مع انهيار الوسائط والبوابات السلطوية التقليدية وإفلاس الوسطاء الانتفاعيين:ماذا تنتظر القصيدة الجديدة كي تصبح خبز المائدة؟

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

شريف الشافعي (*)

غاية العدالة، الحقيقية أو الافتراضية، أن يكون المحك الجوهري لامتحان القصيدة الجديدة هو القصيدة نفسها، حيويتها، طزاجتها، فرادتها، قدرتها على تمثل روح عصرها، قابليتها للاستساغة الطبيعية وإشباع الأذهان والحواس بما يُغني ويُمتع في الآن ذاته.

لقد ربط الأغلبية تراجع القصيدة العربية في السنوات الأخيرة بأسباب إجرائية، وزاد الحديث عن الشروط والعوامل الخارجية، التي عرقلت ـ بل حاربت ـ تحليق القصيدة في فضاء المشهد، واستردادها مجدها الذهبي الضائع، بل المسلوب منها ومن مبدعها الشاعر المهضوم، المتعرض للتصفية بفعل القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية (المتحالفة ضد الشعر والشعراء!)، وبفعل القوى الثقافية (الفاسدة بشلليتها وضحالتها وتقليديتها وبانحيازها غير المبرر إلى الرواية!)، بل والأغرب بفعل الجمهور ذاته، الذي تواطأ مع هذه القوى، وزهد في الشعر المعبّأ خصيصًا من أجله في قوارير نظيفة فاخرة، مما تستخدم في حفظ إكسير الحياة وفيتاميناتها الموصوفة!

رغم غرابة هذا المنطق، وشذوذه، فإنه ساد المشهد الثقافي لسنوات طويلة، ولم يمتلك أحد ـ خصوصًا من الشعراء ـ الشجاعة الكافية ليقول بثقة وبأعلى صوت: الأزمة أزمة قصيدة في الأساس أيها الأصدقاء، وما تتحدثون عنه من “عوامل” انحسار الشعر، وتراجع دوره، يبقى مجرد “عوامل” مساعدة، ولو تم جدلاً عزل القصيدة خارج هذه العوامل، لتحل محل الهواء في الأنوف، ومحل أشعة الشمس في العيون، لبانت الفضيحة عارية، فليس كل ما تتاح له الفرصة ليوضع على المائدة كخبز للبشر يصلح لأن يكون خبزًا بالتأكيد.

هذا هو السؤال الأصعب على الإطلاق، والامتحان الحقيقي الذي تخوضه القصيدة الجديدة الآن، وأظنني واحدًا من كتابها، حيث تطمح إلى استرداد وضعها الطبيعي في هذه الحياة، من خلال شعريتها، وشعريتها فقط، وليس من خلال البوابات السلطوية والنخبوية والوسائط والوسطاء والمنظّرين والمروّجين والمسوّقين، ولا حتى من خلال القضايا المصيرية والجماهيرية والنبوءات الكبرى، التي تتمسّح بها لتستدر التعاطف والتصفيق.

أرى أن اللحظة مناسبة تمامًا الآن لعودة القصيدة الحقيقية الحيوية، أو ميلادها بصورتها النقية، بل لعلها اللحظة التاريخية الأكثر مثالية منذ سنوات بعيدة، بعد أن انهارت الوسائط التقليدية لتوصيل النص، وانقاد النقاد والوسطاء الانتفاعيون إلى مكان بارد في الذاكرة، معلنين إفلاسهم، وعدم قدرتهم على التمرير والمنع في عصر الرقمية والفضاءات المفتوحة.

ومع ذلك، فإن القادرين على استغلال الفرصة من الشعراء العرب “الموهوبين” يمكن عدهم عدًّا على الأصابع، لأن جوهر الأزمة لا يزال قائمًا، وهو الجوهر الشعري نفسه، المعدن الأصيل في صورته النقية المجردة، وما أندره وسط هذا الفيضان الشعري الزاعق الجارف!

إن المنطلقات والرؤى المغايرة، التي تخص الشعر والكتابة الجديدة عمومًا، تفرض نفسها بقوة، والمعطيات النظرية لكتابة القصيدة تجاهد كي تتفعل أوتوماتيكيًّا بلا صعوبة تكاد تُذكر، فالشاعر الآن بقدر من الذكاء ـ ولا أقول الموهبة ـ قادر على استشفاف أنه يعيش في عالم رقمي، وغرفة كونية صغيرة، وأن القضايا المصيرية الملحّة التي تعنيه وتعني غيره من البشر صارت تتعلق في الأساس بوجود الإنسان كإنسان في هذا العالم أكثر من تعلقها بالعارض الزائل من قضايا سياسية واجتماعية وما شابهها.

وليس بخاف أيضًا على الشاعر الحصيف تلمُّس أن الهم الإنساني المشترك هو أطروحة الكتابة المقبولة، وحدها دون سواها، في ظل إلغاء الحواجز والحدود ـ على المستويات كلها ـ بين الشعراء بعضهم البعض، وبينهم وبين قرائهم في أي مكان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان على وجه العموم.

ويكتمل عقد استراتيجيات القصيدة الجديدة باستنباط الشاعر، الذكي بالضرورة!، أن المجال متاح ليقول ما يشاء، وقتما يشاء، بالطريقة التي يشاء، وأن النشر الإلكتروني عبر الإنترنت، في صفحات موقعه الشخصي أو مدونته أو في المواقع والصحف الإلكترونية ذائعة الصيت، أعفاه من كثير جدًّا من البوابات السلطوية والنخبوية والرقابية التقليدية، ومكنه من النشر بسهولة، بل إنه أحيانًا يمتلك حق تنسيق وتنميق وتثبيت قصيدته بيده في هذه الصحيفة أو ذلك الموقع، والإعلان عنها في الصفحة الرئيسية.

ومنطقي أيضًا أن يختار الشاعر لكتابته الجديدة هذه وعاء لغويًّا حيًّا، سهلاً، حيث إن التواءات المجاز تعوق كثيرًا سيولة “التداول الشعري”، الذي يحلم به.

إنه عصر الفرص المتاحة حقًّا، عصر العدالة الافتراضية المتحققة بقدر مقبول جدًّا، فالعلاقة صارت مباشرة إلى حد كبير بين الشاعر وبين الجمهور في الفضاء الرقمي، وتقلصت مسؤولية مؤسسات الدولة، بل كل المؤسسات. الشاعر الآن لا ينتظر إقرارًا من أحد، ولا توقيعًا على مخطوط ديوانه، كي يكون.

حتى النشر الورقي ذاته، يبدو وقد تأثر كثيرًا بهذه الثورة الرقمية، فلا ينكر أحد أن تسهيلات عظيمة للغاية قدمتها دور النشر الخاصة، في مصر وسورية ولبنان على سبيل المثال، في السنوات الأخيرة للشعراء والأدباء الراغبين في النشر لديها، ولا أظن أن مساهمة مادية غير مبالغ فيها من الأديب في تكلفة نشر كتابه ستقف عائقًا أمام طموحه في الوجود والتحقق، خصوصًا أن الكتابة صناعة في الأساس، وأنه إن حقق كتابه رواجًا تسويقيًّا، فسوف يتنفع هو ماديًّا، بالقدر الذي ينتفع به الناشر. أما سلاسل النشر الحكومية، فإنها ـ كما في مصر مثلاً ـ على الرغم من بيروقراطيتها وانحيازاتها النسبية للتقليدي لا تبخل في إعطاء الأصوات الجيدة والجديدة “دورها”، وسط العديد من الأصوات الرديئة التي تأخذ “دورها” أيضًا لإثبات النجاح “الكمي” لهذه السلاسل، التي لا تكاد تعقل أساسًا فكرة “الكيف” أو “التميز النوعي”!

نحن نعيش عصرًا رقميًّا، هذه حقيقة، ولا يمكن أن تغيب تأثيرات وانعكاسات هذه “الرقمية” ـ كنمط حياة ـ عما يكتبه الشاعر الحقيقي اليوم، وإلا فإنه يكتب عن عصر آخر، ويعيش حياة أخرى، فوق كوكب آخر! والنشر الإلكتروني للشعر هو أحد ـ وليس كل ـ وجوه الاجتياح الرقمي للشاعر. لكن الأهم بالتأكيد من اختيار الشاعر للرقمية كوعاء جديد للنشر، أن يكون ما في الوعاء جديدًا، معبرًا عن معاناة الإنسان في العصر الرقمي الخانق. وهذا يقودني مرة أخرى إلى السؤال المحوري: لماذا لم ينتهز الشعراء هذه الفرصة؟! وماذا تنتظر القصيدة الجديدة كي تصبح خبز المائدة؟!

أدعي أن “حياة الشعر” مرهونة في الأساس بكونه “شعر حياة”، فبقدرة النص الحيوي على النبض الطبيعي والحركة الحرة ـ بدون أجهزة إعاشة وأسطوانات أوكسجين وأطراف صناعية ـ تُقاس عافيته وخصوبته، ويتحدد عمره الحقيقي، ويمتد عمره الافتراضي خارج المكان والزمان.

بصراحة تامة: الأزمة أزمة إبداع في الأساس، فقبل أن نطالب بأن يعود الشعر خبزًا للقراء، ملقين باللوم على القوى القاهرة والشروط والعوامل المساعدة، يجب أن يلغي الشاعر أولاً المسافة بينه وبين نفسه، وبالتالي تذوب المسافة بينه وبين قارئه، وتخترق قصائده كل الحدود، بقوتها الذاتية، لا بأي دعم خارجي.

إن حضور القارئ، بل حلوله، في الماهية الإبداعية الملغزة، هو وضع طبيعي يعكس انفتاح المبدع كإنسان على أخيه الإنسان، ويعكس انفتاح الكتابة الإبداعية الجديدة على العالم الحسي المشترك، والوقائع والعلاقات المتبادلة، وأيضًا على الأحلام والهواجس والافتراضات والفضاء التخيّلي غير المقتصر على فئة نخبوية من البشر دون سواها!

لقد أفسد الوسطاء (الذين لا يمتنعون) كل شيء، حتى صفاء العلاقة بين الشاعر وقارئه، عفوًا بين الشاعر ونفسه، فصار الشاعر يخاطب نفسه عبر وسيط، ويرى الحياة من خلال مناظير وتليسكوبات، مع أنها أقرب إليه من حبل الوريد!

لقد أفسد الوسطاء ليس فقط رؤية العالم، لكن أيضًا “تشكيله” أو “إعادة صياغته” كما يقول البعض، فحلّت الأغذية المعقدة، المليئة بمكسبات الطعم والألوان الإضافية والمواد الحافظة، محل الصحي المستساغ المؤثر البسيط، الأقرب إلى الفطرة والبدائية، وهو الذي يترفع عنه البلاغيون المقولبون وذوو المفاهيم المعلبة، مع أن خبزهم اليومي وحصادهم المعرفي في جوهره من طحين البشر في علاقاتهم وتفاعلاتهم الطبيعية، ومع أنهم ارتضوا بنشر أعمالهم في كتب ومجلات من لحم ودم، يتم عرضها فوق أرفف مكتبات، وعلى أرصفة شوارع مزدحمة تدوسها أقدام البشر!

ليست هناك مسافة أصلاً بين الشاعر والقارئ، بشرط ألا تكون هناك مسافة بين الشاعر ونفسه. إن الشاعر الذي يقول ما لا يطمح أحدٌ أن يقوله أو يسمعه، أو ما لا يصلح أن يردده أحدٌ غيره، هو في الحقيقة لم يقل شيئًا، لأن فعل القول هنا أحادي ناقص، على أن هذا الأمر لا يتنافى مع مسلّمة أن الشاعر الكبير يجب أن يكون مغايرًا متفردًا، وتلك هي المعادلة الصعبة.

إن الاستمتاع الذاتي بالكتابة الحرة، كغاية أولى وأخيرة للشاعر، ووضاءة الاستشفاف النقي، وفردانية التعبير، وخصوبة وعمق التكثيف الشعري لحركة الحياة، والقدرة على بلورتها بذكاء في قطرات مضيئة مدهشة، أو ما يمكن تسميته عمومًا بـ”شعرية الشاعر، وآلياتها”، ليست أبدًا عوازل حرارية ولا أبراجًا عاجية، تفصل روح الشاعر المتقدة عن أرواح أخرى أقل أو أكثر نشاطًا تدور في الفلك نفسه، لكنها كلها تشكل جوهر الشاعر الفذ المتّقد، وطاقته الكبرى التي تمكنه من الالتصاق الحميم أكثر بالأرواح التي هي ملتصقة به أصلاً، فيقول الشاعر بفعل هذه الطاقة المتوهجة ما يتمنى القارئ أن يقوله إذا توفرت له هذه الصلاحيات التعبيرية التفجيرية.

وتظل معجزة الشاعر الحقيقية مقترنة بأنه هو الذي تمكن بالفعل ـ دون سواه ـ من قول ما تمنى الكثيرون أن يقولوه، على هذا النحو الطازج المدهش، وأنهم قالوا مقولته، بعد أن قالها، ليعبروا بها عن أنفسهم، ويفهموا أعماقهم وأعماق العالم أكثر. وهذا الأمر لا يتنافى أيضًا مع كون القصيدة النثرية الحديثة نتاج معاناة فرد في الأساس، وتلك معادلة أخرى أكثر صعوبة.

انطلاقًا من هذا، وفي القرية الكونية التي نعيش فيها الآن، وفي فضاء النشر الإلكتروني، وفي ظل امتلاك أغلبية الشعراء مواقع شخصية على شبكة الإنترنت، على الشاعر الحقيقي الموهوب أن يطمح إلى أن يكون صوت نفسه بالضرورة، وصوت صديقه القارئ، صديقه الإنسان، في كل مكان، خصوصًا أن هموم البشر الملحة صارت تتعلق أكثر بمصيرهم المشترك، بوجودهم ذاته، وليس بقضاياهم الإقليمية المتضائلة.

على الشعر أن يتحرر، فلا يكون اهتمامًا، بمعنى الاحتشاد والانشغال والقصدية. الشعر عملية حيوية، عادية جدًّا، لكنها لازمة للوجود، شأن التنفس والهضم. الشعر هو “التمثيل الضوئي” الذي فُطرت عليه روح الشاعر الموهوب، وتمارسه ليل نهار، بكلوروفيلها الخاص جدًّا، ولا تستلزم آلية عملها طاقة الشمس كأوراق النباتات.

الميكانيزم معقد بالتأكيد، هذا أمر مسلّم به، لكنني لا أقف كثيرًا عنده، طالما أن العملية ستحدث من تلقاء ذاتها (عملية تحويل طاقة الحياة إلى طاقة شعرية). أنا لا أبسّط الأمور أكثر من اللازم، ولا ألغي التخطيط والذهنية ومقومات الاحتراف ولوازم الثقافة والمعرفة التي تنبني عليها أية تجربة شعرية طموح، لكنني أراهن في الأساس على نفاسة المعدن بصورته النقية، على “الشعرية الخام” إذا جاز التعبير، التي يمكن إشراك القراء ببساطة وحميمية في ملامستها وتذوقها.

وعلى الجانب الآخر من أزمة الشعر الراهنة، فقد أغرت “البساطةُ” محدودي الموهبة، فأسالوا الأحبار بجنون، متناسين أن الأقلام يجب أن تُملأ من بئر الشعرية الخام! وكأن المراد بالبساطة والكتابة المتحللة من قيود الشعر التقليدية، التحلل من كل شيء، حتى من شعرية الشعر!

إن المدعوين “شعراء” قتلوا أنفسهم حديثًا عن الإطارات والقضايا الشكلانية وحروب الأجيال، تصارعوا لتمثيل بلادهم في المهرجانات العربية والدولية، تجادلوا بحماس حول كل شيء، ولم يلتفت أحد إلى الشعر نفسه! لقد حضرت الأشكال الشعرية كلها، وحضر مئات الشعراء، وصدرت آلاف الدواوين، وغاب الشعر نفسه في أغلبية الأحيان!

هناك نقاط شعرية قليلة جدًّا، مضيئة لدى بعض الشعراء، في بعض دواوينهم، في بعض قصائدهم، يتعب القارئ حتى يصطادها وسط ركام الطنين والمعارك المفتعلة التي قتلت الشعر. إن الذين يخلصون للشعر فقط، دون سواه، هم من توجد لديهم بعض قطوف أو ثمرات تأنس إليها الروح، توجد لديهم تجربة تسعى بين الحين والحين إلى تحسس تفردها، والنجاة من الخيوط المجنونة التي تحاول الجمع بين الصالح والطالح في سلة واحدة، تارة باسم “شعراء التفعيلة”، وتارة باسم “شعراء قصيدة النثر”، تارة بعنوان “القصيدة الكاملة”، وتارة بعنوان “القصيدة الناقصة”!

يالها من صناديق مهترئة لتصنيف الشعراء كالقطعان على أسس فيزيائية جامدة! كيف يمكن اعتماد مؤشر وحيد شكلاني هو “غياب الإيقاع” للجمع بين شعراء متنافرين فنيًا كل التنافر، تحت مسمى “شعراء قصيدة النثر”؟! إنه أمر لا يقبله المنطق، ولا يقره الواقع الشعري نفسه، فبداخل هذا الصندوق شعراء متباينون تمامًا روحًا وتجربة ونبضًا ولغة ورؤية للعالم، بل وبينهم على صفحات الجرائد قضايا ثأرية، وتراشقات بلغت محاولة كل شاعر نفي الآخر! ولو أضاف البعض إلى غياب الإيقاع بعض السمات المضمونية والجمالية المحددة لشروط كتابة قصيدة النثر، لزادت المشكلة تعقيدًا، إذ سيصير هناك شعراء ناثرون، لكنهم يبقون منبوذين خارج صندوق قصيدة النثر، لحين الاعتراف بهم! والسؤال هنا: مَنْ يعترف بِمَنْ؟ وهل يمكن تشكيل سلطة للتحكم في حركة شعرية نشأت أساسًا للتخلص من فكرة السلطة؟!

إن عافية الشعر العربي الجديد مرهونة بالترفع عن مراجعة هذه الصغائر والمفاهيم البالية التي باتت مضحكة، مرهونة بالقبض الحي والمباشر على جوهر الشعر ذاته، مرهونة ببزوغ شعر رفيع كبير، يحتضنه القراء بوعي وبلا وعي، شعر يتحدث بأبجدية جديدة لها لون وطعم ورائحة العصر، شعر تتصالح فيه الأجيال والتيارات المتناحرة، ويبحر فيه القارئ العادي والمتخصص، فيجد شيئًا من بصمات روحه، ويستشعر نبشًا في أعماقه الإنسانية، ووهجًا في فصوص مخه. شعر يتجاوز التصنيفات المحنطة، والأطر الجامدة، ليفرض هو مذهبيته المرنة على المشهد. شعر ينبني على ما هو فردي خالص، وعلى المشترك الإنساني العميق في قريتنا الكونية، متجاوزًا الطرح العارض الزائل من قضايا سياسية واجتماعية وما إلى ذلك.

إن حضور مثل هذا الشعر المغاير، الفارق، المخلخل، هو الأمل في أن يعود النقد الجاد إلى الساحة، ليلعب دوره التنويري الكاشف، الهادف إلى إعادة قراءة النص من جوانياته هو، وفق شروطه وإحداثياته هو، وليس في ضوء قوالب وتعميمات جاهزة، تخنق جدة التجربة، وتحاكمها بالقياس إلى تجارب أخرى.

————————————————————————————

(*) شريف الشافعي، شاعر مصري مقيم حاليًا في السعودية.

[email protected]

www.sharif.50megs.com

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم