“لا أكتب عن الحرب” لوليد الشيخ.. ديوان الصمت والضجيج

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مهيب البرغوثي

يكتب وليد الشيخ بصوفية شعرية عالية يخاف من صوت الرصاص أن يجرح الهواء ومن الجندي ان يقتل الوردة.

يلتقط الشاعر مفاتيح قصيدته بعين الحدس ويبحث عن كل جديد في فضائه الشاسع، يكتب عن الحرب حين يقول لا أريد أن أكتب عن الحرب، يكتب عن الضجيج رغم الصمت الذي يحيط به، يكتب وليد الشيخ طفولته وحبه أو عن الاجتماع الحزبي بكل هدوء.

شعره على الرغم من بساطته وسلاسته إلا أنه عميق جدا بما يحمله من سكون وصمت. الصمت عند وليد، تسمع ضجيجه وأنت تقرأ ديوانه الأخير الصادر قبل ايام عن دار الأهلية في عمان “لا أكتب عن الحرب”.

يرفع الشيخ من شأن قصيدة النثر أمام كل ما يحدث في العالم من موت يومي وتهجير قسري ونزوح نحو المجهول؛ ليعلي شأن الوطن بكل من ضحى بنفسه لأجله بصور شعرية وان كانت هذه الصور لا تظهر مباشرة. وليد الشيخ شاعر ماركسي يرى في الشعر وسيلة لتغيير العالم واكتشاف إنسانية الشجر.

وليد الشيخ شاعر الكلمات البسيطة، في “لا أكتب عن الحرب”، يقف امام قصيدته بحذر وخوف كأنه يسوق سيارته في حلكة الظلام في ارض وعرة، لا يعرف اين ستقوده. في قصيدة “حرية” يقول:

“سأغيب مثل نباتات موسمية

وأعود

لأعوي

مثل عاصفة دخلت مدينة مهجورة”.

بلغة شعرية في غاية الرشاقة والوضوح يغوص الشاعر في أعماق الكلمات للبحث عن معنى آخر للوقوف ضد الحرب وبلغة لا تخرج عن سياق شاعر حساس، خجول تجلس معه ساعات بالكاد تسمع له صوتا يتأمل يرى يكتب:

“الجثث

التي طال بقاؤها في العراء

تعبت من الأصوات والرماد والحرائق

وتريد أن تنام”.

في قصيدة “احتجاج” يعلن وليد الشيخ احتجاجه:

“عادت

كسيل هادر من الجحيم

كأحلام مقطعة ومتروكة للنهش

غاضبة من التضامن ومن نشرت الأخبار”.

لكل شاعر لغته، ولغة وليد الشيخ ليست نتيجة قرار، بل نتيجة الطبيعة. وما نقرأه في ديوانه الأخير “لا أكتب عن الحرب” هو رؤية مغايرة للكثير حول دور قصيدة النثر في الدفاع عن رؤية يحملها الشاعر في قول ما يريد حقيقة، لا نجد للشاعر وليد الشيخ نفس اللغة دائما في دواوينه السابقة قد يختلف في رؤيته والآن هو نفس الشاعر الذي رأى طفولته في ازقة المخيم وكبر معها وسافر مع تلك اللغة نحو البعيد.

يرى الشاعر أن كل ذلك جاء من العدم، ويكتب دون قرار مسبق. مثلا: لا يستعمل الوصف أو يستخدمه قليلا جدا. ليس في علاقة تأمل ما، في النهاية، أحس أن الوصف يضعف القصيدة. كأنه يريد أن يقول الشاعر تلك هي الكلمات تلك التي تبقى معلقة في الفضاء، لذلك يذهب وليد الى القصيدة مباشرة ليقول ما يريد ليس هناك نظريات في اللغة، يكتب بشكل طبيعي ما أمكنه ذلك، يذهب إلى القصيدة تماما كأنه ذاهب الى السوبرماركت، لا يبحث الشيخ عن خلق الغموض، ويبتعد بأكبر قدر عن الحماقات الصغيرة.

في قصيدة “كما يفعل بشر كثيرون في التاريخ”:

“وقفت على النافذة

كما يفعل بشر كثيرون في التاريخ

لكني لم أر شيئا

الجيوش التي دخلت المدينة تبخرت

الرايات المحروقة

ظلت الوانها ضجرة في السماء

حتى السماء لم ارها”.

شاعر يحاول مصالحة العالم

يبحر الشيخ في اللغة ويبحث عن البساطة، والوضوح، عن الصمت الذي من خلاله يرى ويكتب لأنه جعل اللغة تقول أكثر مما تريد، لقد حمل الكلمات حتى أطراف معانيها ومشى بها نحو البعيد نحو المدينة التي جاء منها قبل سنوات طويلة وسكنها وإن بقي المخيم ومعنى اللجوء وتلك القرية المحتلة المهجرة من أهلها عام 48 “زكريا” ولم يزرها ولم يرها سوى في أحاديث أهله، حملها في قلبه وجاء إلى المدينة يحمل خيبات جيل كامل في النصر والحرية.

الشاعر متمرد بصمته، وإن كان ضد كل ما هو قائم من أنظمة قمعية، إنه مجدد لديه مهمة الدفاع عن اللغة وكأنه يقول مع الشاعر التركي ناظم حكمت: “وضع الشاعر في الجنة، فصاح آه يا وطني”.

يكتب وليد الشيخ قصائده بروح المصالحة مع العالم، بل يكاد يقبله ليقبل تلك المصالحة ويحاول عدم القطيعة مع ما يحيطه، فتأتي قصيدته حقيقية كما في عنوان المجموعة في قصيدة “لا اكتب عن الحرب”:

“لا أكتب عن الحرب

أكتب عن البنت التي ظنت أن كل ذلك

كان حلما

البنت التي سألت الأطباء عن ذراعها

الجيران عن أمها

وسألت الله

بإلحاح بائسٍ

عن السبب”

مقالات من نفس القسم