موقع الكتابة ينشر نص المسرحية المجهولة لإبراهيم أصلان

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

على عكس كثير من الكتاب الذين بدأوا حياتهم كتّابا للقصة أو للشعر، ثم تحولوا فيما بعد إلى كتّاب مسرح أو دراما، بدأابراهيم أصلان كاتبا مسرحيا.

ومن هؤلاء الذين بدأوا بكتابة القصة والرواية، ثم تفرغوا لكتابة المسرح الكاتب الكبيرمحمود دياب الذى أصدر مجموعة قصصية تحت عنوان “خطاب من قبلى”، ورواية، والفريد فرج ونعمان عاشور الذى أصدر “حواديت عم فرج”، وسعد الدين وهبة الذى أصدر فى مقتبل حياته مجموعته القصصية “أرزاق” قبل أن يكتب للمسرح مسرحياته “سكة السلامة” و”المحروسة” و”الوزير فى التلاجة” وغيرها من مسرحيات. ومن كتّاب الدراما محفوظ عبد الرحمن الذى أصدر مجموعة قصصية عنوانها “مجهول”، وأسامة أنور عكاشة الذى نشر مجموعة قصصية عنوانها “خارج الدنيا”، وكذلك وحيد حامد، وغيرهم.

ولا بد أن تقوم دراسة نقدية على تأمل هذه التحولات الكيفية التى تنتاب تلحق بكل من هؤلاء، وهل هناك تواصل فى الأسلوب والروح والقضايا والمنحى النفسى بين المجالات التى خاض فيها الكاتب، ولكى تستطيع هذه الدراسة أن توفى تلك الأغراض، لا بد من التعرف على كل ماكتب المبدع من قصة أو شعر أو رواية، ولماذا ترك هذا المجال لينقطع تماماً للمجال الجديد الذى بدأ فيه.

وربما تكون الإجابة على هذه الأسئلة عند ابراهيم أصلان يمكن إنجازها، فالذى يبدو على كل إبداعات ابراهيم أصلان القصصية والروائية والمقالات السردية، تنتمى لعوالم تكاد تكون متقاربة، والروح الأصلانية المرحة والمتأملة والمقتصدة والمكثفة فى التعبير عن المعانى الكثيرة،تبدو قائمة فى كل ماكتب، كذلك تبدو نقاط المشابهة بين هذا النص المسرحى والنصوص الإبداعية الأخرى كثيرة، والجدير بالذكر أن هذا النص الذى اكتشفناه مؤخرا، وكان الراحل الكبير أصلان، قد حدثنى عنه بشكل عابر، ولكنه لم يشر لى على الصحيفة أو المجلة التى نشر فيها هذا النص، لأننى لم أسأله فى حينه عن ذلك، وظل البحث عنه فترة من الزمن، حتى عثرت عليه فى مجلة “الثقافة”، التى كان يترأس تحريرها الكاتب محمد فريد أبوحديد، فى العدد رقم 14 الصادر فى 22 أكتوبر عام 1963، وأعتقد أنه النص الإبداعى الأول الذى نشره أصلان حتى الآن، إلى أن يثبت عكس ذلك، وسيلاحظ القارئ أن عالم المسرحية يدور حول هموم الموظفين، ومحاولاتهم الحصول على إجازات من باب الفهلوة، وكذلك بطل المسرحية شخص له اهتمامات ثقافية، ويحاول طوال الوقت أن يفتح حوارا مع الطبيب الذى يتعرض أمامه لنوع من الدهشة، وكذلك من سمات الكتابة الإبداعية عن أصلان، هذه الحركة الحادة بين الأشخاص الذين يصنعون الحالة القصصية أو الروائية أو المسرحية، والحديث بالطبع يمكن أن يطول، عن أوجه الشبه والقواسم المشتركة الفنية فى كل ماكتب أصلان، ولكننى لا أريد أن أطيل فى هذه الإيضاحات، خاصة أن النص يتمتع بحضور مسرحى عال، وواضح أنه متأثر بشدة من قراءة المسرح الأجنبى المترجم آنذاك، فاللغة الفصحى التى تتسيّد النص تشهد على ذلك، وربما يكون هذا الاستخدام مرحلة مؤقتة سوف يتم الإقلاع عنها بعد ممارسات قليلة فى الكتابة، مما يضعنى أمام سؤال يشغلنى، وهو: لماذا لم يستكمل ابراهيم أصلان الكتابة للمسرح، طالما أنه يملك هذه الطاقة المبدعة لإنتاجه وكتابته.

وأود أن أشير فقط إلى أن ابراهيم أصلان قد كتب ونشر فى تلك الفترة دراسة قصيرة عن فن القصة القصيرة،مما يدلّ على أنه بدأ ينحاز ويتجه بكليته إلى هذا الفن،لأنه بعد ذلك راح ينشر قصصه فى القصيرة فى عدة مجلات أخرى غير مجلة الثقافة، فنشر قصته اشهيرة “بحيرة المساء” فى العدد الخاص الذى أصدره الكاتب والفنان رفيع المقام يحيي حقى فى مجلة “المجلة”وذلك فى أغسطس عام 1966، وكتب عنه تعليقا نقديا الدكتور شكرى عيّاد، ثم نشر له الكاتب علاء الديب قصتين فى مجلة “صباح الخير”،وبعد ذلك أعدّت عنه مجلة “جاليرى 68″الطليعية ملفا خاصا وغير مسبوق لأى كاتب آخر،فنشرت له خمس قصص قصيرة،مع دراسات نقدية لخليل كلفت وابراهيم فتحى وادوارد الخراط،وكان هذا الاحتفال فريدا من نوعه لكاتب لم يصدر له أى كتاب آنذاك، وبعد ذلك صدرت له مجموعته القصصية الأولى “بحيرة المساء” عن الهيئة المصرية العامة للكتاب،بغلاف أنيق للفنان الراحل عدلى رزق الله، وكذلك فى طبعة جيدة، وأصبح ابراهيم أصلان فى صدارة المشهد القصصى لجيل الستينيات، بل أصبح علامته المميزة، وإنجاز هذا الجيل الرئيسى، ومعه محمد البساطى ويحيي الطاهر عبدالله وجمال الغيطانى ومحمد ابراهيم مبروك وعلاء الديب وغيرهم من كتّاب القصة القصيرة فى هذا الجيل.

وإليكم هذا النص المسرحى المجهول،والذى لا تخفى التأثيرات الوجودية على أحداثه وبطله “مبروك” الذى يبحث عن شخص يتحدث معه،وكان هذا الشخص هو طبيبه المعالج،وتتأزم العلاقة بينهما، وعندما بدأ يحدث التفاهم، كانت المسرحية بدأت تنتهى، ولعل هذا النص يكشف عن خلفية جديدة لابراهيم أصلان فى إعادة قرائته واكتشافه من جديد.

شعبان يوسف

 

(الساعة الواحدة)

بقلم :ابراهيم أصلان

 

الطبيب: فى الأربعين، يرتدى معطفا أبيض.

مبروك: فى الثلاثين، يرتدى قميصا قذرا وسروالا، يضع على عينيه منظاراطبيا،ويتأبط مجموعة صغيرة من الروايات القديمة، أسمر، زائغ النظرات تبدو عليه سيماء البلاهة.

العجوز: يرتدى حلة رمادية نظيفة، متأنق، يضع وردة كبيرة فى عروة الجاكت.

المكان: حجرة فى الطابق الأرضى بإحدى المستشفيات الخاصة لعلاج موظفى وعمال إحدى الوزارات الحكومية

 

المشهد الأول

غرفة متوسطة الاتساع،فى مواجهة المسرح نافذة كبيرة على المستشفى،يقف بجوارها مريض معصوب الرأس،وإلى اليمين يجلس الطبيب خلف مكتب قديم عليه جهاز تليفون ومقياس لضغط الدم ومحبرة وأوراق وبعض المعدات الطبية،وإلى اليسار أريكة مستطيلة يجلس عليها العجوز والبدين ومبروك فى وضع ثابت وقد أطبق كل واحد منهم شفتيه على ميزان حرارة زجاجى،عند رفع الستار يكون الطبيب منهمكا فى تحرير شئ على دفتر صغير،وفى أثناء ذلك يدق جرس التليفون ويستمر وقتا بينما هو ينزع الورقة عن الدفتر ويناولها للمريض الذى يهرول خارجا من باب يقع فى نهاية الجانب الأيسر خلف برافان قديم،يتناول الطبيب سماعة التليفون بيسراه ، يتوجه مبروك فى حركات آلية متأبطا كتبه ويقف ساكنا مكان المريض الذى انصرف،مرسلا نظراته الزائغة من فوق رأس الطبيب وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة غامضة.

الطبيب:(فى صوت هادئ)..آلو..أفندم..(يبتسم)..أهلا أهلا..طبعا…بلا شك..سأمر عليك(يومئ برأسه)..هيه..هيه..تحت أمرك..(يمد يده بدون أن يلتفت إلى مبروك ويجذب الترمومتر من فمه)…نعم؟..لا…سنرى..(يقهقه)…سنرى ذلك فى حينه…بلاشك…أوروفوار..(يضع السماعة..ويميل برأسه إلى الوراء ويضيّق حدقتيه ويتأمل الترمومتر،يسقطه فى كوب مطهر موجود على المكتب)..حرارتك طبيعية.

مبروك:(بدون أن يغيّر من وضعه السابق) مازالت ساقى تؤلمنى.

الطبيب:(يرفع رأسه بسرعة) من؟..أنت؟

مبروك: نعم..هو أنا.

الطبيب:(يتأمله) ألم تكتف..هيه..أتريد أن اكتب لك أنك متمارض مرة أخرى؟

مبروك: لقد وقع..على بسبب ذلك..جزاءات كثيرة..ولكن هذا..ياسيدىلا يؤلمنى….كما تؤلمنى ساقى اليسرى.

الطبيب:(يفكر لفترة) اكشف عنها..(يخطو مبروك مقتربا من الطبيبفى خطوات سليمة لا عوج فيها..ويضع كتبه على حافة المكتب وينحنى ليكشف عن ساقه..وفى أثناء ذلك يخلع العجوز الترمومتر من فمه ويأخذ فى السعال إلى أن يحتقن وجهه ،وبعد أن يلتقط أنفاسه يخرج منديلا من جيب جاكتته الداخلى ويربت به على فمه برفق ثم يضع الترمومتر فى فمه مرة أخرى،ويتكئ على مسند الأريكة ،يكون الطبيب قد انتهى من تحسس ساق مبروك) اجلس(مبروك يقرفص)..انهض (ينهض)..إنها سليمة..ككل مرة..سليمة…سليمة.

مبروك:(يتناول كتبه..يعود لتأبطها)ربما….إنها الآن تؤلمنى فقط..ولكن..عندما يأتى المساء..فإنها تؤلمنى جدا.

الطبيب:(يتفحص وجهه) لماذا تضحك؟

مبروك:إننى لا أضحك..ياسيدى الطبيب..إننى لا أضحك.

الطبيب:(يهز راسه مفكرا) هيه..هل وقعت عليها؟

مبروك:لا أذكر..لا أذكر أنى وقعت عليها..إنها تؤلمنى منذ وقت طويل..لا أذكر أن ذلك قد حدث ..ولكن..عندما يأتى المساء(الطبيب يلوى رقبته فى ضيق ويشير إلى البدين الذى يتقدم وقد تقلص وجهه فجأة وانحنى ممسكا ببطنه)..

البدين:(يتأوه)ثلاثة أيام ياسعادة البك..وأنا أحيا..آه..عهلى ماء الفول..آه…النابت..

مبروك: على أية حال..لقد توجهت بالأمس إلى الشيخة ظريفة..

الطبيب:أرجوك..

البدين:آه..آه..المغص..بطنى ياسعادة الدكتور..آه..آه..

مبروك:إننى مثلك ياسيدى..لا أؤمن بهذه الأشياء..ولكن أمى..

الطبيب:(منفعلا) أنت لن تقص علىّ حياتك وحياة أمك هنا..أنت لن تفعل ذلك أبدا..بل ستعود إلى عملك الآن(يمسك بالقلم ويبدأ الكتابة فى دفتره الصغير..العجوز يعود لخلع الترمومتر من فمه ويأخذ فى السعال)

مبروك: سيدى..أنا لن أقص عليك حياتى..إنها المرة السادسة التى آتى فيها إليك..ولم أقص عليك حياتى ..ولم أفكر أن أقصها..ليس هناك وقت ..ولكنى أردت أن أقول ..أن أمى.

البدين: تقيأت فى وجه رئيسى..آه..هل يرضيك ..ياسعادة الدكتور..أن أتقيأ فى وجه رئيسى؟

الطبيب :(ينظر إلى ساعته بينما هو يواصل الكتابة ،بصوت عال)يعوووود لعمله..متمارض..الساعة الواحدة والنصف.

مبروك:سيدى الطبيب..نوبة عملى ..تنتهى فى الساعة الثانية..والساعة الآن..الواحدة والنصف..والطريق من هنا إلى.. هناك..لا يقل عن..

البدين:أقسم لك..آه ..ياسعادة الدكتور..بأننى لم آت إلى هنا من أجل إجازة..آه..ولكنى أريد ..آه..دواء..آه..آه لو رأيتنى آه..

الطبيب:(مواصلا الكتابة)يومان إجازة..وتعرض علىّ نفسك قبل استلام عملك(يأخذ البدين الورقة وينصرف فرحا)

مبروك: يجب عليك..أن تكتب ورقة أخرى..أعتقد..

الطبيب:(بضيق) أرجوك ..أرجوك..

مبروك: إنك لم تكن تعلم شيئا عن مسألة المسافة هذه..

الطبيب: ألا تخرج؟

مبروك: وذلك ليس عيبا على أى حال..فأنت يا سيدى الطبيب..لست انسانا..

الطبيب:(صارخا) قلت لك اخرج..

مبروك : منزها عن الخطأ..فكل مخلوق على هذه الارض..انسانا كان..أم بقرة معرض لكل ماهو من شأنه أن ..

الطبيب :(صائحا) ياحسن..ياحسن..(العجوز يخرج الترمومتر من فمه ويعود للسعال، يفتح الباب فيسمع ضجيج المرضى بالخارج. يخطو التومرجى إلى الداخل فى خطوات متثاقلة) خذ هذا الأفندى إلى الخارج فورا..لا تدعه يدخل إلى هنا مرة أخرى ..أبدا..أتفهم..أبدا..(يقترب التومرجى خطوة من مبروك ويشير له برأسه تجاه الباب..يتراجع مبروك خطوة..يخطو التومرجى خطوة أخرى مادا يده)

مبروك: إياك أن تلمسنى ..أيها التومرجى..سأخرج بنفسى..قلت لك إياك أن تلمسنى..(إلى الطبيب) لقد قرأت مرة أن..

الطبيب:(ضاربا المكتب بيده) حسن ..ماذا قلت لك؟

مبروك :سيدى..عندما يتعلق الأمر ..بعيادتك الخاصة..فأنت(الطبيب يتكئ على المكتب موشكا على النهوض والانفجار،ينظر إليه مبروك لفترة،يتجه ناحية الباب ،ثم يقف،ويرسل نظراتهعبر النافذة) ولكنها ..عندما يأتى المساء..تؤلمنى جدا..(يواصل سيره خارجا،ويختفى خلف البارفان).

 

المشهد الثانى

 

نفس شخصيات المشهد الأول

نفس المكان

 (مبروك واقف فى مكانه الأول،متأبطا كتبه..بينما الطبيب ممسكا بسماعة التليفون).

الطبيب: بلا شك ..سأمرّ عليك(يومئ برأسه) هيه..هيه..لا..هيه..تحت أمرك..تحت أمرك(يمد يده بدون أن يلتفت إلى مبروك ويجذب الترمومتر من فمه) نعم؟..لا..سنرى….(يقهقه)سنرى ذلك فى حينه…بلا شك..أوروفوار..(يضع السماعة ،ويميل برأسه إلى الوراء.. ويضّيق حدقتيه..ويتأمل الترمومتر..يسقطه فى كوب المطهر) حرارتك طبيعية.

مبروك :إننى أعلم ياسيدى.

الطبيب:(يرفع رأسه منزعجا) من؟..أنت؟

مبروك: نعم..إنه أنا..(يشير الطبيب إلى المريض البدين،الذى يتقدم وقد تقلص وجهه فجأة وانحنى ممسكا ببطنه).

البدين: آه..آه.. المغص..بطنى ياسعادة الدكتور..آه..آه..

مبروك: على أى حال..هل تذكر..ياسيدى الطبيب..آخر مرة كنت فيها هنا؟..

الطبيب:إننى أذكر.. أيها الرجل…إننى كتبت علاجا لبطنك هذه.

البدين:تناولته..وشرفك ياسعادة الدكتور..آه..من يومها.

مبروك: حدثت أشياء كثيرة(العجوز يخلع الترمومتر من فمه ويأخذ فى السعال)

الطبيب: لا يمكن..لا يمكن تكون قد تناولت العلاج.

البدين: أقسم لك ..ياسعادة الدكتور.

مبروك : أنا بعد أن تسلمت عملى..فى اليوم التالى..

البدين : لم آت إلى هنا من أجل إجازة..آه..ولكنى أريد آه ..دواء..آه ..لو رأيتنى آه..

مبروك : ارتفعت درجة حرارتى ..ياسيدى..ارتفاعا كبيرا..

الطبيب:(ضاغطا على أسنانه)اخرس..لا تتكلم..

البدين: آه..آه..(يبكى) آه..ياسعادة الدكتور..هئ..هئ..آه..

الطبيب: سنرى..ربما كانت الزائدة الدودية.

مبروك: سيدى ..أنك لا تفهم..لماذا..

الطبيب: قلت لك اخرس..

البدين: (يكف عن البكاء ويظهر عليه الخوف)..لا..لا ياسعادة الدكتور لا.. اكتب لى العلاج السابق.

مبروك: أتيت إلى هنا..إننى أتيت إلى هنا لكى..

الطبيب: اقترب (البدين يقترب ويهم مبروك بالاقتراب فينظر إليه الطبيب فى احتقار..ويستدير إلى البدين)ارفع ملابسك(ويأخذ فى الكشف عليه).

مبروك: أخذتنى عربة الإسعاف.. إلى مستشفى الحميات..لأن..

الطبيب: كح(البدين يكحّ..يخلع العجوز الترمومتر من فمه..ويأخذ فى السعال..مشاركا البدين).

مبروك:درجة حرارتى.. كانت مرتفعة….كنت أغلى..كما أخبرتك الآن..

الطبيب:(يخط على الورقة أمامه) يومان..

مبروك: يوم واحد..وهبطت درجة حرارتى..مرة أخرى..

الطبيب: إجازة وتعرض نفسك علىّ..

مبروك: كما تعلم..

الطبيب: قبل استلامك العمل(إلى مبروك) قلت لك اخرس سأكتب تقريرا إلى مديرك..وأضع حد لهذا الجنون( يعطى الورقة للبدين فيأخذها وينصرف فرحا)،

مبروك: قلت لهم ..فى مستشفى الحميات..إن ساقى ..عندما ياتى المساء ..تؤلمنى جدا..وأنت لا تفهم..

الطبيب: (صارخا) قلت لك اخرس.

مبروك: لماذا أتيت إليك؟..

الطبيب:(مندهشا)أتسألنى لماذا أتيت..أنت إلىّ؟

مبروك: إننى لا أسألك..ياسيدى..لماذا أتيت أنا..إليك أنت..لقد أتيت إليك مرات كثيرة..وفى كل مرة..أرجو أن تعذرنى..كنت أعلم..لماذا أنا …أتيت إليك..أنت

الطبيب:(ضاربا كفا بكف) لا حول ولا قوة إلا بالله..

مبروك: إنها..ياسيدى الطبيب..المرة الأخيرة..التى آتى أنا فيها..إليك أنت..

الطبيب: (متصنعا الدهشة)متأكد؟..

مبروك: أقسم لك..ياسييدى..برحمة أمى..إنها..

الطبيب: ساقك طبعا..فلننته إذن..فلننته..

مبروك: هذا شئ مؤكد..

الطبيب: ماذا تنتظر إذن؟..ماذا تريد؟..انطق..

مبروك: لقد قلت لهم ..بمستشفى الحميات..كما تعلم… سيادتك…إنها..عندما يأتى امساء..تؤلمنى جدا…

الطبيب :(يهز رأسه وينظر إلى سقف الحجرة) وبعد؟

مبروك: فأحالونى..إلى مستشفى القصر العينى..وفى مستشفى القصر ..العينى..

الطبيب:النهاية…النهاية..هل ستظل تقول لى ..عندما يأتى المساء(يحتد)المساء..المساء…ممثل حضرتك؟..

مبروك: ميكانيكى..

الطبيب:(يضرب المكتب بيده) ألا تفهم..قلت لك انته أو اخرج..

مبروك: لقد أردت ..ياسيدى أن …أن أقول..أنها لم تعد تؤلمنى..

الطبيب: ماذا؟..

مبروك: لم تعد تؤلمنى..أبدا…حتى..عندما يأتى المساء

الطبيب:(يهز رأسه) كنت أعلم أنها لا تؤلمك…لماذا أتيت إذن؟…أهو دور ذراعك؟..

مبروك: حمار..

الطبيب:(صارخا)يا.. حسن..ياحسن…

مبروك: إذا قلت أننى أتيت من أجل ذراعى..سأكون حمارا..

الطبيب :(يهدأ نسبيا، ويفتح الباب،فيسمع الضوضاء الخارجية ،ويطل برأسه من فوق البارافان)..ماهو إذن؟..

مبروك:من ياسيدى الطبيب؟..

الطبيب:(فى يأس)ماهو الذى أتيت تشكو منه؟..

مبروك: سيدى الطبيب…إننى لا أشكو شيئا على الإطلاق..ولكنى أتيت لكى أقول..

الطبيب:هيه..

مبروك:قلت لهم أن ساقى..عندما يأتى المساء..تؤلمنى جدا..فى مستشفى الحميات..كما تعلم..فأحالونى إلى القصر العينى..

الطبيب:(يتمالك نفسه فى جهد واضح) وبعد وبعد وبعد وبعد؟

مبروك: فى القصر العينى..أقسمت لهم أن ساقى تؤلمنى..آه…لشد ماكانت تؤلمنى ياسيدى الطبيب (العجوز يخلع الترمومتر من فمه ويأخذ فى السعال)

الطبيب:أرجوك..أرجوك..هناك آخرون..

مبروك: لقد خرجت منذ وقت..قصير..

الطبيب: خرجت..خرجت من أين؟..

مبروك: من القصر العينى..

الطبيب: هل احتجزوك؟..

مبروك: بعد أن قالوا ..أن ساقى..قد تسوست عظامها..وأصبحت غير صالحة للاستعمال ..قالوا ذلك…ياسيدى الطبيب..قالوا ذلك.

الطبيب:(يقطب حاجبيه ويرمق ساق مبروك فى نظرة خاطفة) وبعد؟

مبروك: (يضع رواياته على حافة المكتب ويتناول مسطرة حديدية…ويتكئ بيده على الجدار..ثم يضرب ساقه بالمسطرة بقوة .. فيرتفع صوت ارتطامها عاليا)

الطبيب :(قافزا) ماهذا؟..

مبروك: خشب ..ياسيدى الطبيب..هذا خشب..

الطبيب :(مصعوقا) خشب؟..

مبروك: نعم..إنه خشب..ألم أقل لك..أنها لم تعد تؤلمنى..حتى عندما يأتى المساء! (الطبيب يبتلع ريقه..ويكاد يتهاوى مبروك يتناول كتبه ويتجه إلى الباب وساقه تدق على الأرض فى صوت مكتوم..يقف بجوار البارافان ويلتفت إلى الطبيب) لقد قرأت مرة (يصمت)ولكن.. ماذا يهم؟…يهم بالخروج أوه..لقد نسيت..إننى أتيت إليك اليوم..لكى أقول لك…ياسيدى الطبيب (يصمت ثانية ويطأطئ رأسه) لا .. لا تصدقنى ..أنا لست حزينا (يهز رأسه) أبدا (يبدأ فى الخروج..تطفأ ضواء المسرح تدريجيا ..بينما يأخذ صوته فى الخفوت آتيا من وراء البارافان) أبدا …أبدا…أبدا..

ستااااار

 

 

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال