نصوص الديوان تعالج موضوعاً تقليدياً واحداً هو الهجران أو الانفصال بين عشيقين بطريقة رومانسية شفافة نجح الشاعر من خلالها من السقوط في شرك البكائيات والرثائيات وحولها حواراً بينه وبين عشيقته من طريق الذكريات التي ما زالت رطبة والتي لا تخلو من فكاهة وخفة خلصت القصائد من تراجيديا غير مجدية. من جانب آخر وهو هنا مهم في هذه التجربة الشعرية إن الشاعر يتحدث عن فشل الحب بطريقة تبدو للوهلة الأولى باردة وغير ذي بال، ومفروغاً منها، لكن قراءة أخرى متأنية تكشف المرارة التي يعانيها الفقد ليس شراً كله / الخبثاء أصحاب التجارب / يعرفون ذلك. انه الاعتراف بحقيقة يعرفها الجميع، لكنه اعتراف ناقص ولا يعني أحداً في النهاية.
ثمة التقاطات وأفكار في بعض هذه القصائد قد تبدو مألوفة ولكن الشاعر يعيد صياغتها بطريقته الخاصة ويمنحها طاقة وحيوية جديدة مثل هذه القصيدة القصيرة”أثرنا”التي يقول فيها:”في لحظة خرقاء / استندنا سوياً إلى سور الحديقة / لم يكن الطلاء قد جف بعد / مؤخراً مررت من هناك / رأيت أثر جسدينا / أعادوا طلاء السور مراراً / لكني لا زلت أميز أثرنا رغم ذلك”.
هذه البساطة تخفي في طياتها عمقاً غير مرئي يتوارى تحت سطح هش يمكن أن نقع فيه كلما توغلنا في القراءة.
لا يدعي الشاعر في هذا الديوان انه يسعى الى تقديم تجربة فلسفية في العزلة أو التصوف بقدر ما يلامس الأشياء الصغيرة التي غالباً ما تكون في متناول يده، كما انه لا يستدعي الزمن بمفهومه الفلسفي، بل يحاول أن يمسك بتلك اللحظات العابرة والصغيرة للتخلص من عزلته الحاضرة والخروج من زنزانة الوحدة المزعجة. ثمة سرد شعري ينطوي على نتف لا نكاد نراها أو نلتفت إليها ولكننا نجدها بصيغة معدلة وقد يمكننا أن نتصالح معها بطريقة ما. إننا هنا أمام نصوص شفافة للغاية تقتنص العابر والمنسي من خلال تعريتها لهذه التفاصيل أو تقشيرها.
محمد خير من مواليد 1978 وهذا الديوان”هدايا الوحدة”كما ذكرنا هو ديوانه الأول باللغة الفصحى بعد ديوانين بالعامية صدرت جميعها عن دار ميريت”ليل خارجي”و”بارانويا”إضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان”عفاريت الراديو”عن دار ملامح.