“كل شيء لم أخبرك به”.. حكايات عن سوء الفهم

كل شيء لم أخبرك به
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مروة الإتربي

“كيف بدأ الأمر؟ بدأ كما تبدأ كل الأمور: بأمهات وآباء”
في رواية “كل شيء لم أخبرك به” لـ سليستي إنغ، نحن إزاء دائرة مغلقة، تدور للداخل، فتصغر حجمًا، وتصغر حتى تضيق تمامًا، تصبح نقطة ما صغيرة، تقف في الحلق، تخنقنا فيرتاح البعض ويتألم الآخر.
القصص تدور فيما بيننا لتبدو أحياناً أننا نأخذ قصصنا من أهلنا وكأنها انتقلت لنا مع الجينات، قتصير حياتنا إلى اتجاهاتهم دون أن نعلم، حتى لو لم نحذ حذوهم بالضبط، تظل حياتهم التي عاشوها قبلنا مؤثرًا ولو بشكل غير مباشر في حياتنا التي يعيشونها معنًا، فتنعكس على التصرفات والأفكار، مما يؤثر علينا فنسلك طرقا ما كنا لنسلكها لولا ماضيهم الذي ظل عالقًا معهم حتى الآن.
لا أحد يعلم من الُملام في الأمر، الجد الأكبر؟ أم الأكبر؟ أم أن لا أحدا يحمل وزر أحد؟ حسنًا لو أن الأمر كذلك لم الأبناء هم من يدفعون الثمن بشكل أو بآخر؟
لو أنها سلسلة من الأفعال أدت إلى ذلك، من المسؤول؟
لنفترض أن جدة ما، تعرضت لمواقف أثرت على حياتها وتفكيرها بشكل ما ـ هذا يحدث طوال الوقت ـ مما دفعها لأن تتعامل مع ابنتها بأسلوب ما حتى تجنبها ما حدث لها، هذه الطريقة أثرت على ابنتها، فعندما أنجبت الأبنة ” الحفيدة ” أثر ذلك على التعامل، هكذا وهكذا؟
.
إنه الخوف، الخوف من الجانبين، خوف الآباء والأمهات على أولادهم، وخوف الأولاد من / على – غضب أهلهم ما يجعلهم ينصاعون لكل ما يُقال، دون أن يتفوهوا بشيء، أن حتى يقبلوا بأشياء لا تروق لهم خوفًا من غضبهم / تركهم المنزل، أو أي شيء آخر يهدد أمانهم.
هذه الرواية تعيش بيننا، أو علها عاشت معنا منذ البدء، الرواية وإن لم تأت بجديد إلا أنها تعمقت في نفس كل فرد من العائلة، وأن التماسك الظاهري للأسرة قد يكون خادعًا حتى لهم، وأنهم لا يدركون حجم الفجوة فيما بينهم، أنهم هشين جدًا وأن عاصفة بسيطة قد تودي بهم فعلاً.
/
قصة عادية، مكررة، زوجة رحل زوجها، فبقيت تربي ابنتها بمفردها، تكبر الفتاة، تحاول جاهدة أن تعتمد على نفسها “رغم تلميحات أمها طوال عمرها أن نهايتها ستكون أما وربة منزل”، وهذا كان يسبب لها نوع من الضيق، فكانت تحاول طوال الوقت إثبات العكس، تحرق الفتاة نفسها اجتهادًا، لكن الحب يقطع طريقها، تتزوج لأنها حامل،
تغوص في حياة الأمومة، تنسى أو تتناسى ما كانت تطمح له، في نقطة ما تسترجع كل ما كانت تريد تحقيقه، تقرر الرحيل عن زوجها وابنها، ثم تعود لأنها حامل.
/
الأم التي عانت من الوحدة تدفع ابنتها ولو بشكل لا إرادي وتحثها على الزواج، تريدها أن تلتقي شخصًا مناسبًا وتتزوج، حتى لو لم يكن هذا ما تريده، هناك أشياء تنمو داخلنا من تكرار الاخرين لها، أشياء نحاول الهروب منها، البنت التي رأت امها وحيدة لم تكن تريد أن تصبح مثلها، رأت أن العمل هو الأبقى بالنسبة لها، حاولت الهروب من الصورة التي شاهدتها في أمها، حاولت أن تخرج من الصورة التي حاولت أمها إداخالها لها وحصرها فيها، لكن، يتكرر الأمر تفشل هذه البنت في تحقيق ما تريده، لأن الحياة والظروف لم تكن بالسهولة التي تجعلها تحقق ما تريد.
لذا ماذا سيحدث؟ ستحاول في منتصف الطريق أن تعود لما تريد فتترك أسرتها، تتخلى عن أولادها مما سيحدث كسرًا سيعيشون به للأبد، تفشل الخطة بسبب الحمل، والآن حتى الخطة الاحتياطية فشلت، لكنها لم تستلم، وبكل أنانية قررت أن توجه ابنتها لهذا الطريق، لا يهم إن كانت تريده أم لا، لكنها رأت في ابنتها هذا الأمل، الفتاة التي خافت ومرت بأيام سيئة بسبب رحيل الأم المباغت، لن تقدر على رفض أي شيء لأمها، ستكون مطيعة طاعة عمياء، تمثل انها تستمتع بكل ما تريده الأم، تظل الأم تدفعها، تدفعها، حتى تكاد تخنقها.
.
كل شيء أدى إلى تلك النهاية، لكن أبطال القصة لم يروا ذلك، نحن أيضًا لا نرى ما يدور حولنا حتى يحدث شيء ما كبيرًا يجلعنا نرى، شيء يصدم رأسنا بقوة فنبدأ في الرؤية، وإن كان رؤية ملطخة بالدموع والدماء.
كانوا جميعًا يعانون من الداخل، الماضي، الماضي عالق بهم لم يتخلصوا أو يشفوا منهم، كان الماضي هو المتصرف والمتحكم الأول في حاضرهم ومستقبلهم، شخصان بتجارب مختلفة، آلام مختلفة
/
تقول: ” كان بإمكاني أن أفعل ذلك، فكرت مارلين، واتخذت الكلمات مكانها كقطع من أحجية، صادمة إياها بمدى صحتها، كان بإمكاني، فعل مصرف في الماضي الاتفراضي، زمن الفرص الضائعة، انسابت الدموع أسفل ذقنها، كلا ، فكرت فجأة، يمكنني فعل ذلك”.
الفرص الضائعة مننا، هل ضاعت لأننا أضعناها؟ أم أنها لم تكن لنا من الأساس؟ الفرص الثانية هل موجودة فعلاً؟ يمكن تحقيقها؟ أم أنها مجرد أمنية خرافية – لا – أساس لها.
ذهبت مادلين لجارتها دكتورة وولف، لم تكن تبغي منها شيئا، كانت ذاهبة خصيصًا لتراها ، ترى فيها ما قالت بداخلها ” كان بإمكاني ” – تنظر لها ، لقوامها الممشوق، البالطو الأبيض، التفات الأطباء والممرضات حولها،أهميتها، كانت تنظر لأهميتها ومكانتها التي فشلت فيها، فشلت في الوصول لها، قالت في نفسها “كان بإمكاني” ثم أردفت “بإمكاني” عازمة على فرصة ثانية تحاول خوضها.
في الحقيقة، الحياة لا تعطي كل شيء، لكل الناس، هذا نعرفه جدًا، لكننا نغض البصر عنه أحياناً، مادلين تعرف جيدًا أن الطبيبة وولف تركها زوجها، وأن ابنها متروك فعلاً ولا يعتني به أحد، وأن هذه بشكل ما ليست حياة، أن حياتها تلك غير مكتملة ينقصها حياة أخرى.
/
أما عن الأب، الذي عانى من التنمر طيلة حياته تقريبًا، ورغم الألم الذي مر به، شعوره بالوحدة والنبذ، رغم معرفته كم هذا مؤلم، وأننا في حالات ضعفنا نحتاج من يربت على كتفنا، لم يستطع رغم ذلك أن يربت حتى على كتف ابنه حينما تعرض لذلك أمام عينه، وكل ما قاله ” لقد ضايقه بعض الأولاد وعليه تقبل المزاح”.
حسنًآ، ألم يكن هذا المزاح أيضًا ما كان يعكر صفوك وأنت طفل؟
إنه يدرك جيدًا أنه ليس مزاحًا،يدرك جيدًا أن هذه التصرفات تنحت داخلنا ولا تنسى.
/
حسنًا، لربما
كان هناك نداءً طويلًا من الصمت، فهل كان يجب أن تحدث تلك الجلبة ليلتفتوا؟
/
لقد استبعد الأبوان أن تكون ابنتهم قد انتحرت، معللين بذلك أنها كانت سعيدة، لديها أصدقاء حتى آنهم يسمعونها تحادثهم في الليل لكن، في الفجعة، في رحلة البحث عنها وجدوا الحقيقة. الحقيقة وفقط.
لا لم تكن كذلك، ولم يكن لديها أصدقاء حقيقيون، وكانت تمثل أمامهم فقط حتى يكونوا سعداء أن لها علاقات جيدة وأنها تستمتع بوقتها.
/
كان يحيط بالعائلة اللامبالاة، الصغيرة تظاهرت أنها لم تلاحظ ما حدث،ما بين عدم الملاحظة لحفظ خصوصية الفرد، إلى عدم الملاحظة التي تعتبر نوع من اللامبالاة، الأخ الذي رأى أو شك في علاقة أخته بالفتى الذي لا يحبه ولم يجرؤ لا على سؤالها أو سؤاله.
/
إنكار..
أنه اول شيء نذهب إليه بعد ما الكارثة، أن ننكر ما حدث، ننكر التفاصيل الصغيرة التي ربما كانت توحي بذلك، عندما وجدت مارلين علبة السجائر داخل حقيبة ابنتها،أنكرت أن هذه قد تكون لها، أنكرت أنكرت أنها قد لا تكون على علم بأي شيء يخصها، أنكرت حتى أن ابنتها قد لا تكون سعيدة حتى لا تشعر بالتقصير أمام نفسها، ألا يبدأ اللوم والندم بالتسلل إليها.
/
ماذا كانت المشكلة؟
إنهم يتعاملون مع الألم بشكل خاطىء، لأنهم غضوا الطرف عن المشاكل بدلأ من حلها وعلاجها تمامًا،لم يكونوا صادقين تماماً أمام أنفسهم وأمام بعضهم البعض.
إن ما نعتقد أنه دفن وتم نسيانه، يطفو مجددًا على السطح.
/
الأمل الباهت في العودة.
نحن نألف المواقف، مواقف الرحيل، مواقف البقاء، رأسنا دون شعور تربط بين الأحداث وتعيد بث الصور مرة أخرى، صور ما قبل الفاجعة، صور آخر مرة كانت الأمور على ما يُرام،كان الطفلان يأملان كل صباح أن أمهمها عادت وأنهما عند دخولهم المطبخ سيجدونها عند الموقف، الأمل ذاك الصفة التي تلازمنا منذ الطفولة، كان من الصعب على الأولاد استيعاب رحيل أمهم عنهم.
.
الطفل الصغير كخطأ.
ما أعاد الأم كان اكتشافها بأنها حامل،وطوال السرد تشعر أن لا وجود لهذه الطفلة، حتى أنها لا تتحدث، تشعر أن اختها وأخاها مميزان عند الوالدان عنها، ما تكاد تفكر في الحديث حتى تصمت، ومن ناحية أخرى لا يوجه أحد الحديث لها، هل فكر أحد فيها؟ ما شعورها وهي شخص مهمش؟
ربما تعتقد أنها أتت كخطأ للعالم،أن ما من مكان يتسع لها، مجرد رقم لا أكثر.
/
تناقض.
الأم، التي كانت تعتقد أن ابنتها سعيدة، متفوقة، أنها على الطريق الصحيح، ظلت تردد لها طوال الوقت كما ترغبين، أفعلي إن أردتِ، لكنها حينما رسبت الفتاة عاقبتها بشكل متفش.
/
اختيارات خاطئة
عندما أحضر الأب الكتاب لابنته، فكر في داخله أنه كان سيتمنى لو تحصّل عليه عندما كان في سنها، يفكر حتى في الهدايا من منظوره هو لا ما قد تحتاجه هي، في الحقيقة هم لا يعلمون شيئًا، لا يعلمون ما قد تفضله ابنتهم وما الذي هي بحاجة له فعلاً، ثم عندما أصاب وأحضر لها هدية مناسبة، كانت ترافقه إمرأة من العمل، ليس لطيفًا أليس كذلك؟ هي من اختارتها لها، اعطاها الهدية ثم جلست تراقب كيف تعامل السيدة الأخرى أباها، حتى الشيء الجيد – أفسدوه.
.
اهتمام سام
فكرت لماذا قررت ليديا أنها يجب أن تصادق جاك؟ رغم معرفتها بالعداوة بينه وبين اخيها؟
ورغم أنه كان يبدو أن العلاقة بينها وبين أخيها جيدة؟ لماذا قد تُقدم على شىء كهذا؟
هل كان نوعًا من العقاب لأخيها لأنها سيغادر إلى كليته ويتركها فكانت تعاقبه؟ أم أنه كان مثلاً نوع من لفت النظر؟
.
“حكايات عن سوء الفهم”
“ظننتك مختلفًا” تقول مادلين لزوجها عندما اكتشفت خيانته، كانت تقصد أنها اعتقدت أنه لن يفعل ذلك بها أبدًا، هو؟ هو كل ما فهمه أنه مختلفًا، لأنه ليس أمريكي وأن هذا الاختلاف ما سبب كل هذا له ولعائلته،
كان هناك دومًا سوء فهم بين ما تقصده هي، وما يقصده هو، بعد الكارثة وكما ذُكر في النهاية أنهم سيمرون بأيام وأوقات كثيرة حتى يستطيعوا أن يقولوا ما يريدون قوله فعلًا، ما يقصدانه فعلًا.
.

مقالات من نفس القسم