كيارستمي يتخيّل الحسين سعيداً

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أيوب الطالبي

تتمدّد قصّة حبّ عظيمة وبسيطة على أنقاض الزلزال، في الجزء الأخير من ثلاثية الكوكر للمخرج الإيراني عباس كيارستمي، المعنون بخلف أشجار الزيتون، التي سبقها أين منزل صديقي والحياة تستمرّ.

أُسست جميع أفلام عباس كيارستمي على قصص بسيطة، يدسّ فيها كيارستمي بطريقته فلسفة عظيمة عبارة عن خليط من الفلسفة العبثية والوجودية والعدمية، يضعها في مشاهد سينمائية عميقة تتسع لتشمل الممثلين، الحوارات، أماكن التصوير، الملابس، والأكسسوارت، جازما على أن الابداع والعظمة يوجدان في البساطة وليس في التعقيد. في الجزء الأخير الذي يلي الحياة تستمرّ نكتشف أن العناوين السابقة لم تكن عبثيّة بل مدروسة ومتعوب عليها، فبعد استمرار الحياة يأتي الحبّ خلف أشجار الزيتون.

تقول القصة أن الحسين أحبّ الطاهرة من النظرة الأولى وأغرم بها وأرادها لنفسه. مقدّمة تبدو للوهلة الأولى مثالية لقصّة حب كاملة ونموذجية تنتهي بالزواج. شيء شبيه للقصص الخيالية والحكايات ولما حلم به ابن الملّوح. سرعان ما تصطدم أحلام الحسين بواقع قاسي ومرّ بعدما طلب يد الطاهرة للزواج وقوبل طلبه البريء بالرفض من عائلتها. حجتهم أنّه لا يملكُ بيتا، أمّي وغير مستقرّ ماديّا. وفي جريان سريع للأحداث يضربُ الزلزال القرية ويموت والدي الطاهرة.

حزنا على رفضه، يعتقد الحسين أنّ الزلزال حدث نتيجة عدم قبولهم له، ومع ذلك يستمرّ في ملاحقة الطاهرة والتقدّم لها للزواج، مرّات منها وأحيانا من جدتها، فيما تتابع الجدّة الرفض، تقابل الطاهرة الأمر بالصمت.

تشاء الصدفة أن يقع الاختيار على الطاهرة والحسين، لتمثيل مشاهد من فيلم، يلعبان فيه دور شريكين حديثي الزواج. وتنتقل حكايتهما من الواقع إلى الخيال (ميتا-سينما) – لعبة كيارستمي المفضلة. يتماهى الحسين مع دوره ويحاول استغلال هذه الفرصة أكثر للتقرّب إلى الطاهرة، شارحا لها هدفه الحقيقيّ من الزواج ونظرتُه لرفضه من قبل عائلتها، ومؤكدا على أنّه سيكون الزوج المثاليّ الذي ربما تحلمُ به. فيما يستمرّ هو في الشرح والتفسير والحديث، تتابع الطاهرة صمتها.

ينتهي تصوير المشاهد المطلوبة من الشابين. تغادر الطاهرة مكان التصوير مشيا عائدة إلى بيتها، يلاحقها طيلة الطريق الحسين، مصرّاً من جديد على طلبها للزواج. في الطريق يصعدان معا تلا عالي يقف في قمته الحسين مستسلما للرفض في حين تواصل الطاهرة طريقها إلى البيت عبر أشجار الزيتون.

ينتهي الفيلم بمشهد أيقوني سيزيفيّ حيث يعود الحسين ليتبع الطاهرة عازما من جديد على طلبها للزواج. المشهد يلتقطهُ كيارستمي من بعيد، يبدو فيه أنّ الحسين تكلم مع الطاهرة لكنّ لا نعرف ماذا قالت أو ماذا أجابت، يظهر فقط الحسين عائدا طريقه ركضا فيما الرّيح تحرّك أشجار الزيتون.

تتسع في الفيلم أفكار كثيرة ووجهات نظر تنكشف فيها فلسفة كيارستمي العبثية والوجودية، وإرادة الحياة. فعلى الأنقاض واليُتم وقلة الحيلة يواصل البطلُ حبّه غير مكترث للرفض أو خاضعا للهزيمة. صمت الطاهرة الذي يشبه إلى حدّ كبير صمت الموتى هو الصمت الذي يقابلنا به الكون في رحلتنا لمعرفتة الغاية من وجودنا في الحياة. إصرار الحسين بالرغم من الرفض المطلق هو امتداد كامويّ – سيزيفيّ لفلسفة كيارستمي التي أرادت في النهاية تتخيّل الحسين سعيدا.

 

مقالات من نفس القسم