من الأقوى؟

art
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد حلمي

صرخت…

بصوت مكتوم، غاضب.
كأنه يسمعني. كأنني أستفزه عمدًا.
لماذا لا يرحل؟
لماذا يُصرّ أن نرى وجهه الغاضب،
وجهه الذي أعرفه منذ كنت صغيرة…
كأن غضبه علامة، كأن رحيله بدون صفعة إهانة لكرامته.
يا لوقاحته.

ألم يرَ تلك الأم الغارقة في نيلٍ .
نيل من التعب، من الوحدة..
من الأيام التي تمشي على جلدي كالعفن ولا تنتهي.

أطارد أشباحًا،
كل صباح،
أطاردها كي لا يجوع صغيري.
كل لقمة، كل نفس..
كأنني أُقنع هذا اللعين أن يرحل،
أن يتركني يومًا واحدًا دون اختبار.

كنت أتمنى أن يمر مرور الكرام.
أن لا يعكر هذا المَاء،
الماء الذي يسكنني…
الماء المليء بالأسئلة:
كيف أعيش هذا اليوم؟
كيف أُطَمئن الطفل، إذا اشتدت قوته؟
كيف أقاوم الانهيار؟

كنت أتحمله وأنا صغيرة.
رغم برده…
رغم قسوته…
كنت أحتمي تحت لحاف قديم،
وأقنع نفسي أنه موسم ويزول،
أنه امتحان،
أن الضعف فضيلة.

لم أكن أعرف أنني كنت أتعلم الخضوع.
عارٌ أن نشعر به، عار أن نشكو…
لكن اليوم؟ لا.
لم أعد كما كنت.

لقد جاء غاضبًا،
وأنا أيضًا غاضبة.

صرخت فيه،
لكنّه لم يصمت.
زاد في عناده.
الريح صفعت الشبابيك،
والقارب في رأسي تحوّل إلى عربات تجرّها خيول جامحة،
السرعة تضاعفت،
كأن كلما صرخت أكثر، زادت قوته.

لو عاد الزمن؟
كنت سأركع،
أقدّم له خبزًا يابسًا،
أبخر عتبة الباب،
أدعوه ليرضى…
لكني الآن؟
لا.

أنا لا أعرف ماضيّ تمامًا،
ولا حاضري واضح،
لكني أعرف شيئًا واحدًا:
أنني لم أعد أخاف.

أنا ألعنه،
وأقول له:
انصرف.
لا تلاعب.
لا فزع.
أنا هنا.
أنا واقفة.

ربما هو الأقوى.
نعم،
هو الأقوى.
لكنه…
ليس وحده.
أنا هنا،
شهر طوبة…
تعال،

مقالات من نفس القسم