مُجرد الحصول على ضوضاء

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 40
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

قيس مجيد المولى

لم تأت المربية بعد، كونها بقيت تقرأ في (منفى سان جون بيرس)  السّيد أولسن بقي في الكرسي الهزاز يهز جسده ومع اهتزاز جسده بدأت قبعتُهُ الاستوائية البيضاء والتي سبق أن أقتناها من بومباي هي أيضاً تميل يساراً وشمالا بل تساقطت عدة مرات من فوق رأسه، ولكنه وفي كل مرة يسرع لالتقاطها بحركة مضطربة من يديه ليعيدها إلى وضعها الطبيعي، أمامه ثمار، غابات، ومركب يَحمل مجموعة من العازفين يمسدون بأصابعهم الرشيقة شرايين هذه الآلات، كانت لوحة زيتية سبق أن اقتناها السيد أولسن من دار التحف الأهلية في بودابست بأخر سعر أعلنه صاحب المزاد قبل أن يطرق بمطرقته على المنضدة الأمامية، وهو يعلن أن اللّوحة بيعت للسيد أولسن بسعر 36 dinara، استدارت السيدة التي تجلس في الصف الأمامي والتي تضع في قبعتها ريشاً متعدد الألوان من ريش طاووس كانت قد اشترته من سوق الغزل في بغداد حسب ما أخبرت السيد أولسن فيما بعد وعلى مائدة التعارف التي جمعت بينهما، حين كان زوجها يعمل ملحقا عسكريا في السفارة البريطانية في بغداد أبان عرش فيصل الثاني، استدارت ورمقت أولسن بغمزةٍ عبر إغماضةِ نصف عين، لم تأت المربية بعد ومازالت تقرأ في منفى سان جون بيرس وقد اختارت (بمقبرة العائلة، بين مرايا الغرف الثلاث، ماكان ينبغي، قتل العصفور بالحصاة ) لم تنظر إلى ساعة الصالة، ولا التي في معصمها ولا تلك التي في رقبتها، ولا حتى ساعة سمكة الينبوع المنحوتة في قلب صخرة كبيرة على الشاطئ، ولا حتى حين قرعت أجراس كنيسة أوستريا المدينة التي تقع بعد بلاها تير بمحطة واحدةٍ من محطات مترو بودابست، كان هناك من يشير اليها بمنديل أبيض عند مدخل محطة (كالاتي ) وهناك من يتفرس بوجهها، يتفرس بوجهها بمنظار وضع للسائحين عند تمثال بودا للمدينة التي تشكلت من (بودا وبشت ) وقامت كحواء أنيقة من غزوات القبائل وأطماع الجيران، من الحق لم تأت المربية، ثم مالي وأنا لا أملك مَن يُربى، ربما شيء من الأمان يشعرني بذلك، مالي وأنا أستطيع أن أطفئ وحدتي بالتجوال قرب الأسواق، الوقوف قرب النافورات، قرب حلقات الرقص، وليكن في بار النبيذ الأبيض، مجرد الحصول على ضوضاء ضمن منفى، وبدأ قبالتها السيد أولسن يهتز من جديد إهتزازاً لاصلة له بكرسيه الهزاز، ربما بفعل تأثير بيكاسو عليه أو ديلاكروا من يدري ربما حين تسللت الى أذنيه إسبانيا الوحيدة: أيتها المربيةُ، كان قدري أن أقتنيك، وقدري أن أفقدك، وكلما أحاول أن أعيد رسمَكِ، سأبقى هكذا أهتزُ دائماً الى الأبد، وتبقين أنتِ تبحثين عن شيء ما إن إستمر التجوال في منفى سان جون بيرس أو في منفى أي رجل يسيرُ وحيداً على السّاحل.

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project