أحمد عزمي
كقطارين التقيا
ذات صدفة
أو ربما ذات قدر
على رصيف رقم ثمانية
وسط الضجيج ونداءات الإذاعة الداخلية
لبرهة اختفت وراء ما يقيئه القطار،
من مسافرين وأمتعة ومجندين وأفراد شرطة ومحصلي تذاكر وهاربين وتائهين وباعة جائلين
-هل كانت سرابا-
كانت تهمهم بشيء ما
خلف حقيبة سفر بلون السماء
وشعر بلون انتصاف الليل.
التفت ليجدها هناك
بينما يمر عبر رسائل هاتفه المحمول
-هل كانت تكلمه-
تقلبت عيناها في أوجه المسافرين
توقفت أمام وجهه لثانية، ثم تجاوزته
بينما طارت الكلمات عبر شفتيها لتستقر في آذان المسافرين وفوق المقاعد والحقائب وأكياس المقرمشات وإعلانات مزيلات العرق
-استقر بعضها في صفحة مملوءة بخربشات طالب في الصف الثاني الإعدادي-
فكر أن يقترب
أن يخبرها كم تشبه حلما قديما،
وعدا منسيا ببيت دافئ وطفلين وبراد شاي يفوح برائحة النعناع
أن يلقي بهاتفه تحت عجلات القطار ويتبعها كظل
أن يسألها لو تناديه باسم جديد وتختار له وجها يروق لها
-كانت تطرق بأصابعها فوق الحقيبة فيرتجف قلبه مع الطرقات-
ثم جاء القطار
*
كانت هنا
وكنت أعلم أن الوقت سوف يُنفّذ خدعته
ببطء
وثقة
كنت أعرف كيف يبدو طعم لحظات الأمان المسترق
كيف تبدو لمعة العينين في ضوء الحنين
وكيف تدور الدائرة
غير أني أسلمت للوعد،
وللأمل،
صنو الوقت
وشريك خدعته المتقنة
*الأمل لايدور كالزمن
ولايسحق كالرحى
بل يختطفك كنداهة
ثم يذبحك بضربة خاطفة
*
يتجرع كأسه/قهوته/ مرارته
ويلقي بشبه قصيدة.
يرمي السلام على الجميع
ويرحل
في الاستوديو، يجاهد نفسه
ليرسم
ليتوقف عن الرقص بين اللوحة والكرسي
ليتم قراءة الكتاب الذي نسيه من أسبوعين
ليصنع لنفسه (كارير)
أو كوبا من الشاي
في غفوة العصر، يحلم:
بمدينة تشبه وطناً
بفتاة أحبها في زمن منسي
بمرآة لا تصرخ فيه بوجه عبوس
بلحظة من الصمت
*
شقوق يونج
تلك الأحرف النزقة والكمات العنيدة، أنشغل عنها فتنسل من فمي صانعة جملا ومعان لا تنتهي. تنزلق على حبل أفكاري وتهرب باحثة عن أذن صاغية. لا تعبأ بالملل ولا تتحرج من تكرار نفسها
أنتبه لما اقول، وأفكر كيف يمكن أن يصبح أكثر انتظاما ووضوحا، فتتعثر الأحرف فوق لساني، تتخبط بين أسناني وهي تحاول أن تعبر الطريق إلى شفتي. كلما حاولت أن أعاونها، تزداد تخبطا، تقع فوق بعضها البعض، حتى تسد فمي.
*
القط الأسود، ينفع في اليوم الأبيض
يلمع كمنارة وسط الضباب
يغور كمرساة ويجرح كسنّ برجل
يدوي مواؤه كجرس إنذار
القط الأسود، يقفز عبر الحلقة
يلعق كفه التي لم تمس النار
ولا ينتبه لذيله المشتعل
يرتب الشعر في لبدته بلسان خشن
القط الأسود يتعلق بأسلاك النافذة،
يصعد لأعلى الباب، ولا يستطيع النزول
يموء في غضب أو في رجاء
يمل من السكون ولا يهاب تكرار المحاولة
*
صباحا، قبل أن أفيق تماما
خيالات متآكلة تجري أمامي على سطح البلاط القديم، بينما يتسرب تيار من الهواء البارد لمؤخرة عنقي. تتراص الجمل تباعا في عقلي، تتمدد وتنكمش. يجب علىّ أن أحضر شريطا لاصقا؛ لأسد به ثقوب النافذة. مازالت الأفكار تتداعى، تتسرب من بين يديّ، أمسكها، فتتبدل خلقا آخر. أجلس أمام السطور، كفان نظيفتان وعقل فارغ. أترك القلم يجري على الأوراق بما يتذكر، بينما أنشغل أنا بملء الفراغات. أحاول ألا أبدأ في تنقيح ما أكتب؛ عليه أن يكتمل أولا. هذه جملة مكسورة الإيقاع، لو وضعنا فاصلة هنا، فإن القلم سيتبعني حتما. جملة تامة ونصٌ لايكتمل بالضرورة.
أشعر الآن بالخواء، ربما قطعة من (الباتيه) وكوب من الشاي بالحليب يسدان ذلك الفراغ.
…………………..
*فنان بصري متعدد التخصصات، بكالوريوس الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية ٢٠٠٤، شارك خلال الأعوام من ٢٠٠٢ وحتى الآن في عدد من ورش الكتابة الإبداعية والتحرير الأدبي. كما شارك وعمل وقام بتجارب في مجالات تنسيق المشاهد السينمائية، السينوغرافيا المسرحية، التجهيز في الفراغ، الكوميكس، تصميم الشخصيات، الحكي الرقمي، وغيرها.