أحمد الشَّهاوي
هُو كتابٌ يقعُ في مئةٍ وأربعٍ وأربعين صفحةً من القطع المتوسط، ليس كبيرَ الحجم، لكنَّه رفيعُ الشأن، يمكنُ أن تقرأه في جلسةٍ واحدةٍ لعدة أسباب أبرزها الأثر الذي سيبقى في نفسك، ولن ينمحي من روحك أبدا، هذا إذا كنتَ من مُحبِّي نجيب محفوظ، وكذا من قرَّاء أدبه، ثانيا للأسلوبِ الجاذب الذي استخدمه صاحب الكتاب الدكتور محمد الباز، وثالثا لدرجات الصدق التي حملت الكتابَ على أذرعها، ورابعًا للمعلومات التي احتشد بها الكتاب ليضيف سيرةً أخرى جديدةً أو متروكةً ومسكوتًا عنها إلى الكتب التي تناولت سيرة ومسيرة صاحب “أصداء السيرة الذاتية”، وخامسًا للمصادر التي لجأ إليها محمد الباز، وسادسًا للشجاعة التي تحلَّى بها، وهو يسرد ما تحت يديه ويطرح أسئلته من دون أن يخشى أحدًا، أو يربت على كتف من كانوا سببا في “مقتل نجيب محفوظ” وهم للأسف كُثرٌ.
الكتاب مهم وجديد لمن عايش نجيب محفوظ وعرفه، وكذا للأجيال الجديدة في وطننا العربي والعالم.ولو لم يصدُر هذا الكتاب لكانت مكتبة مسيرة نجيب محفوظ سينقصُها الشَّيء المهم وهو هذا الكتاب “أيام الألم.. كيف قتلنا نجيب محفوظ”، الذي صدر عن دار ريشة للنشر والتوزيع بالقاهرة.
الكتاب هو “سيرةُ القتل”، أو هو عندي “تحقيقٌ روائيٌّ مُطوَّل”، أو “روايةٌ وثائقيةٌ”، احتشد له كاتبه الدكتور محمد الباز بالمعلومات والمصادر، ورجع إلى من شاركوا حياة نجيب محفوظ، وإلى الكُتب والأوراق التي تناولت سنواته الأخيرة، وإن كان اعتماده على “المصادر الحية” كان أكثر.
هذا كتابٌ لا غنى عنه، لأنه يكشفُ الكثير، وأقترحُ أن يُترجم إلى اللغات الأجنبية لقيمة الكتاب، ومكانة أحد أبرز من فازوا بجائزة نوبل في الآداب أكتوبر سنة 1988ميلادية، حيثُ إنه يغطِّي جُزءًا مهمًّا من سنوات محفوظ الأخيرة، وهي السنوات التي اهتم بها الكاتب محمد الباز خُصوصًا بعد عام 1994 سنة محاولة الجماعات الإسلامية اغتياله أمام بيته.
أعرفُ أن الكتابَ محمُولٌ على الأوجاع والآلام، لكن لا بد من قراءته لنعرفَ ما كان مستترًا ومخفيًّا، وقد كشف عنه محمد الباز، الذي لم يتهم أحدًا بعينه – ما عدا الذين حاولوا اغتياله -وعرَضَ ما يحملُ بتجرُّدٍ وموضُوعيةٍ من دون أن يتحامل على أحدٍ – حتى لو كانت أسرته – وترك الأمر لقارئه ليعرفَ أكثر، ويستكشف ما كان مجهولًا أو متواريًا.
في الكتاب تفاصيلُ صغيرةٌ لافتةٌ ومفيدةٌ لمن يقرأ ويكتب، أو لمن يريد أن يعرف جزءًا من تاريخ مصر الحديث الثقافي والسياسي. لا أدري كم من الوقت استغرقه الدكتور محمد الباز في إنشاء هذا الكتاب الذي جاء مكتملًا، ومقدمًا صورةً تُضاف إلى الصور التي قدمها سابقوه خُصُوصًا رجاء النقاش، وجمال الغيطاني، ومحمد سلماوي وآخرين يصعُب حصرُهم الآن.
أعتبرُ هذا الكتابَ – أيضًا – شهادة مُهمَّة من محمد الباز على ما مر به نجيب محفوظ منذ الرابع عشر من أكتوبر سنة 1994 ميلادية وحتى وفاته في الثلاثين من أغسطس 2006 ميلادية، صحيح أنَّ الشَّهادة جاءت صادمةً وجارحةً، لكنَّها عرَّت من تواطأ ومن أهمل و”من كبَّر دماغه”، ولم يهتم أو ينتبه، أو يعرف قيمةَ صاحب “الحرافيش”، وكان جل شاغله أن يلتقط صورةً له مع نجيب محفوظ.
ومن المهم أن نقُولَ إن الكتاب قد فضَحَ عددًا من الأسماء في مقدمتهم محمد الغزالي (1335- 1416 هـجرية / 1917- 1996 ميلادية)الذي كان السبب الأول وراء ما جرى لمحفوظ، منذ أن كَفَّر نجيب محفوظ بسبب روايته “أولاد حارتنا”، والغريب أنه زاره في مُستشفى الشرطة بالقاهرة إثر مُحاولة اغتياله، كأنه يقول: لا دخل لي فيما حدث لنجيب محفوظ.
كما أنَّ الكتابَ يُقدِّم محمد الغزالي الكاره للتصوُّف الإسلامي خُصوصًا محيي الدين بن العربي وأبي منصُور الحلَّاج.