الأماكن التي نتعرف عليها مع من نحب، هي أكثر الأماكن قسوة وخطورة علينا، إنها تتغذى على ذكرياتنا مع أحبتنا بالأساس، مهما كانت ضآلتها وبساطتها، ثم تتغذى علينا نحن بعد ذلك حين نصلها وحدنا، بلا أحبة. بلا ذكريات.
لذلك تصبح العودة لكل مكان فرغ من رفقته، من صانعه بالذاكرة، هي تذكرة ذهاب بلا عودة إلى الوحدة المُرة.
تستطيع بعض الأماكن أحيانًا أن تلتصق بمن نحب، فيغدون كما لو أنهم واحدًا، وتغدو هويتنا المؤقتة في تلك الأمكنة انعكاسًا لهذا الحب. تتوازى علاقتنا بها مع علاقتنا بمن نحب، ويصبحون هم تذكرة العبور والعودة إلى المكان، كأنهم يحرسون حياتنا السابقة فيه إلى أن نعود.
تتحلى الأماكن بالإخلاص التام لصانعها. وأول من تعرفت على المكان معه وأحببته برفقته، هو صانعه. لذلك فهي تجرحك عندما تعود بدونه، تجرحك ولا تخونه.
أمكنة المحبة تقسو بدون أهلها. تقسو حتى عليك.
هكذا، حتى عندما نخسرهم، تغدو الخسارة مضاعفة، خسارة الحب وخسارة المكان. كأننا نعجز عن أن نكون في المساحة التي تعرف طريقًا لهشاشتنا، وعارنا في الفقد، وأن نعود إليها، إن لم نكن برفقتهم. تستطيع التفاصيل وحدها أن تحاصرنا وتهزمنا على أرض مملوكة مسبقًا، وندرك أنه بقدر ما يمكن للحب أن يجعل الأمكنة جميلة، بقدر ما يمكنه أن يسلبنا إياها.
الخسارة لا تشبه الحزن بشيء.
الخسارة دائمًا أقسى من الحزن وأقل عدلًا.