أتحسس ملامحي الغليظة وأنا أطالع المرآة الصغيرة التي لا تفارقنى ، أنفر من سواد بشرتي الداكن ، لم يغازلني رجل قط ؛ لا قولا ولا فعلا .
حينما كان يحكى عن معاناته كرجل مع زوجته الحامل والتي تأخر حملها عدة سنوات ، كنت أشعر بعينيه تجوب جسدي الأسود الباذخ المشدود والذي تحسدني عليه كثيرات بالمستشفى ..ما أن تصعد عينيه إلى رقبتي ووجهي يتقهقر ويعود أدراجه.
اشعر بلهاثه وتلاحق أنفاسه في الثلث الأخير من الليل حينما تهدأ الحركة ويسود السكون وأنا أناوله قهوته السمراء بالحبهان وأشعل سيجارته وقد ارتمى بجسده على اقرب كرسي . الظلال تنعكس على وجهه المتعب وعيناه الحمراوين وهو يحكى عن تعنت زوجته حينما يحاول أن يمسها أو يقربها على استحياء وانه رغم مكابداته لا تراه زوجا مخلصا بسبب صداقاته النسائية المتعددة الغير موغلة وانه تعب من كبت رغبته طوال شهور الحمل حتى انه لم يعد يبتهج بذلك الحمل الذي انتظره أربع سنوات عجاف وأذل رجولته .
المستشفى الامريكى الذي نعمل فيه كبير وضخم وحجراته تشبه بيت جحا ، كثيرة ومتشعبة ومتصلة بدهاليز عديدة ، شامخا وسط الدولة الجزيرة التي اعشق الحياة فيها ، ولم تعد لدي رغبة في العودة إلى بلدي الآخر الذي لم اعد انتمى إليه ولم يعد هو الآخر يهتم بى .
اقتربت منه وأنا أناوله قهوته المسائية، أشفقت عليه منها فرجوته أن يستبدلها بعصير برتقال طازج، للحظة لمحت لمعة عينيه وهو يركز على صدري: أتراه قد لمحها..رغم أنى أخفيها تحت ملابسي .
– مريم !
نطق باسمى متعبا وتوسل بعينيه أن أظل بجواره أثرثر وأحكى حتى لا يسقط في بحر النوم .
– أريد أن أسمعك.
– لا أصلح لأكون شهرزداك .
– أتمنى أن أكون شهريارك تلك الليلة ..الليل طويل ولم يعد يزرني شيطان الشعر !
ثم ابتسم في خجل وأغمض عينيه وألقى برأسه للوراء واخذ يتحدث عن الموت ألدى يحس به كالمتربص بروحه، وعن طائف الرغبة الذي يهاجمه وحيدا وامرأته التي تغط في نوم عميق ( لا اعرف لم يتلازم حديث الرغبة عنده وحديث الموت : كأنها متلازمة داون ! )
أفاق فجأة وقال :
مريم من أى البلاد أنت ؟ أعرفك مند أكثر من عام ولا اعرف شيئا عنك. ارتبكت وأنا أدارى عشقي السري بالنظر للأرض ،
أنقذني طلب استعجال له، جريت ورائه وهو يزفر في استياء.
………..
سألني من أي البلاد أنت وترك كتاب الرغبة مفتوحا..أتنقل بين سطوره احجل بقدمي العاريتين ، رجوته ألا يقترب فاحترق مكاني وأذوب كشمع منصهر وهو لا يبالى …. يتعمد ألا يطلع لوجهي وينشغل بجسدي عمن سواه حتى قال:
جسدك غابة استوائية ، مطيرة ، حوشية تستدعى الكامن في وتوقظني عند عتبات الشهوة وتلفظني ذكرا غير مرويا بماء المتعة واجدل كلماتي شعرا شبقيا يجيء ينقذني من سبات امرأتي التي تراقبني بعيون زجاجية واعترف لك ولغيرها حين يجن الليل : أن الشاعر وقوده العشق والرغبة ، وأصرح في مجلس الرجال اننى عتل بعد ذلك زنيم ، أتلظى وحدي مابين مطرقة العيش وسنديان الرغبة وان نسائي كثيرات على مرمى اللابصر … يقفن بطابور عشقي … أتصيد عشقا وهميا كي اخلص لها وحدها : قصيدتي التي تهديني نشوة أبدية .ومجدا قدسيا .
……………
تركته يصعد بقصيدته لجسدي حتى اصطدم به وهو مستكين داخل صدرى ، تحسسه جيدا حتى اخرجه ونظر اليه ، وجده صغيرا دافئا يلمع ، ناولنى اياه قائلا :
– لا يجوز أن ترتدي صليبك وقصيدتي تجوس جنباتك يا مريم .
ثم تراجع للوراء في نشوة ناقصة … بحركة عصبية أشعل سيجارته الوحيدة التي سرعان ما أطفأها والتفت إلى وأنا أسوى ما بعثرته قصيدته : ملابسي وشعري ..وكأننا لم نكن ولم يكن ولم نشق بحر الهوى بعصا الرغبة.. وفى تقريرية قاسية قال:
– غدا ستضع زوجتي حملها ولا أريدها أن تلتقي بك في كشك الولادة ، فلديها انف حساس يميز رائحتي بأجساد النساء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قاصة من مصر
خاص الكتابة