محاولات للفرار من شجرة صبار
سارة طوبار
تجلس بجوار جثته الممددة أمامها، تحاول أن تستوعب ما فعلته، رنين مذكر الهاتف يفزعها فتقع السكينة من يدها، تمسك الهاتف فتلطخه بالدماء، يذكرها بموعد تناولها أقراص منع الحمل.
"لم أعد في حاجة لذلك التنبيه، يكفي خمسة من الذكور، كيف سأتخلص من جثته، ربما أطهو أجزاءً منه للأولاد، يالها من فكرة شريرة تصيبني بالاشمئزاز، سأطهوه للقطط إذن، جارتي لا تتوقف عن الشكوى منهم، كانت قطة واحدة لكنها منحلة، هل توجد قطة منحلة؟ لم أستطع السيطرة على علاقاتها، وحده كان المسيطر دائمًا، الأولاد لا يستمعون إليّ، كيف سأبرر لهم اختفاءه، جدتي كانت تقص عليّ أبيات من الشعر كان جدي يُسمعها إياها، ربما لو قرأ لي الشعر يومًا ما كانت جثته الآن ممددة أمامي، تسيل الدماء على السجادة البيج، لطالما استفزني لونها السادة، تتشكل عليها وردة كبيرة حمراء وفراشات أيضًا، أصبحت سجادة مختلفة تمامًا، ستسألني جارتي متى اشتريتها وبكم ومن أين، ماذا لو لم يسخر من لون فستاني الجديد، لكنها لم تكن مشكلة الفستان فحسب، (عيناك ليالٍ صيفية) من أين يأتي لحنها الآن؟ أريد الذهاب إلى المطبخ لأطفئ البوتجاز وأعود، سأدفن رأسه بجوار البيت، وأزرع الصبار فوقه، يجب أن نُجمِل المدخل، كانت القطط تكرهه، يركلها كلما رآها، كيف هي العيون التي تشبه الليالي الصيفية؟ كانت عيناه حرائق لا تنطفئ تشعل كل ما لا يعجبه".
- "ماما".
تنتفض فور سماعها نداء ابنها الكبير، تدور بها الدنيا، ماذا ستفعل؟ تجري تجاه باب الغرفة لتغلقه بإحكام.
- "ماما أين أنتِ؟ حضر أبي، نريد الغذاء سريعًا".
- "حضر أبي".
لا تفهم ما يقول لعله يكذب لتسارع بتحضير الغداء، تنظر للجثة لا تجدها، ولا أثر للوردة الحمراء، حتى الفراشات طارت، الهاتف نظيف تمامًا، ينادي الأولاد من جديد، تلبي نداءهم، وتخرج إلى الصالة، تجده يتوسط مائدة الطعام، ومن حوله أولادهم الخمسة، نظراته تحرقها كالعادة، تفر مذعورة إلى المطبخ، تحضر الطعام وتنقله إليهم صحنًا وراء الآخر وحدها، لا يتحرك أحد منهم لمساعدتها.
يسأله الصغير: "هل أحضرت لنا الشيكولاتة؟".
ينظر إليها وهو يجيبه: "نعم الكثير منها وأحضرت لكِ هدية".
يُهيأ لها أنها لم تسمعه جيدًا فتنظر إليه متسائلة، فيقول: "أحضرت لكِ حناء".
لم يحضر هدية من قبل، تتعجب لتلك الحناء التي أحضرها، لا تستخدمها ولا تحب رائحتها.
تذهب إلى المطبخ لتغسل الصحون، يسألها إذا كان ثمة مهام أخرى يجب أن تنهيها، تخبره عن الملابس التي ترقد في الغسالة وغيرها يجب أن تجمعها.
"فلتنهي كل شيء إذن لنحتفل بالحناء".
نبرة صوته واهتمامه المفاجئ يصيباها بالقلق، تُنهي أعمالها وتذهب إليه، يُمسك يدها ليبدأ بها ويرسم عليها دببة صغيرة، وعلى قدميها أسماك، ملأ وجهها بالنجوم، صبغها جميعًا بالحناء، ثم نادى على الأولاد، أثارتهم رسوماته البنية المتقنة، قال لهم بأداءٍ مسرحي وهو يشير بيده عليها: "ليس هناك ألذ من الشيكولاتة"، بدأوا يلتهموها بنهم، لُطخت وجوههم وأيديهم.
كان يقهقه عاليًا وهو ذاهب صوب المطبخ، أحضر كوبًا فارغًا وطلب منهم أن يفسحوا له مكانًا ليملأه بمشروب الشيكولاتة.
"لا أعرف كيف أقنعهم أن يفعلوا بي ذلك، يلتهمونني بشراهة، أصبحت غير قادرة على الحركة، أتابع سيل بني على سجادة الصالة يصنع خطًا متعرجًا يشبه جذع شجرة، سيقنع الجميع أنني انتحرت، هو قادر على ذلك، سأموت قبل أن أعرف كيف هي العيون التي تشبه الليالي الصيفية، سيتزوج بعدي بالتأكيد بامرأة عاهرة تتحرش بأولادي، سيخبر جارتي أنني اشتريت السجادة ذات الجذع قبل انتحاري، ربما اكتشف السكين الذي خبأته بحجرة النوم، أنا منهكة تمامًا، القطط هي الأخرى تنهشني، في مراهقتي كانت قصص حبي الوهمية ما بين باتمان ودراكولا، دراكولا كنت بطلته التي تجعله إنسانًا طيبًا، فشلت لم أستطع أبدًا ترويض الوحش بداخله، أراه طيفًا بعيدًا يجلس على الكرسي الهزاز ممسكًا بمشروبه البني يراقب الأولاد باستمتاع، متى كبرت أذناه هكذا، ربما نبت له قرنان.
"شجرة الصبار تلك تضايقني، كلما حاولت روحي التحليق عاليًا آلمتها الأشواك ومنعتها من الفرار".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصة مصرية
من مجموعة "التفاحة لم تكن فاسدة" الصادرة مؤخرًا عن دار مقام
والغلاف للفنانة غادة خليفة