” خيانةٌ ملونة ”
كان جَدِّي مصوراً
وكنتُ أرتعب من صداقته مع الظلام
وعينه التي كانت تتسعُ وتتسع
فنتعرى
وتقع منا كذباتنا على السلالم…
لكني رغم هذا
لم أَمَلَّ من تخيِّلِ أني مصورٌ عظيم
ألتقط صوراً للروح
عندما كانت تخون أبي
وتفرُّ من ياقة الجلباب..
وعندما كانت تختبئ فوق العمارات
كلما أمسكَ الولدُ بضحكة البنت
تحت عينيها المغمضتين..
حتى لما كانت تتسكع في الحرب
ثم تشهق وتتسحَّب بهدوءٍ
لتلهث تحت دبابةٍ يائسة..
أنا المصوِّرُ العبقريُّ
الذي يمسكُ حزنَ الوردةِ من رقبته
كلما تموتُ الأميرةُ في الحكاية..
والذي يهزُّ رأسهُ رضا
لما تصفو بصيرةُ القطار
و تُحَلِّقُ أشلاء القرصان…
لكنَّ السنين مرت عليَّ وأنا في سريري..
صرتُ عجوزاً لا يملكُ إلا عينيْنِ
لا تتسعان إلا لتتعرى الأوهامُ
على الحائط..
لهذا جمعتُ آخر عزمٍ فيَّ
وأخرجتُ كاميرا جدي
وحَيَّيّْتُ التراب الذي يحنو طول عمره علينا
والتقطتُ صورة براقةً ….سوداء
ووضعتُ فيها حياتي
ووضعتُ كلَ ما أشتهي..
” فَخُّ العائلةِ ”
يا أمي أنا مُتعَبٌ حقاً..
شالوني كثيراً في جيوبهم
ثم أراحوني على السجادةِ الكبيرةِ
تحت أقدامهم الطيبةِ الواثقةِ
لكنني ظَلَتُ متعباً..
قلتِ يومها لماذا لم تمت بدلاً من أبيكَ؟
وأنا قلتُ كنتُ أعمى ساعتها واللهِ
كنتُ قطاً لا يملكُ إلا ساقاً وحيدةً
تعشقها حُفَرِ القريةِ
و تهبطُ سلالمَ الجحيم و هي تبتسم..
و الآن سرقتُ كل هالات القديسين لأبتهل يا أمي ..
أمرِّغ قلبي في الترابِ
وأبكي وأنا أغرِقُ في قِربةِ الماء
كي تَهِلَّ يدُكِ المباركة
التي كانت تغلق البابَ علي رعشتي
..وتشتعلَ النيرانُ
و أعودُ خفيفاً
كأنني الهواءُ الذي يحيط بصورة أبي
منذ القِدَم..
ويسقي فخَّ العائلة
ليحيا واسعاً
ويحيا عميقاً…
“طيورُ الذاكرة”
أنخلُ أجولةً
دفنها أبي تحت السرير
لتسقط منها أرواحها
و أصواتها
و ملابسها…
بعد جهدٍ أصيل
أَصِلُ لبريق عائلتنا المغدور..
كلماتنا الملهمة في الدرب و الزقاق
و الحارة كلها..
بلا زوائد ولا حراشف..
بلا بصماتٍ لمجانين تغطوا بها
في الشتاء
ثم دفنوها بين الحروب..
ثم أنظِّفُ الطبق الكبير
كي لا تَعْلق بها أية مشاعر
تؤذي شبابها الساخن..
أصعدُ كالملتاث
للسطوحِ بكنزي
وأرى أبي الذي تركنا وسط الحروف
لنعمى عن ظلهِ المرتعش..
وأمي التي غَزَلت منها عظاماً
نطيرُ بها وسط الأمطار
ونسرق القلوب الحية
المنسية بين الحُفَر…
أُطُيِّرُ بكل عزمٍ
فيسرعُ الهواءُ كأنهُ مجذوبٌ
يودُّ أن يثقبَ حبيبتهُ
لتصير أكثر بهاءً..
.. وتصير كلاباً
و بحاراً
و طرقاً تعوي
كلما نَطَّ في شارعنا
المساء…