ساعدها الأطفال علي القيام: “ربما ستلد طفلا الآن”ـ قال أحدهم. تركها الأطفال متشككين في ما يحدث؛ فما الذي أتي بها في هذا المكان الخرب! عادوا لبيوتهم يحملون سرهم الخاص، وفي اليوم التالي رجعوا للبحث عن هذه المرأة، لكنها كانت قد اختفت بحثوا عنها في كل الأروقة والممرات لم يجدوا لها أثرا.
بعد أيام رآها الأطفال بجوار الساقية القديمة، وبين يديها طفل صغير. جلس الأطفال حولها مطرقين في صمت: ” نريد أن نلعب بالطفل” . عندما كشفت عن وجهه كان خيط من دخان أبيض له رائحة عطرة يخرج من ثنايا الخرق البالية التي تلف بها الطفل ويحتويهم. فزعوا عندما تلاشت من بينهم تاركة في المكان عقدًا من خرز بنفسجي.
2- خيط من الدخان
تصعد عبر تلك الطرق الوعرة الضيقة. تطرق كل الأبواب؛ تبحث عنه.
لم تعرف أنه كان حبيس دموعه وذنوبه التي أقترفها في حقها منذ زمن بعيد.
وقفت بأعلي المبني القديم. في عينيها بحار من الحزن، تمتزج بالكثير من الأسئلة..
أحست بدفء كلماته. لمست أنامله. لم يكن شبحا. خارت قواه وهو يبحث بلهفة عن شفتيها متمنيا أن تذوب في جسده. تلاشت من بين يديه كخيط دخان أبيض بينما يهرول خلفها عبر الطرقات البالية من السنين.
3- جلطة
بعد عمل يوم شاق أمام الفرن البلدي وتنظيف البيت، ,شعرت بآلام مبرحة في جسدها،وسخونة شديدة . خففت ملابسها. صرخت من الألم. أتى زوجها بشيخ يعيش بجوارهمفقال لهم أن زوجته أصابها مس من الجان.. سقاها الكثير من الماء والملح، وقرأ بعض الكلمات، وعندما زاد ألم المرأة ضربها ضربا مبرحا. عندما رأي الزوج ذلك أخذ زوجته للمستشفي.. وهناك فارقت الحياة. قال الدكتور: ضغط مرتفع تسبب في جلطة.
حمل الرجل زوجته إلي مدافن القرية التي تكاثرت علي مدي البصر وغمر كثير منها الرمال.
4- كنوز الآباء
جذبها قائلا:تعالي، سأريك مشهدا لم تريه من قبل.
قفز من الكورنيش إلي ضفة نهر النيل، فأصبح تحت الأشجار. بدت أضواء المنازل علي الضفة المقابلة كأنها نجوم صغيره تتراقص في سماء نائمة. سرحت في هذا المنظر الذي أخذها لوهلة من الزمن. فزعت عندما شعرت بأنامله تلمس يدها الصغيرة. قالت له وهي تبعد يدها كأنما مستها النار:
– ثمة أشياءٌ كثيرةٌ تمنعك من لمسي، وتمنعني من الاقتراب منك.تركته واقفا, يحاول أن يفهم ما ترمي إليه بعباراتها تلك ومشت في الاتجاه المعاكس.. لحق بها بعد لحظات.. لم يتحدث عن أي شيء، ولم يحاول أن يقترب منها بصورة تثير حفيظتها فهو يعرف عصبيتها جيدًا إزاء تلك الأمور. يعرف أيضا إنها آخر ليلة سيراها فيها. سترحل بعدها إلى بلدتها في أقصي الجنوب
كان يسأل نفسه: أي قدر هذا الذي يجمع روحي بتوأمها ثم يأخذها مني في لمح البصر .. انطلقا في شوارع المدينة يودعان ذلك القدر اليسير من المحبة التي نبتت في قلبيهما، يودعان تلك المساحة الصغيرة من الحرية التي حررت قلبيهما من الخوف، ولم تحررهما من جبال الوهم التي يبثها الآباء في دماء أبنائهم منذ الصغر. كان يلوح لها دامعا، بينما اشرئب عنقها من النافذة ينعي حبا صغيرا لم يكتمل ويسحق بكل حنق أطنان من الخوف والخرافاتتحت عجلات القطار.
ــــــــــــــــــــــ
أسماء عبد الله
قاصة – الوادى الجديد – مصر