عاطف عبد العزيز
إلي سيد عبد الخالق في ذكراه الثامنة عشرة
ماذا بعدما هدمتَ لذَّةَ الشاي؟
وتركتَ السؤالَ المستديرَ يدوِّمُ
في مقهانا الآمنِ هذا،
وكنا قد قطعْنا السكَّةَ الطويلةَ،
من الكلِّ إلي الجزءِ واسترحنا.
لا بأسْ
الدورةُ اكتملتْ على ما يبدو
حافظْ فقط علي أعصابكَ جامدةً،
ومن الأوَّلِ سأقول:
– الواقعُ لم يكن واقعيًا في أي وقت.
– الطبيعةُ لم تكن أبدًا صامتة.
– الأمكنةُ، كلُّ الأمكنةِ التي تركناها هناك
ثابتةً بفعلِ الوزن،
نالت نصيبَها من العابرين،
أو سفحتْها الخماسينُ علي الأقل.
أيُّ واقعٍ تعني،
وأنتَ تلتمسُ الفردَ في التعدُّد؟!
لأبناءِ الربِّ أن يتثاءبوا، وهم يطلُّون
من شرفاتِ الإيموبيليا مثل مخاليقِ الله.
ولك أن تدبِّرَ لحمَ روايتكَ الجديدة،
من لحمِ المدينة،
ومن تاريخِ البناياتِ التي رفعها البلجيكيون،
أو الفرنسيون بالأحياءِ الراقية.
لكن دون أدني خيانةٍ للتفاصيلِ من فضلك:
لا تجعلْ عينيك مثلاً،
تعبرانِ الدعاماتِ الواطئةَ إلي الصرحِ
في عجالة،
وإلا غافلكَ الفولاذُ الذي خضع في نومته
واستطال،
أو فاتتكَ الشروخُ الدقيقةُ في حجرٍ،
أوشك أن يستردَّ ذاكرةَ الجبل.
لعلكَ مازلتَ علي ثقةٍ بالكتابة يا صديقي،
فاكتبْ إذن واكتبْ
وترجمْ واكتبْ.
أما عني، فسوف أضحكُ كلما خلتُكَ راجعًا
عبرَ حاراتِ عين شمس،
وأنت محملٌ بكلِّ هذه الأفكارِ الواسعة،
فتحتَكُّ بالجدرانِ،
وتوقظُ النائمين،
ويرتفعُ السِّبابُ متناولاً أحياءكَ وميتيك.
ولعلك مازلتَ مؤمنًا بجسدكَ الذي يقطعُ
الطريقَ منذ ثلاثين عامًا،
من الكتلةِ إلي الطاقةِ وبالعكس،
وبأنني شاعرُك المفضَّل،
مع كل الظنونِ التي خابت هذا العام،
وكل النصوصِ التي أخذتْ أوضاعَها
في مأمنٍ من القُرَّاء.
أجل.. لنا حفدةٌ يا سيد
سوف يرفعون صورَنا فوق رؤوسهم
كأيقونات،
بعد أن يستعيدونا علي طريقتهم
لا من الأوراق،
بل من سُعْراتٍ نسيناها مكوَّمةً فوقَ الأسرَّةِ،
أو قربَ الحوائط.
أغلبُ الظنِّ،
سنعود علي أوضاعِنا المخلَّةِ،
كما يليقُ بقدِّيسينَ عصريين ماتوا وهم
يمسِّدونَ أجسادًا معذَّبةً،
فيرفعون الحُمَّي،
ويطلقون العفاريتْ.
***