أعلم أن مراسلتك ليست بالشيء السهل، هل تحب الموسيقى؟، ذاكرتي مازلت تحمل قليلاً من ذكريات الحفلات الموسيقية وحفلات الأوبرا، في زوربا لم أفكر بك طوال الوقت؛ الحركات السريعة تخرجني من دائرتك، والبطل كان أجمل من أن أفقد وجهه من أجل لحظات تعبد. في هايدن فكرت بك كثيراً، كنت أكثر قرباً منك أثناء الفواصل بين انسياب المقاطع الموسيقية، تعرف هذا العدم الذي يغمرنا عند صمت الموسيقى، مناسب تماماً لتذكرك بشكل رومانتيكي جداً.
أنا أفتقدك. أفتقد الموسيقى والأماكن، أفتفد الأفعال ولا أفتقد البشر، أفتقد التمشية دون الصحبة والبوح دون من يسمعني. كل يوم يقذفون في وجهي أحجاراً تطير من أفواههم “وحشتينا يا سارة”، “وحشتيني ياسارة “، “وحشاني ياسارة”. الأحجار تتكاثر فوقي، مظلتي الواقية لا تتحمل الأحجار، لكنها مازلت تنفتح من تلقاء نفسها في محاولات واهية لإتمام دورها.
عندما أصبح في الأربعين، ذكرني أن أجلس بجوار الهاتف لأعيد إليهم كل أحجارهم الملقاة علي، بعد أن أنتهي من مراقبة المكالمات الهاتفية لابنتي المراهقة، وبعد أن أعتاد على وجه أمي المتجهم دائما، أظن ان الابتسام يرهقها، يؤرجحها على أبواب فرح لم تعد تذكره، تخشى أن تعتاد عليه، الطبيب أخبرني أن الحزن ينمو ويتقيح في جسدي ،في ساقي وذراعي ورقبتي.
أمي تتجهم من جديد لأني أصرخ في وضاعة الحياة وأنا أصرخ وأصرخ، الهيستريا لا تتوقف، رنين الهاتف يؤججها. رسائل العتاب والعشم تنهكني فأصرخ من جديد.
أنا ممتلئة بي أكثر مما يظن من حولي، أنا رسمة مسطحة على جدار الحياة ولا أطمح في أكثر من ذلك، شاشات إل إي دي ونظارات البعد الثالث تملأ الأسواق الكبرى، لماذا تجعلهم يصرون على انتزاعي من على جدران الحياة، كإصرار الطبيب على انتزاع دائرة القيح من منتصف فخذي.
يخبرني أن النقطة البيضاء هي مركز الألم، النقطة البيضاء في قلب الدائرة تطاردني تشبه عيناً دائرية، عيناً تخترقني لتعرف أكثر، الألم يأتي كلما تذكرته، لماذا لا تأتي أنت أيضا واضحاً كالألم؟. ساعي بريدك أكثر وضوحا منك، لا أظن أن لخطي السيء علاقة بتعاملك مع رسائلي، ربما النقطة البيضاء تشوش الرؤية، هل تشوش النقطة البيضاء الرؤية، أم أن حبيبات العرق التي تحيط بي تحجبني قليلا عن الإجابة، أمي المتجهمة تقول “افتكاره رحمة” أرجو أن تبحث في المعجم عن معنى الرحمة من جديد.