لا أبالي لما تقوله، أتصبب عرقاً و أزداد ارتعاشاً، تطلب مني المرأة أن أبتاع منها أو أتركها، أنهض و ألتفت مرة أخرى إلى المكان الذي وقف عنده برهة، لا أثر له، أحمد الله، و أعود من حيث بدأ مشوار عذابي، سعياً للخروج من هذا الزقاق الذي تحول إلى مصيدة بل سجن اعتقلت فيه لفترة شعرت بها دهراً. أسرعت في مشيتي، و تمهلت بعض حين، حتى لا أثير انتباه المارة، بل انتباهه هو. خرجت أخيراً من الزقاق إلى الشارع الكبير، اقتربت من واجهة أول مكتبة صادفت، بدأت أحذق في واجهتها، لم يكن في الحقيقة غرضي الاطلاع على ما تعرضه من عناوين، بل اتخذت واجهتها كمرآة أرى من خلالها ما آلت إليه حالي. أثار انتباهي عنوان كتاب ” هل من حياة بعد الموت”. و أنا أحذق في العنوان، أحسست بيد قوية فوق كتفي. التفت بسرعة لأجده هو، أطلقت صرخة و هممت بالهرب و إذا بي أقع. تمتد يد لترفعني لتساعدني على النهوض، و أسمع صوتاً يقول:”استغفر الله العظيم، انهض من الأرض، لقد وقعت من السرير، إنك تتصبب عرقاً، قد حان وقت المدرسة”.
أجيب أمي والعرق لا زال يتصبب من جسمي كله: ” خالد كان يريد أن يلحق بي”
– لكن، يا ولدي، خلد مات منذ ما يزيد عن السنة، استغفر الله، انهض، توضأ وصل صلاة الصبح، تناول فطورك وأسرع إلى مدرستك. اليوم يوم الامتحان.
حمدت الله، قد كان حلماً مزعجاً بل كابوساً.
ودعت أمي عند باب المنزل، دعت لي بالنجاح، دخلت وأقفلت الباب خلفها. انتظرت قدوم الحافلة. كنت أول الصاعدين، أخذت تذكرتي، جلست إلى النافذة، بدأت أتلهى عما رأيت في منامي، وأتفرج على الراجلين. عند المحطة الموالية رأيت خالداً يصعد، إنه هو وليس حلماً. نزلت بسرعة وأطلقت ساقي للريح.