لم يساعدها “باختين” لكي تتجاوز قلقها على مصير روايتها الجديدة.. في الفيلم الذي شاهدت منه ثلاثة دقائق بينما كانت تجلس على الأريكة الخضراء تقشر برتقالة، قال الرجل للمرآة التي تلعب دور ممثلة مسرح: ” كنت تقبلين الرجل في المشهد كأنك تخشين الإصابة بالأنفلونزا، يجب أن تذيبك القبلة، تصل حتى عظامك، اللسان يا عزيزتي، السر كله في اللسان، ابحثي عن رجل واذهبي معه للبيت، أفردي ظهرك على الفراش وباعدي ما بين ساقيك، واطلبي منه أن يضاجعك بحماس، إن لم يحسن ذلك من أداءك فلا شيء يقدر أن يفعل”.
كتابة نص، سيحسن أدائي مع العالم، سيمنع رجل أحبه من متابعة الوجع الذي يسري في دمي، ويقبض عليه كلما مس أناملي.
أضع يدي اليمني في يده، وأتحسس مقبض الباب باليد الأخرى.
الرجل المسخ يطاردني في أحلامي، يبدو مبتور الرأس لكني أعرفه من لغة جسده، يكتب لي بالدماء على زجاج السيارة الخربة التي توقفت بنا في غابة مهيبة وكئيبة، يكتب لي اسمي ويتركه ينزف حتى يغرق الحلم.
السيدة ذات الشعر الأحمر، تقذفني بحبات الخوخ الطرية التي أحبها، فتتحول لكرات لهب، سأتوقف قريبا عن استخدام مستحضرات التجميل والعطور التي لها نكهة الخوخ، لأنه يعرضني للفناء، سأختفي تحت إغواء الرائحة كما حدث لبطل “باتريك زوسكند” في رواية “العطر”.
سأطلع “محمد” على بعض أسراري، سأسحب يده لخارطة أحزاني، وكوابيس روحي.
سأبدأ بالتوابل، سأخبره أن الحبهان المطحون يثيرني جدا، ويحرضني على ممارسة الحب مع وسادتي.
وان فطيرة واحدة صغيرة من “السينابون” الذي سيثير وجوده في النص غضب الكاتب الذي يكره إقحام الحب والحلوى والأعضاء التناسلية في الكتابة..
سينابون – قرفة وشيكولاته – يجعلني أبدو مثل غانيات ماركيز الحزينات، لا يبدو الوصف موفقا أو دقيقا، أبدو أكثر جرأة ومجونا من فتيات ماركيز.
المشهد الذي يملئني الآن هو فستان قصير بائس، وسيجارة من النوع الرخيص – وخال صنعه الممثل الفرنسي للصغيرة على خدها في فيلم – ذي ارتست – قبل فوزهما بجوائز الأوسكار بقليل.
وأخبرها بالسر – لكي تحققي النجاح يجب أن يكون لديك ما لا تملكه الأخريات – .
أفكر أني أملك الحزن، والخبل، ورجل يحبني أحيانا كلما اكتمل القمر بدرا في السماء.
أملك مزاجا مرهقا، وأفكر في ابتلاع حبات المنوم حتى تكمل دائرة هرموناتي لفتها الدموية.
فأفوت ما تعرفه كل النساء، وأنجو من الكتابة القديمة المتشابهة، الرجال الأوغاد، والألوان القاتمة التي تعكر براح لوحتي..
وصورة الأشعة التي طلبها الطبيب، فاختبأت منه تحت فراش أمي في بيتنا القديم، الذي أصبح الآن أرضا خاوية بيضاء مثل صفحة كاتب جداتي ليس لديه ما يكتبه، البيت اختفى ومعه كل الأطفال والنساء والموتى والأحياء، نحتاج عشرة شهود ماتوا جميعا ليخبروا العرافة أن هنا في ذلك الموطن من القلب كان بيتي القديم، وفراش أمي.
أخبر صديقي أني خائفة من الأشعة ، يقول ببساطة – دي صورة – أفكر أني سأذهب الآن لتصوير أحشائي الداخلية، سأجعلها تبتسم مثل وجه كاذب.
تبدو الفوضى شديدة في هذا النص، والصيف بعيدا.
وصوت “فايزة أحمد” قاسيا وهي تغني لست الحبايب، فأقف في منتصف الهايبر العملاق، أنتظر عروسة قطنية وطائرة ورقية لأتعلق بطرفها وأغادر.
صوت المنبه، والشال الفلسطيني الذي اختاره لي حبيبي، وكتب مكدسة جواري، ونساء يمتهن أعمال النظافة، ونص أحاول أن أكتبه، وصورتي في حديقة الحيوان مع الصغار تنبئني بأني سأكون أما سيئة، تتهرب من واجبها المقدس، بالتكوم على بعضها مصابة باكتئاب ما بعد ممارسة الحب.
وحزن على الموتى، والغائبين، ونوستالجيا قاسية للموت من جديد، قبل أن تعيدها قبلة سحرية لهذا العالم، لتجلس هنا تحاول كتابة نصا جديدا.
خاص الكتابة