حاوره: مؤمن المحمدي
قبل أيام صدر ديوان “هدايا الوحدة” للشاعر محمد خير عن دار ميريت ، الديوان هو الأول للشاعر بالفصحى بعد ديوانين بالعامية، ومجموعة قصصية ، على أية حال فإن هذه تقسيمات شكلية ، فعندما نتحدث عن محمد خير تزول الفروق بين الفصحى والعامية من جهة ، وبين القصة والقصيدة من جهة أخرى ، في هذا الحوار يضع خير كثيرًا من النقاط على حروف تجربته ، يدلي بشهادته حول أمور الإبداع والنشر في مصر ، وكان هذا نص الحوار :
أرى أنك تمارس خداعا ما، هل تتحدث عن هدايا الوحدة أم الفقد؟
سؤالك في محله لأن الاسم الأول والمؤقت للديوان كان يحتوي كلمة “الفقد ” بالفعل، لكن القصائد في صيغتها النهائية ، دفعتني أكثر إلى استخدام صيغة الوحدة ، بوصفها المعنى الأوسع الذي يحتوي الفقد في داخله إلى جوار عناصر أخرى قد يكون منها الرغبة الشخصية في العزلة أو عدم القدرة على التكيف مع الخارج ، ثم قادتني الوحدة إلى هداياها ، فوجدت أن صيغة ” هدايا الوحدة ” قد تحمل العزاء والسخرية معًا ، وبصفة خاصة كان للقصيدة الأولى في الديوان ، قصيدة “الكسل “، الدور الأهم في استقراري على الصيغة النهائية للعنوان .
للزمن حضور لافت في ديوانك رغم قلة، وربما انعدام، الإشارة إلى الوقت .. كيف ترى موقعه من تجربتك؟
لا أحب الإشارة للوقت كما لا أحب الإشارة إلى أماكن أو أسماء بعينها ، أو للدقة لا أحب ” تحديد” وقت أو مكان أو اسم معين ، سواء في “هدايا الوحدة ” أو في أي عمل آخر لي ، أحب أن أترك النص يحلق خارج الأسماء والتواريخ ليناسب كل شخص ، مع ذلك فإن الزمن هو مادة الحياة وهو المؤثر في كل ما نتوصل إليه من فلسفاتنا أو أوهامنا الصغيرة، الشعر في رأيي هو محاولة كل شاعر إنتاج حكمته الخاصة ، وهي حكمة لا معنى لها بغير اختبار الزمن .
كتبت ديوانا عن البارانويا .. وديوانا عن الوحدة .. هل ستعمد إلى تكرار الكتابة على تيمة محددة؟
لم أكتب هذا ولا ذاك استهدافًا لتيمة محددة ، لكني عندما أكون بصدد تجهيز ديوان جديد، أحاول اختيار العنوان المعبر عن المجموعة الشعرية بأكملها ، أحاول اختيار الاسم المناسب لشخصية الديوان ، لذا فقد استبعدت عدة نصوص من “هدايا الوحدة ” لأنها كانت خارج حالة العنوان المعبر عن الحالة ، ومن ثم كانت خارج حالة الديوان نفسه .
الجميع يتحدثون عن البساطة التي تتسم بها أعمالك .. هل تراها أنت كذلك؟
في الواقع لم أسمع وصف البساطة من الجميع ، لكني مع ذلك سمعته بما يكفي ، وها أنت تؤكده ، وليس ذلك مفاجئًا على أي حال لأن البساطة نفسها إحدى أهم عناصر إعجابي بأي عمل فني ، ما أعرفه هو أنني أحاول أن تكون كتابتي أيًا كان نوعها كتابة انسيابية تأخذ القاريء معها وتقترب به من روح النص بلا تشوش ، أبذل في ذلك جهدًا كبيرا قدر ما استطعت ، وقد كتبت بعض نصوص “هدايا الوحدة ” أكثر من عشرين مرة لأصل إلى أصفى تقطير ممكن .
هل تأثرت بعملك الصحفي؟
بالتأكيد ، وقد حاولت أن يكون التأثير إيجابيًا في مجمله ، العمل الصحفي من عيوبه أن قد يدفعك في دوامة الكلمات يوميًا حتى تخشى أن تفقد معناها ، لكنه أيضًا قد يعلمك أن الكتابة ليست دائما تلك الحالة المزاجية الهائمة ، وأنها مثل أي نشاط إنساني قابل للتحسن بالمران والمثابرة .
هل تعد نفسك شاعرا ناجحا؟ وهل تهتم بالجماهيرية؟
يبدو أنه لا مفر من تلك العلاقة الأزلية بين النجاح والجماهيرية ، وفق تلك العلاقة فأنا لا أعرف إن كنت ناجحًا في المطلق ، لكن اعتقد أنني أتحسن ، ذلك شيء يمكن أن تلمسه خطوة بخطوة ، من ردود الأفعال ، من القراءات النقدية ، من معدل توزيع كتابك ، كما أن كلمة جماهيرية فيما يتعلق بقصيدة النثر كلمة تحتاج إلى الكثير من الحذر في تناولها ، بالنسبة لي فالنجاح هو أن أعثر لنفسي كل يوم على خطوة جديدة أخطوها ، وأن أظل مستمتعا بما أفعل .
هل الكتابة قرار؟
الكتابة قرار بصورة إجمالية وليس بشكل جزئي ، مفهوم القرار هنا لا يعني أن تقرر كتابة قصيدة فتجلس لكتابة قصيدة ، وإنما المعنى أنك لو كنت كاتبًا من الأصل ولديك الموهبة ، قد تقرر في مرحلة ما أن تتفرغ للكتابة أو تضعها أعلى سلم أولوياتك أو تجهز الظروف الحياتية المناسبة لها .. إلخ ، ذلك هو ما سيضعك في مناخ نفسي ومعيشي عام قد يرفع لديك حساسية التقاط المعاني وللكتابة ، وطبعا العكس صحيح ، قد يقرر شحص أن يتراجع عن أولوية الكتابة في مرحلة من حياته ، فهو قد “قرر ” هنا أن لديه الآن أشياء أخرى أكثر إلحاحًا ، هو في تلك الحالة لن يستطيع غالبًا أن يكتب نصًا جيدًا حتى لو جلس إلى الطاولة كل يوم ، طبعًا تبقى هناك استثناءات دائمًا ، لكن يبقى أن قرار الكتابة هو بصفة عامة الاخلاص لما تفرضه من واجبات .
هل أنت هاو أم محترف؟
من أصعب الأشياء الحفاظ على تلك اللحظة الحرجة بين الهواية الاحتراف ، بوصفي كاتبًا صحفيًا فإن الكلمات عموما هي مصدر رزقي وبالتالي فأنا محترف بهذا المعنى ، أما فيما يخص الشعر والأدب فأحاول أن أن تقتصر “الاحترافية” هنا على معنى العمل الجاد والمثابرة ، أما الهواية فهي حرصي على أن لا تصبح الكتابة مصدرًا للضيق أو النكد ، أن استمتع بها قدر ما استطيع متنقلا بين خبرات وتجارب وأنواع كتابة متعددة .
كيف ترى العلاقة بين الكاتب والناشر؟
على الرغم من الاتساع النسبي لسوق النشر الأدبية في مصر السنوات الأخيرة ، إلا أن العلاقة بين الكاتب والناشر في مصر لازالت شخصية في كثير من الأحيان ، وسوف تظل كذلك طالما ظلت النخبة الأدبية ضيقة جدا نسبة إلى تعداد 80 مليون مصري ، ستظل العلاقة بين الكاتب والناشر تشهد اختلاط الثقافة بالصداقة بالبيزنس ، إلى أن تتسع النخبة ويزداد جمهور القراء والمبيعات فتصبح دور النشر قادرة على اتباع النسق المؤسسي بغض النظر عن العلاقة الشخصية بين الكاتب والناشر ، وأقصد هنا العلاقة الشخصية بحلوها ومرها ، بكل ما تشهده من غضب ومن عشم ومن محايلات من أجل طباعة الكتب ، وأنت في النهاية لا تستطيع أن تلوم كاتبًا يشتكي تأخر طبع كتابه مثلا ، ولا تستطيع في ذات الوقت لوم ناشره الذي يريد تحقيق العائد الأدنى كي لا يضطر للإفلاس بعد معرضين .
هل ترى أنك تنتمي إلى جيل ما؟ تجربة ما؟ حساسية .. مدرسة ما؟
أعتقد أنني ومعظم من بدأوا النشر مع بداية العقد الحالي نعد امتدادًا لقصيدة النثر المصرية في التسعينيات، بشقيها الفصيح والعامي ، وإن كنت أعتقد أننا تخلينا عن بعض الصرامة النثرية التي ميزت اسلافنا التسعينيين ، عادت الصورة الشعرية وعادت بعض بلاغيات خجولة كما أن التفاصيل المباشرة واليومية قد تراجعت بعض الشيء لصالح روح تحاول تشكيل نظرة شاملة للعالم ، مع ذلك فإن الوحدة والعدمية لازالت تسم القصيدة النثرية حتى في طبعاتها الجديدة وهي سمة عالمية في كل حال .
متى يمكن أن تتوقف عن الشعر؟
فاجأني هذا السؤال إذ لم يخطر ببالي قط مثل هذا الاحتمال ، لا أعتقد أن قرارًا كهذا يمكن أن أتخذه إراديًا إذ أن الشعر هو أبكر شيء مارسته بانتظام في حياتي ، وكوني شاعرًا هي الطريقة الوحيدة التي أعرف بها نفسي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر في الأهرام المسائي بتاريخ 23 يناير 2010