حاورته: آية ياسر
تمتاز كتاباته بالجرأة والتشويق والتمرد على الممنوعات وتحتوي على عمق فلسفي شديد ينم عن ثقافة واسعة, ودائماً ما تكون الذات الساردة في أعماله الأدبية هجومية, عنيفة, ساخرة. تتوزع أعماله بين القصة والرواية والشعر والدراسات النقدية, إنه الأديب المبدع ممدوح رزق, القاص والروائي والسيناريست المصري, الذي صدرت له حديثاً عن دار الحضارة للنشر الرواية الجديدة “الفشل في النوم مع السيدة نون”, وقبلها المجموعة القصصية “مكان جيد لسلحفاة محنطة” عن سلسلة حروف بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
كما صدرت له من قبل “خلق الموتى” – رواية, “قبل القيامة بقليل” مجموعة, “سوبر ماريو”, رواية, “بعد كل إغماءة ناقصة”, نصوص, “السيء في الأمر” – نصوص, “رعشة أصابعه”, “روح دعابة لم تكن كافية لتصديق مزحة” – نصوص, “جسد باتجاه نافذة مغلقة” – مجموعة قصصية, “احتقان” – مجموعة قصصية, “انفلات مصاحب لأشياء بعيدة” – مجموعة قصصية… وحول مشواره الأدبي وآخر ابداعاته كان هذا الحوار:
ـ كيف تلقيت خبر ترشيح روايتك “الفشل في النوم مع السيدة نون” للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر؟
ـ سعدت بالطبع, متعة الكتابة الأساسية عندي تتجاوز الترشح لجائزة, وإن كنت أعتز باختيار الناشر إلهامي بولس لها.
ـ ما الذي تدور حوله هذه الرواية؟
ـ “الفشل في النوم مع السيدة نون” ليست من الروايات التي يمكن أن تحكى أو تُكتب أفكار عما تدور حوله, بل بالعكس الأجدر بكل محاولات شرحها أو اختزال موضوعها في سطور أن تكون خادعة لتلائم المراوغات التي تُشكل الرواية, لكن على أي حال ما يبدو أنه الشكل العام لها هو الجدل والاشتباك بين طبيب نفسي ومريض يعيد صنع ذكرياته الأوديبية, المتقاطعة مع تتبع علاقته بجسد شاعرة سبق أن امتلكه في لحظة ما روائي شاب مات بالسرطان.
ـ هل كانت شخصية المريض النفسي في “الفشل في النوم مع السيدة نون” نوعاً من الاعترافات التطهرية لبطلها؟
ـ ربما كان في اعترافات المريض النفسي جانب من التطهر, ولكن هذا بالتأكيد ليس الصورة الكاملة, ما جاء على لسان المريض النفسي لا يهدف إلى قراءته كواقع فحسب بل يريد ـ ربما بشكل أكثر إلحاحاً ـ أن يُورط العالم في الدعابات الناجمة عن استعمال الخيال لما يُفترض أنه حقيقة.
ـ لماذا اخترت استخدام الطبيعة الأقرب إلى الكلامية في لغة الرواية؟
ـ لأن الطبيعة الكلامية تتوافق مع الرغبة في سكب الماضي فوق طاولة تشريح دون حسابات أخلاقية أو اعتبارات لغوية, حتى المناطق التي يبدو أنها شهدت التزاماً ما بالحفاظ على الصلة بين الفضفضة الذاتية والانضباط الروائي أنا اعتبرها كذلك جزءاً من التداعي الحر.
ـ امتازت الرواية بجرأتها الجنسية, ألم تخش ردود الفعل السلبية تجاهها؟
ـ بالعكس, ردود الأفعال السلبية على ما يُسمي بالجرأة الجنسية للرواية تسعدني جداً, وأعتز كلما صادفت دليلاً على ارتكابي جريمة في حق أي ما يُمثل قيمة لا يجوز المساس بها.
ـ يبدو أنك لا تعترف بالتابوهات أليس كذلك؟
ـ أنا لا أري التابوهات أساساً, حتى الملحوظة التي كتبتها في “الفشل في النوم مع السيدة نون” عن أنني تعمدت التخفيف من اللغة الصادمة في الرواية هي إشارة ساخرة لواقع أن ما يُعد تخفيفاً سيكون قاسياً على أصحاب الأذهان الضعيفة, ما قصدته بالتخفيف من لغة الرواية هو إيجاد الثغرة الضئيلة في هذا المكان الحقير من العالم التي تسمح بعبور الرواية إلى الوجود.
ـ كيف انعكست ممارستك للنقد الأدبي على كتاباتك؟
ـ أنا أكتب النقد الأدبي مثلما أكتب نصوصي, فالكتابة الأدبية هي التي تقف وراء القراءات النقدية, وهي الغريزة التي أعيد بواسطتها صنع نصوص الآخرين.
ـ لماذا استخدمت تقنيتي اللعب بالزمن والمتاهة في المجموعة القصصية “مكان جيد لسلحفاة محنطة”؟
المتاهة هي اللعبة اللائقة بالانشغال بالزمن, بهواجس نزع الحدود بين الحضور والغياب, في مجموعة “مكان جيد لسلحفاة محنطة” يمكن لأي لحظة زمنية أن تحل مكان لحظة أخري, ويمكن لكل عابر داخلها أن يصبح كائن آخر, الموت ربما هو ما يقود أو ينظم هذا الالتباس, أو بشكل أدق يفسد اليقين حول أي انتماءات محتملة.
ـ هل كانت محاولة “قتل الأب” رمزاً للقضاء على قمع السلطة وقهرها؟
ـ لم تكن هناك محاولة لقتل الأب بقدر ما هي بعثه إلى الحياة بكيفية مغايرة تتفحص ما يمكن أن نطلق عليه وجوده الأصلي, هي أيضاً تسعى للذهاب إلى أبعد من ذلك بالعمل على طمس الفاصل بين هذا الوجود الأصلي والوجود المتخيل بحيث يتحولا إلى صورتين غائمتين للعالم, الرواية هكذا تقاوم قمع وقهر سلطة تتجاوز سلطة الأب, وهي سلطة الحياة والموت.
ـ هل تعمدت التنويع في استخدام الضمائر في رواية “خلق الموتى”؟
ـ ضرورة توزيع الضمائر جاءت من تعدد الأصوات التي تنتج سردها الخاص, هذه الأصوات لا تروي حكاياتها وحسب بل تروي حكايات غيرها أيضاً, ولذلك فهي ليست منفصلة بل يمكن القول أن لكل صوت منها إمكانية أن يكون نبرة مغايرة لصوت آخر.
ـ الذات الساردة في كثير من قصصك هجومية, عنيفة, ساخرة, ما السبب؟
ـ الذات الساردة, الهجومية لا تمارس العنف والسخرية بغرض إصلاحي طبعاً, وإنما أستطيع القول أن الاستجابة للعبث الوحشي بالجنون تروق لي” ففي جميع الأحوال لن يكون من الخطأ إطلاق وصف على عملي بأنه مواجهة دون غاية لما أعجز عن تصديقه بخدع هازئة غير محتملة.
ـ تبدو الفلسفة جلية في كتاباتك خصوصاً في المجموعة القصصية “مكان جيد لسلحفاة محنطة” فهل تتعمد ذلك؟
ـ نعم، فأنا لست من الكتاب الذين يقال عن كتاباتهم أنها تحمل بصمات فلسفية فقط, بل انني أستمتع أيضاً بالإشارة الصريحة لتجارب الفلاسفة وأفكارهم في بعض الأحيان, واستخدام مشاريعهم كأي كيان يمكن شرحه وتوظيفه.
ـ بأي الفلاسفة والمذاهب الفلسفية تأثرت؟
ـ البداية كانت دراسة “شوبنهاور” و”كيركجور” و”نيتشه”, وهي من المراحل المهمة في حياتي, وكان تأثير “شوبنهاور” تحديداً أقرب للوقوع في الأسر, الآن ليس صعباً بالتأكيد العثور في كتاباتي وقراءاتي النقدية على “رورتي”, “هيدغر”, “فوكو”, “ليوتار”, “دريدا”, “بارت”, “سيوران”.
ـ كيف ترى الواقع الأدبي المصري عامة وواقع أدباء الأقاليم خصوصاً؟
ـ الواقع الأدبي المصري مثالي جداً, وأدباء الأقاليم يستحقون آلام التهميش والتجاهل والازدراء لأنهم لم يبذلوا كل ما في وسعهم للهروب من مدنهم المظلمة, والعيش في القاهرة, هل يُعقل أن القاهرة بمقاهيها ومؤسساتها الثقافية وصحافتها الأدبية الطاهرة هي التي ينبغي أن تذهب إليهم? ولو حدثت معجزة وانتقلت القاهرة إليهم, ماذا سيكون مصير ما يقرب من عشرين كاتباً قاهرياً معروفين بالاسم في كل مجال: القصة القصيرة والرواية والشعر, والذين يمثلون الإبداع المصري أحسن تمثيل في كل مناسبة منذ سنوات طويلة? هل يجب أن يتشرد هؤلاء, ويذوقوا الذل حتى يرتاح أدباء الأقاليم؟!
ـ ماذا عن تجربتك في كتابة السيناريو؟
ـ بالتأكيد تجربة جميلة, خصوصاً آخر فيلم “إخفاء العالم” لأنه عن قصة قصيرة لي من مجموعة “قبل القيامة بقليل”, أتمنى أن أتعاون مرة أخري مع المخرجة الإماراتية المتميزة “منال بن عمرو” بعد فيلم “من أجندة الخيانة” الذي شارك بمهرجان الخليج السينمائي العام 2008 وهو عن سيناريو مشترك بيني وبينها, هناك سيناريو آخر بعنوان “الحجرة” مأخوذ عن نص لي كان المفروض أن ينفذه المخرج الإماراتي “نواف الجناحي” ولكن أحداث ما يسمى بالربيع العربي أوقفت المشروع, على أي حال لا أجد اختلافاً جوهرياً يمكنني التركيز عليه بين كتابة سيناريو الفيلم القصير وكتابة القصة القصيرة على الأقل وفقاً لتجربتي, وربما هذا يرجع إلى تعودي على الكتابة المشهدية في القصة القصيرة التي تعطي التفاصيل البصرية المكثفة عناية كبيرة لتكوين لحظة مهمة مخبوءة.
ـ أي الجوائز الأدبية الأقرب إلى قلبك؟
ـ جائزة المركز الأول في الشعر من ملتقى مدد عن نص “نار هادئة” العام 2007.. أحب هذا النص جداً, وأعتبره من أجمل النصوص التي كتبتها.
ـ تتنوع أعمالك بين القصة والرواية, في أي قالب أدبي تجد نفسك أكثر؟
ـ القصة القصيرة, أكرر دائماً أن كل ما أكتبه ¯ حتى الروايات ¯ هو قصة قصيرة بالنسبة لي.
ـ ماذا عن مشاريعك الأدبية المستقبلية؟
ـ هناك مجموعة قصصية اسمها “دون أن يصل إلى الأورجازم الأخير”, وهناك أيضاً مسرحية أعمل عليها حالياً لكنها حتى الآن بلا عنوان.