فتحي مهذب
هواجس الليلة الفائتة
مهنتي شاقة جدا..
محفوفة بالمزالق.
لم أك صانع توابيت لنقاد ماتوا غرقا
داخل قاع النص..
لم أك جاسوسا في دير يطارد أرواح القسس
بمسدسه الأشيب.
لم أك إسكافيا يرتق أحذية الموتى
المنكسرين دون مقابل.
لم أك زير مآتم في ليلنا العربي..
لم أك غير قارئ مهموم بتفكيك مناماتي..
والتحديق لساعات في برية رأسي
منتظرا صحنا طائرا يطفر من عمودي الفقري
لإضاءة هواجس الليلة الفائتة.
**
ريتا خلاصي الأخير
عزيزتي ريتا
هل وصلت حمامتي إلى شرفتك؟
هل قال لك القمر:
أن روحي تساوي مترا من الفراشات النافقة..
– إن غيابك كان ثعبانا سيء السمعة؟
– التهم كل شيء
– وردتنا المعلولة بشيخوخة مبكرة.
– كلماتنا التي قاومت طويلا
جنود النسيان.
– الضوء المعلق في السقف مثل إله من الفضة.
عزيزتي ريتا
– أنا حزين جدا جدا
لأن جنازتي مطوقة بنار الهنود الحمر
والغيمة تأكل الجدران السميكة
لقلعة حبنا الملكي.
لأن المساء قاتل وعنيف.
العزلة ضفدع عجوز
يتسلق قامتي
بمائتي رطل من الجنون الخالص.
عزيزتي ريتا
صوتك قس يقرع النواقيس
في كنيسة قلبي.
الفراغ وحده يصلي
مكسور الخاطر.
أنتظر قدومك يا ريتا
تمتطين جوادا مجنحا
ومفاتيح الجنة تشقشق بين أناملك
ولابتسامتك أبهة كبير الملائكة.
أنتظر البركة المجد والخلاص
قيامتي المشرفة
حياتي الأبدية الهادئة..
تعبت يا ريتا
خذلتني المدن الحجرية.
عيون المامبا الكريهة.
القراصنة وعواء الذئاب الليلي.
الحطابون بزيهم العدمي.
المستذئبون في عز النهار.
تعبت يا ريتا جدا جدا
أنا ضرير يا ريتا
والعالم مليء بالزواحف والقتلة
بالقيح والصديد والعار
وسنابك أحصنة هولاكو
تدهس حرير قلبي.
تعالي يا فراشة الشرق البديعة.
وانقذي هذه الأطلال المتفحمة.
كوني اليد المباركة
الخلاص النهائي.
تعبت كثيرا يا ريتا
تعبت كثيرا ياريتا.
***
صفقة القرن مع ثعلب الكلمات
أحب الذئب الذي يقطف الاوزة
ويغدق النثر على الهضاب..
أحب الأصابع التي تمطر في الجنازة.
قبعة الكاهن العمياء.
الصلوات التي من قصب وندم.
الريح المكتنزة بالعرق والحكمة.
الذهاب الى الأفق لاسقاط الحتميات.
الصلاة في المغارة لتهذيب الأسرى
وايقاظ سنابل السحرة.
أحب التحديق في العتمة
لأن براهين النهار
معلولة بالنقصان..
السلالم مطوية
الوشق يلتهم زيزان المخيلة.
القامة مليئة بالخدع.
المسافة بيت اللص..
السلوقي رابض في الاشارة
الينابيع جديرة بقبعة القارئ..
أحب العزلة التي ستأكل شياه الجسد
لننعم بسبائك الذهب..
أحب سحب غزالة
من كيس نقود الميت.
تمجيد زهرة الغفران
قبل الصعود الى الزقورة..
أحب دراجة الاسكافي
بعد موته طبعا..
للهروب من وحوش النوم..
واعمال النار في نعال النسوة..
قد أرتق جزمة الظل في الغابة
وأغني فوق رؤوس الأشجار..
أحب بندقيتي وأنا نائم
أو أدس بيوض الرخ في أكف العميان.
أو واقف مثل تمثال من الجبس
على حافة جسر
لاستدراج هواجس الشقق المهجورة..
أو رشق حصان القس
بخرادق التأويل..
أحب ريشة اللاوعي
قراءة كتب الموتى
التدخل في شؤون البحر
تنظيف مرآة العانس من التجاعيد.
وايتاء الزكاة لقوافل الغرقى..
أحب جر مركب نوح الى ضوء الحداثة..
عقد صفقة القرن مع ثعلب الكلمات..
طرد النمور من العبارة
قبل حلول الليل.
**
لتأويل أزهار الجنازة
كل ليلة
حين يفرنقع المصطافون.
ويرتق الناعون ثوب الجنازة.
حين يخلد إلى سبات عميق
مترو الأنفاق.
أرضع شبحا يتيما
يثغو مثل شاة ضريرة.
على قارعة الهامش.
كل ليلة
أجمع الضوء في سلال مثقوبة.
يتبعني سحرة كثر.
أكتفي بمزمار طائر الغاق
لأروض فهود الأسئلة الكبرى.
كل ليلة
مثل نسر هابط من درب التبانة
أسبي مائة امرأة خلاسية
من مركب نوح
لإضاءة بيتي بفاكهة المحظيات.
لأكون صاحب التاج والصولجان.
كل ليلة يسقط تمثال ضرير
من أعلى كتفي.
ولتأويل هذا
يكفي أن أكسر غصن الأسد.
**
فخامة الشاعر
لابد من امرأة لفخامتي
– أيام الشتاء الطويلة
حيث ينبت الفراغ واللصوص
وراء كتفي..
– أفرك هواجسها في مرتفعات النوم
بقماش شفاف..
لا بد من امرأة مسلحة
لطرد الوحوش والكوابيس..
وذئاب الأصدقاء السيئين..
لا پد من امرأة حنونة
لئلا يطبخ هذا الفراغ
روحي المزدانة بالطحالب.
**
الهاوية
الطبيعة بيد الساحرة.
العميان يقصفون المارة بقش اليوطوبيا.
بحبال مخيلتي أشنق كلمات القس.
أسحب الوضوح إلى الهاوية.
بالموسيقى شممت رائحة الله.
الله الذي أطلقوا عليه النار
المشاؤون الجدد.
الله الذي إختفى في رؤوس الجبال.
حاملا نعش العالم على كتفيه.
هاجمني مصطلح ضرير بالحجارة.
هاجمني اللاوعي بمسدس أشيب.
هاجمني ناس مظلمون في مفترق قوس قزح.
ينابيعي ملطخة بالدم والفضيحة.
في بئري تطفو جثة يوسف.
تعبت من صفير مؤخرة الموت.
تعبت من ميتافيزيقا الفيروسات.
أنا مطوق بزنار من البديهيات العطنة.
بكفن أسود من العذاب اليومي.
عضني أيها الخفاش
إقطع تفاحة سهوي إلى شطرين.
عضني أيها الذئب القابع في قاع الكلمات.
عضني أيها الفراغ الذي تلمع عيناه
المتلعثمتان.
سأحتمي بالفلسفة من نباح جارنا اللاهوتي.
سأحطم مزهريات اليقين.
أبايع عاصفة الأسئلة.
لا يهم موتي العبثي على قارعة اللاجدوى.