محمد العبادي
أعطت أكاديمية الأوسكار اهتماما كبيرا هذا العام للمبدعين السينمائيين الآسيويين، ربما هو أثر الفوز الكبير الذي حققه الفيلم الكوري “طفيلي” في جوائز العام الماضي.. انعكس هذا الاهتمام على فيلم “ميناري” الذي قدمه المخرج ذو الأصل الكوري”لي إياك شونج” الذي رشح لستة جوائز هذا العام.
رغم تصنيف الفيلم كفيلم أمريكي إلا أن مخرجه ومعظم الممثلين فيه من ذوي الأصول الكورية، بينما تدور أحداث الفيلم في ولاية آركنساه إلا أن الفيلم عن كفاح أسرة من المهاجرين الكوريين لبناء مزرعة لهم.. يلهث رب العائلة وراء “الحلم الأمريكي” بكل طاقته.. وسط صراع مع الطبيعة القاسية من الخارج.. وأسرته واحتياجاتها من الداخل.
صرح “شونج” الذي كتب سيناريو الفيلم أيضا أنه كتبه عن ذكريات طفولته الشخصية.. ومن الواضح أن شخصية الابن “ديفيد” هي انعكاس لشخصية المخرج والسيناريست.. لكن نجح “شونج” في تقديم سيناريو ناضج.. رغم أنه عن طفولته الشخصية بأحداث في الثمانينات إلا أنه لم يقع في الفخاخ التقليدية في مثل هذه الأفلام.. لم يغرق في بحر من النوستالجيا.. ولم يحاول أن يقدم أسرته في صورة ملائكية مبالغ فيها.. بل ظهروا كبشر حقيقيين من لحم ودم.. لهم أحلامهم ورؤاهم المختلفة للحياة.. وبالتالي برزت الصراعات بينهم.. وإن كان يعيب السيناريو أن نهايته لم تكن بالجودة المتوقعة.
تم تصوير الفيلم خلال 25 يوما بميزانية تقدر بمليونين من الدولارات.. لكن رغم ميزانية الفيلم المحدودة إلا أن النتيجة النهائية لتنفيذه جاءت جيدة جدا.. حتى بالمقارنة بأفلام استهلكت أضعاف تلك الميزانية.. صورة الفيلم حافلة باللون الأخضر بين البراري والحقول والغابات.. تفوق مدير التصوير خصوصا في التعامل مع ضوء الشمس.. كذلك المونتاج تم باحترافية حافظت على روح العصر دون المبالغة في إبطاء الإيقاع…
حصل الفيلم على ترشيحين في فئات التمثيل.. الأول لـ”ستيفين ييون” الذي قام بدور الأب، والثاني لـ”يوه جونج يون” عن دور الجدة.. بالنسبة لي لم يأت “ييون” بجديد يستحق الترشيح عن دور الأب.. أدى الدور بجودة لكن باعتيادية.. أعتقد أن ترشيحه جاء لأسباب عرقية (أول ممثل من أصل شرق آسيوي يرشح للأوسكار).. أما الجدة “يون” فهي الأقرب للفوز بالجائزة عن استحقاق.. أدت الشخصية بشكل غير تقليدي جمعت فيه بين عرض التفاصيل الداخلية للشخصية وبين الأداء الحركي خصوصا في جزء مرض الجدة.
حكى المخرج “شونج” أنه كان على وشك ترك مجال السينما والتفرغ لوظيفة تدريس بدوام كامل من أجل أسرته.. لكن كلمة عابرة سمعها في مقهاه المفضل غيرت مسار حياته.. بينما هو مغمض العينين يحاول التركيز لكتابة سمع أحدهم ينطق اسم الكاتبة الأمريكية “ويلا كاثر” التي كتبت عن حياتها الخاصة في مناطق السهول الأمريكية.. وصاحبة مقولة “لقد بدأت حياتي، حين توقفت عن الإعجاب وبدأت في التذكر”.. كذلك فعل “شونج”.. توقف عن محاكاة حياة الآخرين وتفرغ لتذكر تجربته.. كتب عن ما يعرف.. فأخرج لنا فنا حقيقيا.