صفوان الشويطر
في البداية علينا عرض المفاهيم المتعلقة بالسرد والتي ستتناولها هذه الدراسة التي تسعى لتحليل وحدات البناء القصصي في القصص المختارة -و بالتحديد السارد و المبنى الحكائي – و وصف هذه الوحدات وصفا منهجيا .
يذكر قاموس السرديات ان السرد narrative يعتبر منتج وصيرورة،موضوع و فعل،بنية و بنينةstructure and structuration و هو متعلق بحدث حقيقي او خيالي او اكثر يقوم بتوصيله واحد او اثنين او عدد من المروي لهم( برنس 122)، ويعرف يوسف غليسي علم السرد على انه : “تحليل مكونات السرد و آلياته، هذا الحكي الذي يمثل حكاية منقولة بفعل سردي.. و هي تعني بالحكي العرض الفعلي للحكاية،انما تجيب عن هذا السؤال: من ؟و ماذا يحكي ؟و كيف يحكي ؟” اما حميد لحمداني فيرى ان السرد هو ” الطريقة التي تروى بها القصة الراوي و المروى له ..فالقصة لا تتحدد بمضمونها فحسب و انما بالشكل الذي تعرض بها هذه الاخيرة ” (بن يامنة 2)، و يعرف السرد على انه خطاب يعيد تقديم حدث او اكثر و يتضمن ايضا الوصف والتعليق( العجمي 17) .
بالطبع السرد هو مكون تعبيري موجود في كل الاشكال الكتابية و الادبية، فالقصيدة التي تسرد حدثا تعتبر نص ذو سمات سردية، لذلك تم التعارف على ان سردية اي نص تتحدد وفق ما يحمله من خصائص تتعلق بالسرد و ذلك ما يعرف ب” سردية النص” .
ما يهمنا في هذه الدراسة هو السرد بوصفه ركن اساسي في النص القصصي اذ ان النص القصصي يجب ان يحتوي على حكاية و التي تقوم على ركنين رئيسيين هما : 1) قصة و احداث 2) اسلوب حكي او “سرد” للحكاية بطريقة معينة لان اي حكاية يمكن سردها بأكثر من طريقة، و يميز الناقد الفرنسي جيرار جينيت 3 ابعاد لكل واقع قصصي وهي : 1) الحكاية اي جملة الاحداث التي تدور في اطار زمني و مكاني ما و تتعلق بشخصيات من خيال السارد تنتج لديها ردود فعل و تصرفات هي من عناصر التحليل المختص بتحديد وظيفة كل عنصر من عناصر القصة. 2) السرد و هي العملية التي يقوم بها السارد او الراوي و ينتج عنها النص القصصي المشتمل على اللفظ القصصي او ” الخطابdiscourse “، والحكاية اي الملفوظ القصصي 3) الخطاب القصصي الذي يشمل العنصرين السابقين في النص و يمثل العناصر اللغوية التي يستعملها السارد ليحكي قصته ( 73-74).
اذن، يتضمن النص السردي الحكاية ” الحكي ” والتي بدورها تمثل سردا خالصا والذي بدوره يحتوي على تجسيدات لافعال واحداث و من جهة اخرى يتضمن السرد تجسيدات الاشياء و الشخصيات و التي تندرج تحت مسمى ” الوصف”،فالحكي و الوصف هما اهم مكونان في التعبير السردي (راشدي 244). ان الحكاية و التي هي اهم ركن في القصة تتحدد وفق مفهومين هما :(المتن الحكائي) و(المبنى الحكائي)،المتن الحكائي pable : هو الحكاية كما يفترض انها قد حدثت في الواقع أي بمراعاة منطق التتابع و التراتب،اما المبنى الحكائي sujet: فهو المتن الحكائي مرويا و في هذه الحالة فإن المتن المذكور يكون خاضعا للكتابة، وايضا لقواعد الحكي وانساقه (انغام 270).
وفقا لما سبق فإن المبنى الحكائي يتعلق بالشكل و الاسلوب الذي بنى عليه القاص/ة النص و الكيفية التي تم فيها تقديم الحكاية.
الى ذلك، يأتي السارد – الراوي – و هو الذي يروي النص للقارىء و يتمثل دوره في : 1) الحضور داخل السرد،2)ترتيبه للعلاقات الزمنية داخل السرد،3) علاقته بالشخصيات،4) مصداقيته السردية (العجمي 52). لقد حدد شتانزل 3 مواقع سردية رئيسية هي: الراوي المؤلف،الراوي الفاعل “الشخصية” و ثالثا الراوي المتكلم (برنس 130).بالنسبة للموقع الاول فهو سارد عليم كلي المعرفة ينظر للقصة من موقع خارجها و يعرف اكثر من الشخصيات و مطلع على كل شىء في القصة،ثانيا الراوي الذي يتكلم ويمثل الشخصية الرئيسية و يحكي حكايتها،اما الموقع الثالث فهو الراوي المتكلم او المشارك داخل القصة و هو احد شخصياتها و يحكيها لنا من موقع داخلي يسمح له بوصف كل عناصر السرد كما انه يقدم رأيه في ما يدور و ينقله للقارىء وهي تسمى ” رؤية محايثة ” او الرؤية المشاركة فهي مصاحبة للسرد و مرافقة له .
يتمثل حضور السارد في القصص على عدة مستويات : لعب دور الوسيط بين القارىء و النص لذلك فهو يقوم بوصف الاطار الذي تدور فيه القصة، المستوى الثاني فيظهر جليا عند تقديم الشخصيات و تحديد ملامحها و سماتها و نفسيتها و تقديم حكم عنها او تنبؤ بما قد تقوم به او تفسير لسلوكها .اما المستوى الثالث فيتمثل في التحرك داخل زمن القصة بين ماضي و حاضر، استباق او استرجاع و تذكر ( العجمي 53).
ان ترتيب العلاقات الزمنية داخل السرد يتعلق بعلاقة زمن القصة بزمن السرد اي هل القصة سابقة ام لاحقة ام متساوقة مع لحظة الحكي من قبل السارد ” الراوي”، و في الاغلب هو سرد لاحق كما هو حال القصص المختارة التي يقدم فيها السارد القصة بعد حدوثها .
التعريف بالكتاب و الكاتبة
مريم القحطاني قاصة و كاتبة يمنية المولد، امريكية الجنسية .نشأت في صنعاءـ اليمن وهاجرت إلى الولايات المتحدة في التسعينيات وهي حاصلة على بكالوريوس في علم النفس العام من جامعة كابيلا في ولاية مينيسوتا. تعمل حالياً معيدة ومرشحة ماجستير في استشارات الصحة العقلية السريرية في جامعة نورث وسترن. تعيش بالقرب من واشنطن العاصمة مع عائلتها. تكتب القحطاني المقال و القصة القصيرة باللغتين العربية و الانجليزية و ترجمت بعض قصصها العربية الى الانجليزية.
تتناول هذه الدراسة 3 قصص متضمنة في مجموعتها القصصية ” عن الحب و العزلة” و هي مجموعة قصصية صادرة عن دار المتوسط للنشر في 2022 و تضم المجموعة 11 قصة كانت عناوينها كالتالي : هدية،نورية،حورية، خديجة،فتون، عزلة، في الطريق الى صنعاء،جميلة،مارلين،انا عيدك، راحة بال .تتناول هذه الدراسة 3 قصص من المجموعة هي نورية، خديجة،جميلة. القصص الثلاث السالفة الذكر تتشابه في عدة عناصر اولا ان الشخصية الرئيسية امراة كما هو واضح من عناوين القصص التي تحمل اسماء علم مؤنثة، و تقدم القصص الثلاث تجارب نسائية مختلفة للمرأة اليمنية الريفية و هي تحاول تأكيد ذاتها رغم الظروف و التقاليد .
في القصص المختارة نجد ان السارد ” الراوي” يتموضع في موقع الراوي المتكلم المشارك اي الراوي الموجود داخل القصة و حاضر فيها و له علاقة ببقية شخصيات القصة و الراوي المشارك في القصص هو امراة لها علاقة مباشرة بالشخصية الرئيسية داخل النص كما ان القصة تنطلق من حدث واحد ثم يأتي دور الراوي ليربط الحدث بقصة حياة الشخصية الرئيسية اضافة الى دور الراوي في التعليق على مجريات القصة و الشخصيات الى جانب وصف الاشخاص و المحيط الخارجي للقصة .
تحليل القصص
كما تقدم، تحاول هذه الدراسة تحليل موقع السارد و دوره في حركة السرد داخل 3 قصص مختارة للقاصة مريم القحطاني من مجموعتها القصصية “عن الحب و العزلة ” و ذلك وفقا لما تعارفت عليه النظريات السردية حيث يتم تحديد موقع السارد و طبيعة المبنى الحكائي و التقنيات السردية المتبعة داخل القصص بناء على ذلك.
تشترك القصص في بعض السمات البنائية كما انها تتفق في موقع السارد و الذي لم يكن بدوره ساكنا بل نشطا و تعددت زوايا النظر للاشخاص و الاحداث بحسب مقتضى الحال.الشخصيات الرئيسية في القصص هي شخصيات اشكالية تطرح تساؤلات و كلهن نساء غير تقليديات في موقفهن من المجتمع و ربما لذلك السبب لم تكن الشخصيات في تصالح مع محيطهن الاجتماعي و كان سلوكهن داخل القصص مثار استغراب الآخرين و بالتالي يتضح ان المجتمع لم يستطع فهم هذه الشخصيات او تقبلهن كما هن .
وظفت الكاتبة ادوات السرد المختلفة لتقديم قصص لهؤلاء النساء، فنجد ان المبنى الحكائي كان حريص على تنوع الاصوات و تداخل الروايات و الحبكات الصغرى التي تخدم الحبكة الكبرى (الحكاية الاساسية) و التي تتمثل كما في القصص الثلاث في سرد قصة امراة وجدت نفسها في تجربة صعبة،مثلا نورية هي امراة محبة للحياة جذابة للرجال لكنها وجدت نفسها تتزوج بالشكل الذي لا تريده و تضطر للتكيف مع الرجال الذين تزوجوها، اما في قصة جميلة فنجد قصة المراة المطلقة التي لا يرحمها المجتمع لذلك تتعامل معه بالمثل . القصة الثالثة حورية فهي عن فتاة ريفية تصاب بالجنون و يتخلى عنها زوجها لانها لا تنجب، و الطريقة التي يتعامل مجتمع جاهل مع امراة مجنونة .
نورية
قصة “نورية” تدور عن فتاة جميلة ذات اربعة عشر عاما تزوجت بقايد و هو ابن رجل ثري. تركز القصة كما واضح من عنوانها على شخصية ” نورية ” الشخصية الرئيسية و حكاية زواجها و هي الشخصية التي لها علاقة مع الساردة لانهما من نفس القرية .
تنطلق احداث القصة على لسان الساردة بناء على الدرس المستفاد من القصة و بذلك فإن بناء الحكاية بدأ من نهايتها و كأن الساردة قلبت مسار الحكاية و بدأته من حيث انتهت، و في هذا الاسلوب ما يشوق القارئ و ايضا تنبيهه الى ان سرد القصة له مغزى اعمق من مجرد رواية احداث .
تبدأ قصة نورية بالتالي: ” إن الأسى لا يعني إلا أنك توقفت عن الانشغال بنفسك ووقفت موقف المتفرج تراقب حظوظ الآخرين: السعيد يصيبك بالتعاسة لأنه أسعد منك، والتعيس يصيبك بالتعاسة لأنه أتعس منك. معرفة الفارق أصل المأساة. هذا ما تعلمته وأنا أشاهد نورية.” (القحطاني 9( المطلع السابق للقصة يوحي بأن الحكاية ستبدأ لتعيدنا الى نقطة البداية حتى نعرف لماذا توصلت الساردة الى هذه الخلاصة و ما الذي تعلمته الساردة من نورية .
يجري السرد من موقع السارد المتكلم او المشارك و هو ” راو يكون شخصية في المواقف و الاحداث المروية “( برنس 135) وهو السارد الذي يروي القصة من ذاكرته و هو احد الشخصيات فيها و رؤيته للاحداث هي بمستوى واحد مع بقية الشخصيات اي انها رؤية ” محايثة ” اي مصاحبة لوقائع القصة .
لا تسير حركة السرد وفق مسار خطي من الماضي الى الحاضر بل انه مسار استرجاعي يتحدث عن الحاضر ثم فجأة يتنقل الى الماضي،و في احيان اخرى يقدم شهادات ناس آخرين عن الاحداث،ففي قصة نورية تسترجع الساردة ما قلته جدتها حول واقعة معينة.ولهذا السبب فموقع السارد يسمح له بالتبيئر الداخلي للشخصيات و المقصود بالتبئير زاوية النظر لاحداث القصة و شخصياتها .
كانت الساردة حريصة على تقديم مقولة تلخص تجربة او تقدم درسا حياتيا ” فالرجل في بدايته يبحث عن معبودة، وفي نهايته يبحث عن جارية ” ( القحطاني 8) .فالسارد هنا يتدخل ضمن النسق السردي من خلال وضع تعليق او ابداء رأي و مثل هذا التدخل يندرج ضمن نسق الوصف للقصة .
تستعين الساردة بالجدة بحيث تمثل الجدة مرجعية سردية للقصة و سياقها كما استخدم اسلوب التعجب لاثارة القارىء :” أتذكر أنهم عندما جاءوا لعقد القران، قالت نورية لخالها الذي وكلته لعقد قرانها، أنها لا تريد أن يطلب من قايد مهراً ولا مالاً فقد كسبت الدنيا بما فيها بزواجها من قايد، وأنه قد أصبح أمها وأبيها وكل أهلها. ولكن على من تنطوي هذه الألاعيب ؟ ” (القحطاني 9).
تتحدث الساردة عن تناقضات الحياة و عبثها ليس فقط بمجرد سرد الاحداث بل ايضا عند طريق المقارنة والتضاد و ابراز التقابلات و هذا ضمن ما يسمى تقنية التحليل و هي تقنية تستخدم في سرد افكار و انطباعات الشخصية بواسطة الراوي و لغته ( برنس16 )كما جاء في القصة : “حتى أتى ذلك اليوم وأصابت طلقة طائشة صدر قايد. طلقة قادمة من فرح أحد تعساء القرية. طلقة تركت كل هؤلاء الأغبياء لتسكن قلب قايد الذي يسكن قلب الجميع. لم يكن رحيل قايد أكثر ما أحزن الناس، بل حال نورية من بعده، أو بالأصح تعاستها المحتملة. نورية التي لم تنزل لها دمعة واحدة لا في وفاته ولا بعدها.”، “لا ينقصه المال لكن ينقصه كل شيء أخر”(القحطاني 9 ).
ايضا تربط الساردة ما يجري داخل القصة و تربطه بصفات الشخصية :” وكلما أتاها تعليق على شحوبها قالت الحمل ونسمعها القهر. وصارت تصلي النوافل وهي التي لا تصلي، وتعطي الفقراء وهي الفقيرة، وتحضر الموت أكثر من الأعراس وهي التي لا تحسن الجلوس من شدة ولعها بالرقص.” (القحطاني10) .
جميلة
السارد هو ” الراوي المشارك” الذي يروي على لسان فتاة تحكي قصة امها “جميلة ” و التي كانت امراة قوية الشخصية قاسية في تربيتها لاولادها، علاقتها انتهت بالطلاق مع زوجها الذي كانت طباع شخصيته تختلف تماما عنها .الانقسام النفسي للابناء بين طباع الاب و الام هو محور القصة التي تبدو مرتخية الحبكة لان القصة تقوم على التبئير الداخلي و الذي يسعى لاستبطان الشخصيات و استكناه دوافع سلوكها و لا تركز على حبكة بالمعنى الدرامي .
تبدأ احداث القصة بمشهد غير اعتيادي و هو الموقف الذي تنطلق منه الساردة لرواية احداث القصة حيث تروي قصة امها جميلة و المنفصلة عن ابيها .ترصد القصة ايضا تناقضات شخصية الام مع شخصية الاب و كيف ان كل شخصية لها تناقضاتها الداخلية .
السرد وصفي و يختلط بتقنية التحليل و التي سمحت بعرض تناقضات الشخصيات سواء في سماتها عند نفس الشخص او اختلافها عن شخصية اخرى داخل القصة،كما يتضح في بداية القصة حيث تقوم الساردة بتصوير شخصية امها :” أمي امرأة جميلة بالإجماع، لها طموح سينمائي؛ أن يحبها الجميع دون استثناء على الرغم من أنها لا تحب أحدًا بما فيه نحن. كانت تصرخ فينا آمرة، بحقد وبرنة الضابط الذي تستهويه رائحة البطش…”(القحطاني 35). اما شخصية الاب فقد صورتها كالتالي :” لقد كان أبي مثل أمي تماماً، نرجسياً. لا بل أكثر نرجسية بحكم شهرته الواسعة. لكنه كان على عكس أمي، لطيفاً دمثاً له سحر عجيب وضحكة رنانة مشبعة بالحياة، وهذا ما يعرفه كل من يروي عنه ”آه .. رجّال طيب وكريم.“ كل الناس أجمل من بعيد، حتى من ينسون أولادهم” (القحطاني 35).الساردة حريصة على عرض التفاوت في الشخصيات و ايضا جمع كل شخصية لعدد من المتناقضات .
تبدا القصة بمشهد يدفع القارىء للتساؤل حول سبب و دوافع المشهد الذي يعرض امامه :”قبل أذان المغرب بدقائق، تقف أمي في كامل زينتها وقفة عسكرية على المائدة لشدة حرصها على حضورنا جميعاً في حلقة ثابتة مستديرة. لا، نحن لا نأكل في هذا المشهد، ولا نذاكر درساً أو نتدارس القرآن، ولا نستعد للاستماع إلى حكاية ما قبل النوم. إننا هنا للانتقام لغرور أمي من إهمال أبي.” ( القحطاني 35)، و لان الراوي في القصة هو “سارد مشارك ” اي ان الرؤية للحكاية داخلية فقد ساعد ذلك في اعطاء انطباع ان الشخصيات داخل السرد حية و قريبة و بالتالي تدفع القارىء للتفاعل لمعرفة بواعث الشخصيات و مبررات سلوكها داخل احداث القصة .
حورية
قصة ” حورية ” تدور حول فتاة ريفية تعاني من اضطراب عقلي و كانت قبل ذلك قد تزوجت من رجل لكنها لم تنجب لذلك تخلى عنها و تزوج باخرى فأدى ذلك الى جنونها و هي في القصة تهيم في ارجاء القرية بينما الجميع مستغربون بما تتردده من آيات القران . الراوي في القصة هو الراوي المشارك و هو داخل القصة فتاة تعرفها حورية و يمكن للقارىء معرفة ذلك من الحوار الذي يتم بين الشخصية الرئيسية حورية و الساردة . تقوم الفتاة بسرد الحكاية انطلاقا من مشهد حاضر ثم تسترجع امام القارىء قصة حورية منذ الماضي قبل ان تعود الى الحاضر مرة اخرى . القصة فيها مسرحة للحدث الرئيسي اي انه معروض بشكل درامي و يتبين ذلك في عرض الحوار :
ـ حورية، انتظري
ـ حرفوا القرآن! سرقوا آيات الله!
ـ حورية
ـ سرقوا آيات الله!!
ـ حورية لحظة، اسمعيني.. أين سايرة؟
كمن يعترف بالملاذ أخيراً لمعشوق: عند أبو مغفران!
” تشتي تصلّي أو كيف؟” أسألها، ورغم ضياعها تجد سخريتي، فتزجرني: أصه!!
ولا أعرف لماذا أريد أن أضحك (القحطاني 13).
يبدو في القصة ان جنون حورية ليس ذلك الجنون الذي يقود الى افعال شريرة، و لكنها تمثل مجنون القرية او الأبله الذي ينطق بالحكمة و يعرف ما خفي عن الآخرين و ان كان ما تنطق به يبدو كالهلوسات و الكلام المخبول .
تحضر الجدة في هذه القصة كما في قصة نورية لتمثل حكمة الاسلاف و الارتباط بالموروث و ايضا بغرض ادخال صوت او فكرة من زاوية مختلفة : ” لا تعمل خير ما تشوف شر” صدقتِ يا جدتي، رحمة الله عليكِ إلى يوم الدين. لماذا لحقتها؟ لأعطف عليها؟ مالي أنا ومال المجانين؟ (القحطاني 15).
تمثل الساردة الصوت الذي ينقل صوت حورية كونها مصابة بالجنون و لا يمكنها رواية قصتها لذلك كان وجود الحوار توظيفا مهما في بناء القصة كطريقة لفهم ما يدور في عقلها و كيف تفكر .
هروب حورية من الحبس الذي وضعها اهلها فيه كما يحصل مع اي مجنون خصوصا اذا كان امراة و هيامها في ضواحي القرية و الرجال و الفتيان يتبعونها يصور بشكل درامي العبء الذي تحدثه المراة و ايضا العبء الذي ترزح تحته المراة في المجتمع دون وجود حوار حقيقي بين الطرفين .وجود الساردة في مشهد كهذا هو بمثابة همزة وصل بين حورية و محيطها.
يقوم بناء القصة على مشهد هروب حورية لكن يعود المبنى الحكائي لتكثيف القصة ضمن اطار اوسع كما في المقطع التالي:
إسمها حورية. تقول نساء البلدة أنها كانت ذات حُسنٍ مختلف، تهيمُ القلوب حولها، و يزيد إيمان العبد بخالقه عند رؤيتها، تزوجت بشخصٍ عشقته كل نساء البلدة ونال احترام رجالهن، فتزوج حورية التي صارت الآن شبحا قاتما مُرعب، هيئتها أقرب للأموات منها إلى الأحياء. قضتْ معه عمراً أقل من بضع سنين، لم تنجب له أولاداً فطلقها وتزوج ببنت عمها التي أنجبت له عدداً من الصبية مات نصفهم وبقي سعيداً بالنصف الثاني، وترك حورية – لم يطلقها ولم يعتني بها – تلوي وحدها في الشعاب وتناجي الأشجار وتبكي بين القلاع عليه، حتى تلاشت المرأة فيها واستحالت جنية مُفجعة. لم يكن لها أهل بعد موت والديها. أخوها الذي يصغرها تركها عند باب إحدى المستشفيات كما يُترك أولاد الخطيئة، ورحل مع زوجته وصغاره، وعندما يسأله الناس عن تقصيره يفتح كفيه في وجههم ويشير إلى أفواه عياله، جاعلاً منهم شهوداً على قلة حيلته، طالباً منهم أن يقدموها لها العون إن كان فيهم خيراً أكثر منه، وسيكون لهم من الشاكرين( القحطاني 13).
في المقطع السابق يمكن قراءة الحكاية بصورتها المكثفة والممتدة زمنيا قبل ان يعود السرد الى المشهد الذي يمثل الحبكة الاساسية للقصة.هذا التوظيف للحكاية ضمن حركة متنقلة للحبكة يخدم القصة تعبيريا و دلاليا .تتعدد المشاهد في قصة حورية التي تعزز صورة جنونها لكن داخل الاطار السابق المقدم في حكايتها عن تخلي زوجها و اخوها عنها كأسباب لما آل اليه وضعها .
يتضح ان التحليل البنائي وبخاصة تحديد موقع السارد داخل النسق الحكائي و كيفية اشتغاله الوظيفي و تفاعله مع بقية عناصر القصة له اهمية بالغة في استكشاف شكل النص و بالتالي الدلالات التي يمكن ان ينتجها و متضمنة فيه .
السارد المشارك هو السارد الذي تم توظيفه داخل القصص المختارة فهو سارد قريب من الاحداث يسردها و يقدم وصفا و تعليقا عليها و هو سارد -الى حد ما – محايد تلتقي عنده الاصوات المختلفة داخل القصة و سارد كهذا يساعدنا في استبطان الشخصيات خصوصا ان القصص تركز على شخصية و تحكي حكايتها كما هو واضح من عناوين القصص التي هي لشخصيات نساء في مواقف متباينة مع المجتمع لكن موقع الساردة داخل القصص كان التقنية السردية الناجعة داخل البناء القصصي بحيث يمكن فهم قصة هؤلاء النساء من زاوية اوسع و متعددة المستويات و متنوعة التناول .
………………………………………………………………..
المراجع
أنغام صالح محمد،النسق الحكائي بوصفه نصا تاريخيا -واقعة الطف انموذجا .جامعة القادسية .
برنس، جيرالد .قاموس السرديات .ترجمة/ السيد أمام .ميريت للنشر.2003
بن يامنة سامية . تحليل الخطاب السردي .
https://elearn.univ-oran1.dz
راشدي، حسن .جيرار جينيت و موت الحكاية.. إشكالية الحكاية الخالصة.جامعة سطيف
http://dspace.univ-setif2.dz/xmlui/bitstream/handle/setif2/356/10-dec2013.pdf?sequence=1
العجمي، مرسل . الواقع و التخييل: ابحاث في السرد تنظيرا و تطبيقا .المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب .2014.
القحطاني، مريم . عن الحب و العزلة . دار المتوسط .2022.