى الآخرة
لا أحد في السماء
أخبرَنا
كيف يكون السيرُ
في الطريقِ إلى الآخرة
*
المُدنُ الفاضلة
في السرديّات الكُبرى متشابهة
والمحنُ
والحروبُ
وإطباق السلاطين على خرائط الثرواتِ
ومصائر الناس
وموعد الموتِ
وصورته
*
الوعد في العقائد كلّها
هو ذاته
والخيبة
والخسائر
والخاسرون
*
في الشرّ المطلقِ
لا أحد ينجو
ولا اللغةُ
ولا الحياةُ
*
لم يبقَ في السماء سوى غيمتيْن
تتقاسمهما دول عُظمى
وشعوب لم يعد في لغاتها
أثر للماء
*
لم يعد في الكونِ
نهر عذب واحد
نغتسل في مائه مرّتيْن
*
لم يبقَ في الأبراجِ
سوى التافهين
يُمسكون العالمَ من خصيتيه
وينشرون صوَرهم على التيك ـ توك
*
تقولُ الأمّ من غزّة أن أكثر من رسول
وأكثر من نبيّ
نقلوا إلينا كلام الله محرّفًا
*
بعد أن عُرفت الأسماء الحُسنى لأطفال غزّة
لم تعد هناك أي حاجة ليوم الحساب
*
في غزّة
الموتُ أطول عمرًا من الحياة
*
مَن الذي دلّكم على أرضنا،
تنثرون عليها رمادكم وتضحكون؟
*
في الحروب
كلّ اللغات تشتغل بالبغاء
تفتح معاجمها للطواغيت.
تنظّف وجوههم من العار
تذهب مع العساكر في الليل
وتغسل أيديهم من الدماء
قلّة قليلة من المفردات
تظلّ مع الناس،
تنذر نفسها لدفن القتلى
وتطيّب خاطر الناجين من المجزرة.
(آب 2025)
2.
الولادة في أكثر من مدينة
لو أنّي وُلدتُ في عكّا
لتعلّمت القفزَ من فوق السورِ
إلى زرقةِ البحر
دون أن تلحظَني عدسةُ المصوّر
لو أنّي ولدتُ في يافا
لمشيتُ على رصيفِ الميناء
أتهجّى الناسَ من سحناتِها
ومخارجَ الأحرف في كلماتها
لو أنّي ولدتُ في بيروت
لقضيت النهارَ والليل على الروشةِ
أحصي النوارسَ
وأدلّ السيّاح على بيوتٍ للإيجار في الجبل
لو أنّي وُلدتُ في دمشق
لنقلني الطاغيةُ من قبوٍ إلى قبوٍ
كي أنسى أسمي
وأتذكّر أصابعي المقطوعة
لو أنّي وُلدتُ في بغداد
لاخترتُ السُكنى في شارع المتنبّي
أجمعُ الكتبَ النادرة
وأكتبُ بالخطّ الكوفيّ وصيّتي
لو أنّي ولدت في دبيّ
لقطعتُ البحرَ سباحة إلى الضفّة الأخرى
وصلّيت كي تهدم الأمواج أبراجَ الرمال
لو أنّي ولدتُ في عدن
لعشقت حقول البنّ
وتركتُ أشعاري تتدحرج من أعالي السفح
صوبَ الصيادينَ على الشاطئ
لو أني وُلدت في تونس
لطلبت من أول سائق تاكسي
أن يأخذني إلى المهديّة
أختلي بناسها للصلاة
وأضع باقة وردٍ على شهداء الاستقلال
لو أني ولدت في القاهرة
لغُرمت بشارع المعزّ
أحصي المشربيّات
والزخارف
وأكتب في مديح فنّ العمارة ملحمَةً
لو أني وُلدت في الجزائر
لسرت على جسور القسنطينة
واحتميت بقناطرها هربًا
من الحرّ ومن الخيبات
لو أني ولدت في فاس
لمررت من بواباتها إلى المغرب العربيّ
أسأله المغفرة
لو أنّي وُلدت في القُدس
لاشتريت من الفلّاحات كلّ ثمارِ الأرض
ووزعتها على المتسوّلين
وشتمتُ الذين كانوا السبب
لو أنّي ولدت في عمّان
لبحثت عن الذين مرّوا يومَها في بيتنا
وقالوا إنهم عائدون
لو أنّي ولدتُ في غزّة
لما أخطأني الموتُ هذه المرّة!
(آب 2025)