“نادي المحبين”.. رواية صبحي موسي بين كتاب إدوارد سعيد “المثقف والسلطة” ومسرحية “المخططين” ليوسف ادريس

نادي المحبين
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. عفاف عبد المعطي

تدور رواية “نادي المحبين” للكاتب صبحي موسي الصادرة عن دار سما، حول فكرة صور المثقف أو تمثلات المثقف الذي يبدو مستقلا عن الدولة أو على يسار السُلطة – حسب مثقف راحل عاث فسادًا فى الواقع الثقافى العربى – التي يعمل بها، لكنه ينتقد ويصحح المسار ويلعب دور المِثلية الفكرية، فبطل الرواية الذي جاء من الريف ودار في مربع الشر ملتقي المثقفين في وسط البلد بالقاهرة يلتقي بأول عضو في نادي المحبين في وسط البلد الذي بدأ اشتراكيا ويعيش حياة الصعاليك ثم يرسم للبطل مساره في مربع الشر فيحلم بأحلام المثقفين في التغيير لكنه يستدعي القهر الذي  يجعله يبدو منبطحا علي الدوام للسلطة والاستقواء الخارجى وكذلك اللعب الآمري مع شيوخ العقال .

هذا القهر تمثل مع اول شخص “عطية” مراهق القرية الذي يغوي بطلنا ليدخله في أفعال المحبين ثم أمه التي تحبسه في غرفة مظلمة فيعتاد الانكسار والقهر ويلتقطه الضابط الذي يجنده ليكون عميلا له في مربع الشر ثم يتدرج في مراتب المثلية الفكرية حتي يعمل في مركز ابحاث تابع لمجلس الوزراء ويقدم لهم حلول المشاكل في الداخل فيتم ابتعاثه الي فرنسا لالقاء محاضرة في مركز ابحاث شارل ديجول وهناك يلتقي مع ثامر الذي يساعده في الترقي  درجة في نادي المحبين ويقدم الحلول للداخل والخارج والغريب أن الشروط التي وضعها البطل المنسحق في مركز أبحاث مجلس الوزراء بضرورة الاستعانة بوزراء من الشباب كلها تنطبق علي ثامر الذى يُعين وزيرا ويكون البطل مستشاره لادخال المثقفين الحظيرة- كما حدث واقعيا لثلاثة عقود- بتوزيع المناصب عليهم في وزارة الثقافة وادماج اليسار لنيل هذه المناصب ليكون جناحا من أجنحة الدولة ظاهرهُ المعارضة وباطنه الولاء، أما بالنسبة لمركز أبحاث شارل ديجول فليعب دور المستشرق وكأنه ايضا يستعيد ماورد في كتاب ادوارد سعيد عن رؤية الغربي للشرقيOrientalism  فيقدم لهم الحلول لمحاولة التواصل مع الداخل المصري ثم يهرول إلي الأجهزة الوطنية  ليقدم لها المخارج للتعامل مع المستعمر االذي يرسل لهم البطل لورانس العرب المثقف  (وكأنه جزء من مسرحية المخططين ليوسف ادريس الرجل الذي يأكل علي كل الموائد أمام السلطة يبدو من رجالهم وفي الخارج أحد عملائهم وبين المثقفين ثوريا) ومن الحلول التي قدمها بعد احداث 11 سبتمبر ضرورة إدماج التيار الديني في السلطة، وحين يواجه مشاكل في الداخل لإبدائه هذا الراي يتغلب عليها كالبهلوان وهي مسرحية ليوسف إدريس أيضا أوكلاعب السيرك الذي يقول عنه احمد عبد المعطي حجازي: في هذا العالم المليء بالأخطاء /مطالب وحدك ألا تخطئ / لأن جسمك النحيل مرة لو أسرع أو لأبطأ / هوي وغطي الأرض أشلاء .

تنقسم الرواية إلى جزئين، جزء الفقد وهو عن ثورة 25 يناير الذي ينتصر الراوي فيها إلى رؤية مفادها انها صناعة أمريكية إسرائيلية تركية قطرية وكان اوباما وهيلاري كلينتون يكملون دور كونداليزا رايس التي اطلقت مصطلح الفوضي  الخلاقة.

المهم ان 25 يناير صنعت علي مهل وتركوا سلطة حسني مبارك تنهار علي مهل وببطء وكتمثال  الملح الذي انهار بدفعة صغيرة فانتصر صبحي موسي لفكرة العوالم الكبيرة والرؤي الكونية، وكان صاحب براءة الاختراع الاولي جسد مضمونها أن العالم قرية صغيرة وماحدث في الداخل له اياد خارجية وشخوص الرواية التي تبدأ بالبطل الذي بلا اسم وانعام شريكته وعشيقته ثم زوجته ثم مطلقته “رئيسة نادي المحبين الفرع النسائي” التي تقوم بنفس الأفعال وبذات البدايات التي بدأها البطل هزيمة ثم هزيمة ثم انسحاق ثم تحولها  إلى المثلية الفكرية، وكأن التاريخ يعيد نفسه فيكون في المرة الأولى كارثة وفي المرة الثانية مهزلة .

خرج الراوي عن العوالم التقليدية فكانت الأحداث تدور في وسط البلد بالقاهرة وباريس ونيويورك واسطنبول وكانه كدارس لعلم التاريخ يعود ليقول ان حقائق التاريخ والجغرافيا تشهد، كما قال جمال حمدان في كتابه الأشهر عن عبقرية المكان ان مصر مصب التاريخ وملتقي الجغرافيا السياسية.

تعاون البطل حين دفعه سامر للتعاون مع معهد شارل ديجول ليترقي إلى معهد واشنطن ولأسماء هذه المعاهد معني ومبني ليدشن للإخوان بالتعاون مع هيلاري كلينتون وإخوتها دخول الإخوان للسلطة بالتعاون مع حمد أمير  النفط طبعا وواضح جدا انه قطري والاشارة لاتخفي علي اي عاقل ومن علاماته أنه يهدى لبطل النص الفتي الذي يمتعه في نادي المحبين .

ثم ينقلب عليه الاخوان ويخربون مركز ابحاثه المعنون ب الجبرتي ويحولون امواله الي انعام التي كانت زوجته ثم انقلبت عليه لتأكدهم أنه يتعاونه مع الامن ومع اعتلاء الإخوان السلطه وانتهاء دوره وكعادتهم في استخدام القفازات .

يبدأ البطل بعد حدوث ازمة قلبية له بميدان التحرير ونقله الي المستشفي الجزء الثاني من الرواية وهو الاستعادة (الاسترجاع) بالاستعانة بالضابط الوطني الشريف وجماعة تمرد التي تحصل علي اقرارات من الشعب بعدم رضائهم عن حكم الاخوان ليتم الجزء الثاني باستعادة الوطن من براثن الاخوان وزواجه من الممرضة صباح وانجابه طفلا وكانه الفجر الجديد الذي ولد مع 30/6.

ولكن ماذا عن حكاية الحكاية ماوراء النص حيث يريد الكاتب الروائى المتميز صبحي موسي رغم تعدد الرؤي في الرواية التي تبدو كالمنشور السداسي( الذي يختلف النقاد في تأويلها ) يريد ان ينادي بضرورة عودة المثقف الحقيقي فحين يتأخر السياسي يتقدم المثقف كما قال كامو . يعود المثقف الذي يحمل رياح التغيير القادمة للقوي الحاكمة الكبري في الداخل والخارج عبر تعليم وثقافة حقيقيين ويناشد المجال العام ان يكون مسموحا بتغيير ثقافي يقود الي تغيير المجتمع مثل الذي قام به ثروت عكاشة على سبيل المثال .

ـ تم رسم الشخصيات بعناية فائقة كذا الاسماء وبخاصة العالم النفسي للبطل المنسحق ولم يجسد رسم الشخصية من الخارج الا الشيخ حمد من نادي المحبين والشخص المغربي الذي داعبه البطل باشعار ابن الفارض (قلبي يحدثني بانك متلفي) فرد عليه (روحي فداك عرفت ام لم تعرفي) وكان باحثا في هذا المجال وقضي معه ليلة جميلة .وقد استخدم الروائى تكنيك الصورة وتكنيك السينما وجزء من الفنتازيا حيث  يصطحب البطل سائقا فيقوم بمراودته ويطعمه السمك فيصبح شخصيا نورانيا “علي حد تعبير الراوي ” . ليعود الي استخدام اللغة الوسط ” لغة توفيق الحكيم” لتجعل القاريء يقرأ بسهولة ويسر ولكن الفهم والاستنباط يمر بعدة مراحل ليفهم كل قاريء حسبما يستطيع الغوص في متن النص واشاراته ودلالاته لأن الراوي يبدا بحكاية كانه ذاهب لاجتماع في جهاز امني فيطلب اوراقا من انعام فيتذكر حكاية انعام وحكايتها معه ثم يسير في الطريق للجهاز فيتذكر اول لقاء بالضابط وتطور العلاقة ليتم الجزء الاول في مساحة اكبر وعلي مهل وكان مرحلة الفقد تمت في العشرين سنة الاخيرة من زمن حكم حسنى مبارك حين قرر بعد احداث 11/9/2001 دمج الاخوان في السلطة حتي سقوط نظامه في 11 فبراير 2011 اما مرحلة الاستعادة فقام بها الشعب مع الدولة العميقة التي رأت خطرا في حكم الإخوان علي تغيير هوية الدولة المصرية وخلال سنة واحدة تمت الاستعادة .

وفي النهاية يجد القارئ نفسه أمام رواية مكتملة الأركان وبها كثير من القدرة على الجذب  السرد الفنى كما قال برسي لوبوك في كتابه المهم صنعة الرواية فيوجد الشخوص والزمان والمكان والحدث وقد تعرض النص للواقع المصري في مأزقين تاريخيين فاصلين 25 يناير و30/6 وهذا استمرار لمشروع صبحي موسي  الروائي الذى بدأه مع رواية حمامة بيضاء مرورا ب المورسكي  الاخير  و رجل الثلاثاء وصلاة خاصة واخيرا وليس آخرا نادي المحبين حيث عالم السرديات الكبرى الذى يرصد  البطل الإشكالي (حسب تعبير جورج لوكاش) في خضم المآزق التاريخية للجماعة البشرية فيحكي البطل مستغلا علم الجمال الادبي بكل ابداع وفن وامتاع فمعيار الفن هو الاستمتاع اولا و هو كاتب للتاريخ برؤية أخري وكأن صبحي موسي يقول ” لاتكتب التاريخ شعرا فالسلاح هو المؤرخ ” اي أن القوة تُنشىء الحق وتحميه في كل العصور والقوة هي قوة المعرفة والعلم والتكنولوجيا والتفوق العسكري الذي صنع سايكس بيكو وما يليها ليظل الحكم علينا كفرافير يحكمنا سادة العالم الابيض والعصى الحديدي  وفي رواية نادي المحبين يتجلي  مأزق شخصيتها المركزية “الدكتور” صاحب المثلية الفكرية البهلوان لاعب السيرك “، لنري من خلالها في مرآة بكل وضوح  مأزق الجماعة البشرية ونحن جميعا جزء منها في عالمنا الثالث وكان الكاتب صبحى موسى يوجه رسالة ضمنية مثلما أجاب  كامو علن سؤال تم توجيهه له لماذا تكتب كثيرا عن الانتحار فقال ” انا ل ااحب الانتحار ولكني اكتب عنه كي ادينه ” وكان صبحي موسي يدين هذا المثقف ويصرخ فينا لتغييره وتغيير الواقع . فهل نفعل؟  

مقالات من نفس القسم