محمد عبد النبي في غرفة الكتابة.. تجليات المثقف وإضاءة الوعي

في غرفة الكتابة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 علي قطب

يعد محمد عبد النبي نموذجًا للمثقف متعدد الاتجاهات بما يقارب النمط التنويري الذي عرفه العالم وعرفناه في مصر من خلال المازني والعقاد وطه حسين وغيرهم لاجتماع أشكال الكتابة في مشروعهم الإبداعي، فعبد النبي روائي وناقد ومترجم وشخصية حاضرة في السياق الأدبي، هذا النشاط يتجلى بوضوح عنده من خلال كتابه الأخير “في غرفة الكتابة.. تأملات أدبية” والصادر عن دار الكرمة والذي يطرح فيه عبد النبي مجموعة من القضايا المهمة بصدد دور الكتاب وصناعته وحيويته وتحولاته في مدارات التلقي المكتوبة والمرئية والمجالات التي يقيم معها الكتاب وجوهًا للشبه من الفنون الجميلة والتشكيلية والواقع والحلم والجد واللعب فيصبح الكتاب خلية حيوية تنمو في سياق التنوير داخل الوجدان والأذهان والمجتمع الأدبي.

يمارس عبد النبي دور الرسام الحضاري في هذا الكتاب فيأخذ خط الكتابة من الثقافات القديمة مستحضرًا مفهوم الكلمة عند بتاح المصري القديم وصولا إلى اللوغوس (الكلمة أو العقل في الثقافة الأغريقية) حتى يصل إلى النجيبين نجيب محفوظ ونجيب سرور مستخلصًا شخصية كمال عبد الجواد التي طغت على النموذج التكويني للمثقف بمرجعيته شبه الانطوائية وميله العاطفي والخذلان الاجتماعي له وحركته المترددة بين الهوية المحافظة والنزعة التقدمية، ومقال عبد النبي القارئ لنقد نجيب سرور لثلاثية محفوظ دراسة عميقة في ما يعرف الآن بنقد النقد، من خلالها يبدو لنا نمطان متباينان للمثقف المصري أحدهما الرصين الذي يغامر بخطوات محسوبة والثاني الصارخ الطليعي الذي لا يحسب لسرعته الذهنية موقعها القادم فربما يسبق عصره لكنه لا يجد التقدير الرسمي المستحق، وقد كاد عبد النبي أن يقدم كتابا نقديا خاصا عن محفوظ بتنوع المقالات التي شغلتها المحفوظية في غرفة الكتابة.

إن إدراك محمد عبد النبي لمفهوم التنوع في البنية الفكرية والأسلوبية للكاتب في جيله وجيل الأباء يتجلى في كتابته عن إدوار الخراط عقب مقالاته عن محفوظ مباشرة وكأنه يرسم الوجه الآخر للروائي المصري الذي يتحدث عن أسطورته الخاصة وهذا ما فعله إدوار الخراط منذ إعلانه لاتجاه الحساسية الجديدة في مقابل الواقعية التي كان محفوظ علمها البارز.

يمكن النظر إلى كتاب عبد النبي بوصفه تمجيدا للعملية الإبداعية أيا كانت وسائطها وأساليبها وتصنيفاتها، فمطالع الكتاب سيستمتع بالنقد الأدبي والسينمائي والحديث عن الموسيقى والفلسفة دون أن يقتصر الحديث على عيون الأعمال العالمية مثل محفوظ وباموق وسكارميتا وزوسكند والشخصيات الأسطورية والثورة الصينية في السينما الإيطالية عند برناردو بيرتولوتشي، وفي الوقت نفسه سيجد تحليلات ثقافية لأعمال تجارية تركت فينا أثرًا جميلا ولم تخلُ من إشارات دالة على الوعي الجمعي مثل فيلم مطاردة غرامية أو علي بيه مظهر والأربعين حرامي.

يتميز الكتاب بالغلاف الجاذب للإدراك البصري الذي صممه عمرو الكفراوي معتمدا على إحدى اللوحات العالمية، والإهداء للأخ والصديق باسم عبد الحليم والتناص الاستهلالي من غونتر كونرت، والشكر في آخر الكتاب للشخصيات الداعمة التي يذكرها المؤلف بامتنان، وكان يمكن للكتاب أن يقارب الاكتمال لولا بعض المشكلات التحريرية.       

مقالات من نفس القسم