“ما رآه سامي يعقوب” لعزت القمحاوي.. نزهة بين الفراشات والتماسيح

ezzat al kamhawy
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

دينا شحاتة

تسحبك رواية “ما رآه سامي يعقوب” للروائي المصري عزت القمحاوي، والصادرة عن “الدار المصرية اللبنانية”، كما تسحبك فراشة جميلة، تنخدع بالألوان، لتدرك أن الفراشة تجذبها النار.

سامي يعقوب، بطل الرواية دائم الابتسام في كل وقت، الأوقات المناسبة وغير المناسبة، يذهب إلى لقاء حبيبته فريدة في بيتها، وأثناء انتظار اتصالها ليصعد إلى البيت، ينشغل بتصوير قطين في لحظة غرام، رغم كرهه للقطط.

الوقت الحاضر للرواية أقل من ساعة. بينما الوقت الفعلي من تداعي ذكريات سامي يعقوب، يعود إلى ما قبل ثورة يوليو، حين اتهم جده “سالم يعقوب” بالفساد، وقضى أبوه “صبري يعقوب” أكثر من ثلاثين عاما ليبيض سمعة الجد من التهم حتى فاز بالقضية عام ٢٠٠٨، وقبل احتفاله يأتي زوار الليل ويلقون القبض على صبري يعقوب ولم يمر شهر حتى يأتي الرجال ثانية لاصطحاب سامي يعقوب هذه المرة ليتعرف على جثة أبيه، مرورًا بثورة يناير ووقوفا إلى عام ٢٠١٨ وقت كتابة الرواية التي صدرت ٢٠١٩

أول ما جال في بالي، أثناء القراءة، أن صوت الرواية منخفض، رغم فداحة الأحداث، لقد قُتل والد سامي يعقوب ٢٠٠٨ وقُتل أخوه يوسف في موقعة الجمل فبراير ٢٠١١، دون أن يعرف من قتلهما، وماتت أمه ” أليس” في ألمانيا جراء المرض، وعاش وحيدًا حتى تعرّف على فريدة قبل عامين ربما.  ورغم قسوة ما عاشه، ظلت نبرة الراوي العليم هادئة، لماذا؟

لأنها نابعة من شخصية سامي يعقوب نفسه، الذي لا يعرف الانتقام مطلقا، سامي الذي يرى الحياة كعرض مكرر، فلا يندهش لفرح ولا يجزع لحزن. حتى أن الطبيب في صغره شخصه ب “طول النظر”. وربما لأن سامي يعقوب منشغل أكثر بالعصافير والفراشات، الحشرات والكلاب، سجادة الزهور من البونسيانا وتأمل شروق الشمس وغروبها ليرى يد الله وهي ترفع سجادة السماء وتفردها.

لذا؛ سيدهشك ربما، كيف ينتقل سامي يعقوب بسلاسة دون غضب ظاهر بذكرياته المريرة بينما يكمل تصوير مقطع لقطط، وكيف يكون الحديث عن الفراشات ملازمًا لثورة وموت.

هناك أيضًا رمزية “الحشرة” يمكن تأملها في تعامل سامي يعقوب مع الحشرات، في طفولته، كان لا يلتفت إلى تأفف أمه عندما تراه يلاعب ذبابة، فأمه-في ظنه- لا تعرف أن الذبابة ترقص على أنغام موسيقى بحيرة البجع فوق ركبته، وكان يتحمل وخزها كي لا يفسد رقصتها.

بعد موت أخيه يوسف، أحس أنه حشرة بلا قيمة يمكن أن يدهسها أي شخص بلا سبب، بعدها ظن أن الناس تحولت إلى حشرات مذعورة تنقل في أرجلها لقاح الخوف، لينتهي الأمر بعد أن سحبه رجلان لا يعرفهما لأنه كان يصور القطط وسط فناء مبنى مهم لم يعرف خطورته، “وبكل إحساسه تجاه الرجلين هوى بكفه الأخرى على ذبابة فسحقها ولملم المنديل حولها.

بتفصيلة بسيطة للغاية، نرى كيف تحول سامي يعقوب من رقة طفل يسمح لذبابة بالرقص على قدمه رغم الألم، إلى قاتل لذبابة بإحساس الحصار، بما يقدمه هذا المجاز من تأويل.

كذلك لو تتبعت خط ابتسامة سامي يعقوب، وهو دائم الابتسام، لأخبرك ذلك الكثير عنه، تحوله من ابتسامة مدهشة في طفولته إلى فقدها وقت أن رأى جثة أبيه عام ٢٠٠٨ دون أن ينتبه أحد إلى تفصيلا بسيطًا كهذا، لتعود له ثانية في بداية ثورة يناير ٢٠١١، ليفقدها مرة أخرى بعد موت أخيه بعدها بأيام، ثم يستعيد ابتسامته مجدداً عندما يقع في حب فريدة.  وبعد فشل لقائهما إثر تحقيق الجهة الأمنية معه، يرفض إجابة اتصالاتها لتتحول ابتسامته إلى ابتسامة باهتة.

لو تخيلت ابتسامة سامي يعقوب على رسم بياني لعرفت الكثير عنه، كما أن من أسباب حبه لفريدة أنها لا تخجل من ابتسامته الدائمة، ومن أسباب كرهه للقطط أنها كائنات أنانية لا ترى ابتسامته.

الرواية مليئة بذكر الحيوانات سواء كتشبيهات أو كوجود مادي “قطط، كلاب، يمام، أبو الفصاد، عصافير دوري، هدهد، غربان، نوارس، فراشات، تماسيح، سحلية، نمل، ذباب، ثعبان، خروف، أسد، نسر، حملان، نمور”، كل ذلك ساعد في ” تهوية” الرواية بهواء طبيعي، لتعطي قارئ الرواية انطباعاً إنها كنزهة في صباح جميل كي تخفف من ثقل الحكاية والمأساة.

ترى الفراشات والعصافير وشجر البونسيانا الأحمر، لكن ذلك لا يمنعك أن تتأثر لما حدث لسامي يعقوب وما رآه لأننا نعرف، كما يعرف سامي وكما جاء على لسان فريدة “أنت لم تتخلص من الإحساس بالقهر، حبك للفراشات جعلك تنسى أن التماسيح موجودة في مياه النهر ذاته”.

الرواية عامرة بالفراشات، لكن في عمق النهر ذاته توجد التماسيح.

 

مقالات من نفس القسم