حاوره: عاطف محمد عبد المجيد
مجدي عبد المجيد خاطر كاتب ومترجم ولد بالإسكندرية.نُشرت ترجماته بالمركز القومي للترجمة والهيئة المصرية العامّة للكتاب بالقاهرة، ودار أزمنة في الأردن، ودار كلمات للنشر في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت،كما نشر العديد من ترجماته في عدد كبير من الصحف والمجلات المصرية والعربيَّة، إلى جانب مجموعته القصصية الوحيدة ” مجرد شكل ” التي صدرت في العام 2005 عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، أصدر عددًا وفيرًا من الترجمات منها: صناعة السعادة لويليام ديفيز – إفطار عند تيفاني لترومان كابوتي – أن نصبح أغرابًا للويز دين – انهيار رجل لمايكل توماس ونمط غير شائع لتوم هانكس وقد كان من الكتب الأكثر مبيعًا في معرض القاهرة للكتاب في دورته 51الماضية .
* استقبلت عام 2020 بصدور ترجمتك لكتاب ” فن الكتابة ” الذي وزّع مع عدد يناير من مجلة الدوحة..حدثني عن هذا الكتاب، وهل هو موجه للقارئ العادي؟ أم هو وجبة مخصصة للكُتّاب فقط؟
** هذا كتاب أعتزّ به كثيرًا لأسباب كثيرة: أولها أنّه وزّع مع مجلّة رفيعة لديها حرص شديد على تقديم مادّة ذات مستوى مُميّز للقارئ العربي، وثانيها طبيعة وموضوع الكتاب نفسه؛ إذْ صدر الأصل الإنجليزي أول مرّة في لندن في العام 1905، وهو مجموعة مقالات نشرها ستيفنسون في عدد من الصّحف الإنجليزيّة في الفترة من 1881 إلى 1894 إضافة للفصل الأول من إحدى رواياته الشّهيرة. والمقالات في مجموعها موجهه للقارئ العادي باستثناء- في رأيي- المقال الأول الّذي يحمل الكتاب اسمه، وهي تتعرّض لموضوعات ربّما تكون لا تزال ذات صلة بالرّاهن في الواقع الثقافي كالمبادئ الأخلاقية لمهنة الأدب.ثمّة سبب آخر يدعوني لمحبّة الكتاب وهو أنّنا لم نترجم لستيفنسون في عالمنا العربي سوى عدد هزيل من كُتبه وأبرزها روايتيه «جزيرة الكنز»، و«الحالة الغريبة للدكتور جيكل والسيد هايد»، وهما روايتان مُقدّمتان للأولاد بشكلٍ رئيس، على الرّغم من أنّه يأتي في المرتبة السادسة والعشرين بقائمة الكُتّاب الأوسع ترجمة على مستوى العالم، مُتقدّمًا بذلك على بلزاك وهمنجواي وكافكا وكبلنج وآلان بو وجوته وماركيز.وهذه الكُتب التي كانت تقف على الضد من الحداثة وكل ما هو سيكولوجي أو أيديولوجي أو سوسيولوجي لصالح الفنّ الرّوائي الخالص، وجد السينمائيون فيها كنوزًا يُمكن التعاطي معها في لغة سينمائيّة حيويّة ردّت الاعتبار لروايات ستيفنسون، وألقت بتأثيرها على طيف واسع من الكُتّاب منهم بريخت وبروست وهنري جيمس وجاك لندن وفلاديمير نابوكوف وبورخيس. لهذا فالكتاب تذكير ما بكاتب لم يأخذ حقّه- ككثيرين آخرين- من الترجمة إلى العربية.
* هل ترى ميزة إضافية للكتب التي توزع كهدايا للقارئ مع الدوريات العربية؟
** بالطبع. فبعض الدوريات تحظى بالقدرة على الوصول لعدد كبير من القُرّاء بسبب انتشارها الواسع. وهذا يمنح الكتاب فرصة معقولة جِدًّا في التوزيع، إضافة إلى أن نشره إلكترونيًّا -كما تفعل مجلّة الدّوحة مثلًا- يمنحه فرصة إضافيّة للوصول إلى عدد أكبر من القراء. وهذه مهمة جليلة وليست سهلة على الإطلاق.
* حسب معلوماتي بدأت مشوارك بكتابة القصة..هل ما زلت تمارس هذه الكتابة؟ أم أن الترجمة التهمت كل وقتك وشغلت كل اهتماماتك؟
** [تنهيدة] هذا الحلم لا يُفارقني: أن أُعاود الكتابة مرّة أخرى.لعلها كانت دفقة نور خرجت ولم تعد؛ إذْ أصدرت كتابًا قصصيًّا واحدًا في سلسلة الكتاب الأول بالمجلس القومي للثقافة، حمل عنوان «مُجرّد شَكْل»- شكِّل كما نصحني إدوارد الخرّاط رحمه الله- ولم يقرأه سوى عدد محدود جِدًّا. بعدها جاءت الترجمة وهي عمل شاق يلتهم كل طاقة وتركيز المُترجم الّذي يرغب في تطوير أدواته باستمرار.
* أريد أن أجعلك تشرك القارئ في تجربتك الخاصة مع الترجمة: آلامها وعوائقها وملذاتها وأفراحها، وهل هناك مردود يُنسي المترجم ما يعانيه داخل أروقتها؟
** على عتبات «جحيم» دانتي ثمّة رهط قُدِّر لأفراده المشوّهين أن يسيروا إلى الأمام والخلف معًا وفي الآن ذاته، فيمزّقوا أنفسهم من الدّاخل. يرى الدكتور مُجاب إمام في هذا المجاز الأدبي تعبيرًا بليغًا عن الواقع الوجودي للمترجم الحقّ والمثقّف مُزدوج/ مُتعددة اللغة عمومًا. وأنا أتّفق تمامًا مع ما ذهب إليه، ورغم ذلك يُمكن للترجمة أن تغدو عملًا مُمتعًا رغم مشقتها. المتعة شرط أساسي لإنتاج نصّ مقروء، وما يشعر به المُترجم من مُتعة أثناء الترجمة يصل لحدّ كبير إلى القارئ. والحقيقة أنّ وعي المُترجم بدوره يُساهم كثيرًا في توفير هذه المُتعة. فالترجمة إبداع أيضًا. والمُترجم دائمًا في حالة تفاوض مع «النصّ-المصدر» يسعى لاستجوابه وإعادة صياغته وتقليم أظافره قبل أن يصبّه داخل «النصّ-الهدف». وهذه عملية شاقّة وحسّاسة ومحفوفة بالمخاطر؛ إذْ أنّ أولى الأسئلة التي تواجه المُترجم حين يجلس أمام النصّ الأجنبي هي: ماذا يقول هذا النّص؟ بعدها تبدأ مرحلة التفاوض؛ والتوصيف لأمبرتو إيكو، التي تتجاوز الترجمة خلالها موقعها من مُحاكاة النصّ إلى المُترجم بوصفه مؤلِّفًا. ولا أعني بذلك أنّ المُترجم يطرح سرديته الخاصّة، لكنّها تظلّ سرديّة ما لا يُمكن أن ندّعي أبدًا أنّها النصّ الأصلي مئة بالمئة.
* ظهر عدد من المترجمين الشباب في الفترة الأخيرة..ما تقييمك لهذه الظاهرة؟
** [يضحك] نحنُ أيضًا لا زلنا شبابًا يا صديقي. أنا أترجم دائمًا كهاوٍ، وأتعلّم باستمرار من كل نصّ جديد أتعامل معه. أمّا إذا كنت تقصد مبدأ دخول دماء جديدة، فأتصوّر أنّنا نتفق جميعًا على ضرورة ذلك. وهناك أسماء كثيرة تجتهد بقوّة لتحفر لها مكانًا بارزًا في حقل الترجمة.
* قمت بترجمة العديد من الكتب الأدبية والفكرية..أي مجال كتابي تترجم فيه وأنت تشعر بالمتعة؟
** المتعة شرط الإبداع عمومًا، وهي ليست مقصورة على مجال بعينه. فمثلًا، ترجمة الموضوعات العلمية أو الفكريّة تفتح أمامي آفاقًا جديدة وتُطلعني على مستجدات، لديّ أنا نفسي كقارئ فضول لمعرفتها. هَهُنا تُصبح الترجمة دافعًا للبحث والمعرفة والتعلّم. بعض النصوص الأدبيّة أيضًا أشعر بمتعة كبيرة أثناء ترجمتها. لكل نصّ جماله الخاص، المهم هو أن تستطيع الوصول إلى مفتاح التعاطي معه.
* هل يختار مجدي خاطر ما يترجمه؟ أم هي اختيارات سوق القارئ؟
** يا صديقي أنت لست بعيدًا عن الترجمة، وتعلم كيف تجري الأمور. بالطبع أغلب ما نُترجمه يبدأ كتكليف تقبله أو ترفضه. تستطيع كذلك ترشيح بعض الأعمال لدور النّشر، لكن يظلّ هذا مسارًا يحتاج لصبر طويل إلى أن يتم النظر في عرضك قبل التفاوض على حقوق الملكية. رغم ذلك هناك أعمال ترجمتها كانت من اختياري، وهي أعمال أعتزّ بها كثيرًا ككتاب صناعة السعادة، أو كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكُبرى الرفاهية، الصادر عن عالم المعرفة. وهو كتاب في الاقتصاد السياسي يكشف أسرار مشروع بدأت خطواته الأولى قبل مائتي عام تقريبًا، وتظهر تجلياته الآن في العديد من مناحي الحياة اليوميّة.
* تعاملت مع أكثر من دار نشر رسمية وخاصة..هل ترى أن هذه الدور تقدّر جهد المترجم ماديًّا ومعنويًّا؟أم….؟
** بعض الدور تَعامُلُكَ معها تقدير معنوي هائل لك في حدّ ذاته. وكل دار تعاملت معها أحمل لها تقديرًا ومحبّة خاصة.
* بشكل شخصي أحب أن تحدثني عن ترجمتك لكتاب ” مغامرات يوم واحد في عالم الرياضيات العجيب “.
** هذا الكتاب ألّفه أستاذان متخصصان في الرياضيات هُما «جين أكياما» و«ماري جو رويز». الأول؛ وهو مُدير معهد أبحاث تطوير التعليم في جامعة طوكاي باليابان، هو صاحب فكرة «عالم الرياضيات العجيب»، والنماذج الرياضياتيّة التي قدّمها في هذا العالم مُستحدثة من نظائرها المُستخدمة في سلسلة حلقات تلفزيونيّة كان يُقدّمها في التلفزيون التعليمي منذ العام 1991. و«عالم الرياضيات العجيب» هو متحف نماذج رياضياتيّة تفاعليّة يهدف إلى مُساعدة الأولاد والبنات على اكتشاف ما في الرياضيات من مُتعة، أمّا الكتاب فيدور حول تجارب ثلاثة طلاب مُتخيلين خلال رحلتهم إلى هذا العالم العجيب، التي يتعاملون خلالها مع نماذجه التفاعليّة ويُشاركون في النشاطات المعروضة هُناك. وقد كانت ترجمة الكتاب فرصة رائعة لي للعودة إلى مجال دراستي الأكاديميّة للرياضيات، ونافذة على ما يُمكن عمله لتقريب الأجيال الصغيرة من هذا العلم وإثارة فضولها لمعرفته. وهو بادرة ممتازة من المركز القومي للترجمة بالقاهرة أرجو أن تتكرر، بخاصة مع ما نشهده من جمود المناهج التعليمية التي تُنفِّر الطلاب من دراسة الرياضيات.
* ألاحظ أنك تنشر ترجمات مهمة في دوريات تمنح مقابلًا هزيلًا للترجمة..هل لي أن أسألك: لمَ تُبدد مجهودك هكذا؟
** القيمة ليست في المُقابل المادّي وحده يا صديقي. الوصول للقارئ مُهم أيضًا. وهُناك بعض الدوريات تتمتع بحضور قوي وفعّال بصرف النّظر عمّا تُعطيه للمُترجم، وفي مثل هذه الدوريات أنا على استعداد تام للعمل بصرف النّظر عمّا يعطونه من مُقابل.