ميثم سلمان
اليوم هو الأول من نيسان، يوم الكذب العالمي، حيث يتفنن الناس بابتكار أكاذيب بيض هي أقرب إلى المقالب الطريفة منها إلى الأكاذيب. طوال أعوامي التي جاوزت الأربعين لم أهتم قط بمثل هذه الترهات، فالغم الذي يملأ صدري أكبر وأقوى من مراوغته بمزحة أو حتى ضحكة عابرة. لكنني اليوم قررت تجريب هذا النوع من المزاح مع هناء، زوجتي، كبادرة لتحطيم قوقعة اللاجدوى والهم التي صارت تضيق الخناق عليّ تدريجياً مذ حطت أقدامنا أرض كندا. وجدت في هذه المناسبة ذريعة كي أثبت فيها لهناء أنني لست مريضاً نفسياً كما تتصور، وكذلك لدحض قناعتها من أن علاقة ملامحي مع الضحك تشبه علاقة الماء مع الزيت، غير متجانسة. فهي تظن أنني مجبول على البؤس غريزياً ولا أمل في تغيير ذلك. وحجتها في ذلك هو أن لا شيء يسليني عدا متابعة الأخبار، كوني أقضي ساعات طويلة أمام التلفزيون متابعاً أخبار العراق في القنوات الإخبارية المختلفة. لذا أردت اليوم أن أتمرن على المزاح كنوع من التغيير الذي تطالبني به دوماً. ولكي أجعل هذا المقلب قابلاً للتصديق والتذكر قررت أن أخدعها بطريقة مؤثرة وقوية. فتناولت ورقة وقلما وكتبت:
“حبيبتي هناء، بعد ما أقدر أتحمل أكثر هذه الحياة المقرفة. لا تحزنين عليّ ولا تنقهرين. انسيني وعيشي حياتك بسعادة. وداعاً وسامحيني على كل شيء. حازم”
ثبتُ الورقة على باب الثلاجة بقطعة مغناطيسية صغيرة، وتركت هاتفي النقال مع مفتاحيّ بابي الشقة والعمارة على طاولة المطبخ أمام أنظار هناء. ثم هممت بالخروج قبل أن تستيقظ، فاليوم هو السبت وهي عادة ما تتأخر في نومها. ثم وضعت جوارب صوفية سميكة وارتديت بنطالي الجينز فوق بيجامة النوم وبلوزة قطنية فوق الفانيللا الداخلية وكذلك بلوزة صوفية مع قلنسوة صوف، ثم معطفي الشتائي الثقيل الذي يمتلك بدوره قلنسوة بحافة من الفرو. بعدهها دسست قدميّ في حذائي الطويل ولففت لفافا من الصوف حول رقبتي مغطياً فمي وأنفي ثم وضعت قفازين سميكين. وأنا في طريقي إلى منطقة الباص القريبة من العمارة بدأت نظاراتي الطبية تتضبب بفعل أنفاسي فسحبتها لأضعها في جيبي لكنها سقطت على الأرض. فلضطررت لخلع القفاز كي أتمكن من التقاطها لأدسها في جيب المعطف بصعوبة. ولم أضعهما ثانية على عينيّ إلا بعد أن صعدت إلى الباص.
ترجلت من الباص في وسط المدينة وتجولت لبعض الوقت بين البنايات العالية التي تشبه أبراجاً زجاجية شاهقة. عندما لشتد البرد عليّ دخلت إلى إحدى العمارات التي ترتبط بمجمع كبير. تمشيت هناك متأملاً الناس المنشغلين بالتبضع والمقبلين على الحياة برغبة يحسدون عليها، تمنيت لو أمتلك نزراً يسيراً من هذه الرغبة للخوض في الحياة، أو على الأقل بدون عادة المقارنة المقرفة بين هذا المكان أو ذاك وبلد النشأة. مقارنة تنتج حسرة بحجم العراق. فكلما مررت بمدينة متطورة وآمنة تحكمها قوانين تحترم الإنسان يخنقني تساؤل مرير: “ما الذي يمنع أن تصبح بغداد كهذه المدن؟”.
توجهت إلى بهو المطاعم واشتريت كوب قهوة بلا سكر ثم جلست إلى إحدى الطاولات الموزعة في البهو. انتبهت بعد وهلة لنظرات طفل مصوبة نحوي. كان في نحو الثالثة أو الرابعة من عمره يجلس على مقعد متحرك، ويشاركه الطاولة صبي ربما يكبره بعشر سنوات أو أقل، يضع سماعتين في أذنيه ومنشغل بهاتفه النقال. لو جردت رأس الطفل المقعد عن منظر جسده المضمر لكان عبارة عن صورة حية للبهجة والأمل والصحة والوسامة. شعر أشقر ينسدل على رأس مدور مشرق تشقه ابتسامة مطمئنة. تشع من عينيه الخضراوين شحنة عالية من الفضول تشي بذكاء حاد. لكن الغريب بأمر هذا الطفل هو أن وسامته لا توائم باقي أجزاء جسده المشوهة. فيداه وساقاه ربما تأخرتا عن النمو قرابة السنة أو أكثر. كما أنني لم ألحظ أن قدميه قد تحركتا ألبته منذ أن سقطت نظراتي عليه وهو بالتأكيد السبب في استعانته بمقعد متحرك.
وأنا أتأمل ذاك الوجه الملائكي لحظت أن ابتسامته أخذت تتلاشى. عبس، برطم، ثم راح يبكي. ربما أرعبته نظراتي الفاحصة والمنبعثة من عينين غائرتين في محجرين داكنين تحيطهما ملامح متشنجة. حيث أبدو كشيخ بائس كان قد جاء تواً من جزيرة عاش فيها وحيداً وضائعاً لأربعين سنة: شعر أشيب كث، لحية وشوارب بِيض غير مشذبه، وجه تملأه الغضون والصرامة مثل أرض تشققت من شدة العطش تعكس أنين ضاعفته جروح العراق.
فور سماعي بكاء الطفل خفضت رأسي وتظاهرت بأنني لا آبه بما يدور حولي ممسكاً بكلتا يديّ كوب القهوة. أزحت الغطاء البلاستيكي عن الكوب وتأملت البخار المتصاعد منه. ثم رفعته ببطء واحتسيت رشفة بينما أراقب بطرف عيني اليمنى ذلك الطفل. شاهدت سيدة تأتيه على عجل، ربما أمه. يبدو أنها كانت تنتظر دورها لشراء وجبة طعام من المطعم المجاور. امرأة رشيقة القوام في نحو الثلاثين من عمرها، بشعر أشقر مسحوب للخلف بعناية وبشرة ناصعة البياض وملامح أوروبية باهرة تشبه باقة ورد نضرة. سمعتها توبخ الولد الكبير لأنه لم يهتم بأخيه المريض كما يهتم بهاتفه النقال، فراح يؤكد لها أنه لا يعرف السبب الذي جعل أخاه يبكي. عادت السيدة إلى دورها أمام المطعم. فعاودت بدوري مراقبة الطفلين. انتبهت إلى تعابير وجه الأخ الكبير الغاضبة التي تعكس امتعاضه من أخيه المريض، كما لو أنه يريد القول، “إنك السبب دائماً في مشاكلي مع أمي”. شاهدت دموعاً صامتة تنزل من عيني الطفل المريض وهو يرمي بنظراته نحوي. حينها تصاعد تأنيب الضمير في داخلي كوني تسببت في بكاء طفل مريض، وخلق مشكلة لشخص بريء.
لهذه الأسباب تولدت لدي رغبة قوية بإصلاح الموقف. ولم تكن في ذهني حينها وسيلة إلى ذلك غير ارتداء قناع المهرج سعياً لبث شحنة من الفرح في روح الطفل، أو حقنهُ عن بعد بلقاح المرح لقهر واقع عجزه المزمن.
أول شيء بدر إلى ذهني حينها هو التكشير عن أسناني كعلامة للمبالغة بالابتسام عند النظر إلى الطفل كما لو كنت أقف أمام مصور في حفلة زفاف! رغم بساطة هذه الحركة إلا إنها دفعت الطفل لأن يبدي شيئاً من التآلف نحوي، فقد هيمن الهدوء ثانية على ملامحه. ثم راحت عيناه تترقبان ما سيحدث لاحقاً. كررت هذه الحركة حتى شعرت بتشنج في عضلات وجهي. وجدت صعوبة بإرجاع شفتي لوضعهما الطبيعي فبقيتا مفتوحتين كما لوكنت مجبراً على إبراز أنيابي لطبيب الأسنان.
يبدو أن هيئتي هذه قد منحت الطفل شيئاً من الطمأنينة وربما الثقة بيَّ. تماديت قليلاً فأنزلت طرف القلنسوة الصوف على عيني وأخرجت لساني سعياً لرسم ابتسامة على وجه الطفل. عندما رفعت طرف القلنسوة عن عينيّ شاهدت الطفل وهو يضحك. حينها تسربت نشوة لذيذة إلى قلبي لم أعرف مثلها سابقاً تشبه فرحة أعمى يرى النور لأول مرة في حياته. شعرت أنني بدأت أتذوق لذة الحياة. كررت الفعلة السابقة نفسها أمام الطفل لكن هذه المرة بالغت بإخراج لساني وكذلك وضعت كلتا يدي على أذنيّ محركاً أصابعي كمن يعزف على بيانو. رفعت طرف القلنسوة وشاهدت الطفل يكركر بصوت مسموع. تحقق أخيراً ما سعيت له جاهداً، لكن هذه المرة كانت أم الطفل إلى جانبه تنظر إليَّ وملامحها تشي بالرضى لما أقوم به ممزوجاً بالاستغراب. شعرت بالخجل وتجمدت ملامحي. لكنها بادرتني بتلويحةٍ بيدها اليمنى قائلة بصوت يشبه لحناً موسيقياً عذباً: “هاي”. ثم أردفتها بعبارة، “Thank you. That’s so nice.”. لم أنطق بأي كلمة، فقد كنت مشدوهاً وفرحاً في الوقت ذاته. أنتهى المشهد وراح الثلاثة يتناولون طعامهم.
خفضت رأسي محدقاً في القهوة السوداء. تلاطمت الأفكار المتناقضة في رأسي كفؤوس مختلفة الصنع والهيئة، تضرب في جذع شجرة حياتي اليابسة. فؤوس تحفر في لحاء جسدي أسئلة الجدوى ومعنى لذة الحياة. وسرعان ما تبرعمت بذرة شجرة جديدة محل تلك الشجرة اليابسة. تنفستُ بعمق فانبثق في داخلي ينبوع من الحيوية والنشاط لم أألفهما سابقاً، فنمت البذرة لتغدو فوراً نبتة خضراء.
وقفت وفي نفسي رغبة قوية بالركض في الهواء الطلق، لكنني عدلت عن هذه الرغبة، ورحت أتجول في المجمع الكبير بغير هدى ما نحاً ابتسامة عريضة وحقيقية لكل من يصادفني. منهم من يكتفي بالابتسام ومنهم من يحييني بحب: “هاي”. وأرد عليهم كطفل فرح بنطق كلمته الأولى: “هاااااي”.
في أثناء تجوالي شاهدت محلاً للحلاقة وبدون تردد دخلت إليه. سألتني سيدة تجلس خلف الكاونتر إن كان لدي موعدً أو أنني أفضل أي من الحلاقين الثلاثة (رجلين وسيدة مسنة). فأجبتها بأنكليزية ركيكة إن لا موعداً لدي، ولا يفرق عندي أي حلاق يهتم بشأني. على الفور جاء أحد الرجلين وسألني إن كنت أتحدث اللغة العربية (يبدو أنه خمن ذلك من خلال لكنتي الأنكليزية). قلت له:
-نعم.
– أهلين. تعال أوؤعد هون.
– شكراً.
– من وين حضرتك؟
– من العراق.
– يا هلا باهل العراق.
– أهلاً بيك ياطيب. وأنت من لبنان، صحيح؟
– نعم.
– نتشرف.
– شو بدك تعمل؟
قلت له: ” تبديل خلقة”، وقهقهت بصوت منخفض. فرد عليَّ: “شو ، راح تتجوز؟”.
– لا. آني متزوج من زمان.
رد الحلاق مازحاً: “طيب شو القصة؟ كنت أسير ا مثلاً؟ هههه.”
– بالضبط كنت محبوسا في سجن إنفرادي لأربعين سنة. أريد خلقة جديدة. شعاري من الآن فصاعداً (حياة جديدة، خلقة جديدة).
– أحسن شعار. بس وين هذا السجن يا ساتر؟
– مرة قريت ما معناه إن السجن الي نصنعه لأنفسنا هو أقسى أنواع السجون. وكل ما تحتاجه حتى تخرج من هذا السجن هو الرغبة الحقيقية بالتحرر.
– كلام حلو والله… طيب، بدك أحلق اللحية والشوارب على الآخر.
– لا، لا. بس خففهم نمرة أثنين وأصبغهم نفس لون شعري.
– أي لون بدك؟
– كان لون شعري الطبيعي قبل أن يغزوني الشيب هو قهوائي داكن.
أثناء انتظار تثبيت الصبغ راح الحلاق يزيل الشعر من على خديَّ ثم حدد حاجبّي ووضع الجل على شعري. كلفتني هذه العملية تسعين دولاراً. مبلغ كبير بالنسبة لي لكن لا بأس فقد أرجعني عشر سنوات للوراء وشعرت فعلاً بحيوية شاب يافع. بقي لدي في حسابي ما يقارب الألف دولار وهي كل ما أملك. بعدها ذهبت إلى متجر ملابس فخم بطابقين وطلبت من البائع أن يختار لي أرقى ما في المحل من ملابس وبألوان فاتحة عكس ما أرتديه بالعادة من ملابس فضفاضة وغامقة. أختار لي معطفاً فاخراً جداً لكنه بملغ ثلاثمئة دولاراً. لم أكن لأتخيل يوماً أن أشتري قطعة ملابس بهذا الغلاء لكن عندما أرتديته بدوت وكأني رجل أعمال. نصحني ألا أرتديه فوق بلوزة كالتي كنت أرتديها حينها، بل فوق قميص رسمي وأشار إلى قميص بكم طويل لونه بنفسجي فاتح. قلت له لكن هذا الجو اللعين لا يسمح بذلك. ضحك البائع وأخذني إلى خانة الملابس الداخلية وأراني ملابس داخلية حرارية (thermal) وطويلة. باهظة الثمن قليلاً لكنها مريحة وخفيفة تقي الجسم من البرودة القاسية. كلفتني الملابس مع حذاء إيطالي (بعنق طويل، ماروني اللون) والجوارب الحرارية والقفازات الجلدية الراقية مع ربطة عنق بلون الفيروز (اللون الذي تعشقه هناء) أكثر من سبعمئة دولارً. بعدها ذهبت إلى المرافق الصحية في المجمع التجاري لأرتدي كل ما اشتريته. ثم حشرت ملابسي القديمة في حاوية القمامة مردداً مع نفسي: “حياة جديدة، ملابس جديدة”. كل شي في هيئتي وعلى جسدي جديد وذو رونق عدا نظاراتي الطبية. فهي نظارات قديمة ورخيصة.
أتذكر في آخر مرة فحصت نظري عرضت عليّ حينها مساعدة طبيب العيون خيار وضع عدسات لاصقة بألوان مختلفة إن شئت ذلك. لكنني رفضت الفكرة تماماً. أما اليوم ولإكمال عملية التغيير الشامل أخذت أفكر في الموضوع بجدية. فذهبت إلى كشك معلومات المجمع وسألت الموظفة إن كانت هناك عيادة عيون قريبة فدلتني على واحدة داخل المجمع. فحص الطبيب نظري وقال إن عليَّ الانتظار لأسبوعين لحين تجهيز عدسات لاصقة بلون أزرق، وهو اللون الذي فضلته حينها، وبالتأكيد سيعجب هناء. طلبت منه الحصول عليهن في نفس اليوم. “مستحيل”، قال الطبيب. لكنه عرض عليّ عدسات عديمة اللون بنفس درجة نظري وهي مؤقتة ينتهي مفعولها بعد أربع وعشرين ساعة. اشتريت مجموعة منهن تكفي لأسبوعين وتعلمت منه كيفية تثبيتهن على عيني. كانت العدسات بمثابة اللمسة النهائية على لوحة فنية. شعور لذيذ انتابني وانا أشاهد ملامحي الجديدة في المرآة. تخلصت من نظاراتي القديمة وأنا أردد مع نفسي: “حياة جديدة، عدسات جديدة”.
بعدها فكرت بشراء ساعة يدوية وهي المرة الأولى في حياتي التي أضع ساعة في معصمي. فحتى عندما أهدتني هناء ساعة يدوية في إحدى المناسبات لم أضعها ألا مرة واحدة إرضاء لها وبعدها هملتها تماماً. لذا اشتريت واحدة تشبه تلك الساعة التي اشترتها لي هناء، ذهبية اللون بحزام جلدي بني اللون. واشتريت كذلك عطراً فاخراً مع كريم للوجه واليدين.
طوال الطريق إلى خارج المجمع كنت أنظر بإعجاب إلى صورتي المنعكسة على زجاج المحلات التجارية غير مصدق أن تكون هذه الهيئة هي لي أنا. وقبل أن أغادر المجمع ذهبت إلى محل بيع الزهور لأشتري باقة توليب بلون زهري وهو ما تعشقه هناء. إنها المرة الأولى التي أشتري فيها ورداً فكل مناسبة سعيدة تمر تكون هناء هي من يشتري الورد. لا أعرف كيف سيكون وقع هذه الحركة على هناء فهي لم تتخيل يوماً أن أبادر بذلك.
لم أشأ انتظار الباص فقررت تأجير تاكسي. وجدت هاتفاً مثبتاً على الجدار قرب باب المجمع التجاري مخصصاً لهذه الخدمة. عندما وصلت إلى العمارة انتبهت إلى وجود سيارة أجرة تركن أمام المدخل الرئيس. فتحت الباب الأول وهو لا يحتاج لمفتاح عكس الباب الثاني الذي يفضي إلى داخل العمارة، ففي حالة عدم وجود مفتاح الباب الثاني يتحتم حينها الاتصال عن طريق الحاكية بشخص آخر داخل الشقة ليفتح هذا الباب عن طريق زر مثبت داخل الشقة. تذكرت أنني قد تركت مفاتيحي في الشقة هذا الصباح ولأنني لم أرغب بمناداة هناء من خلال الحاكية حفاظاً على لذة المفاجأة فما كان من سبيل آخر لي عدا الانتظار لحين مجيء أحد السكان والدخول معه. ولحسن الحظ لم أنتظر طويلاً حتى جاء أحدهم وطلبت منه أن يسمح لي بالدخول. قلت له إنني نسيت مفتاحي ولا يوجد أحد داخل الشقة ليفتح لي الباب. لم يصدق أنني من سكنة العمارة أول وهلة رغم أنه كان قد صادفني سابقاً أكثر من مرة في ممرات العمارة. لكن عندما شرحت له أمر صبغ الشعر والملابس الجديدة والعدسات اللاصقة أخذ يتفحص ملامحي، ثم تركني أدخل رغم تشككه في أمري.
وقفت أمام باب الشقة بوجل وارتباك كأنني في ليلة زفاف. عدلت من هندامي ومسحت على لحيتي وأزلت الغلاف عن باقة الورد. وقبل أن أرفع يدي لطرق باب الشقة تناهى إلى سمعي صوت هناء وهي تتحدث باللغة الإنكليزية طالبة من الشخص الآخر أن يمهلها دقيقتين لحين ارتداء معطفها والنزول إليه – يبدو إنها تتحدث مع سائق سيارة الأجرة الذي ينتظرها خارج العمارة.
طرقت الباب فجاء صوت هناء متسائلاً عن الطارق. لم أجبها. بعد وهلة سريعة ظهرت هناء وهي ترتدي أفضل مالديها من ثياب وتضع كمية كبيرة من مساحيق التجميل كما لو أنها ذاهبة إلى حفلة.
فزعت هناء فور وقوع نظراتها عليّ، وصرخت برعب: “أنت منو؟”. قلت لها إنني حازم. حدقت في ملامحي وهيئتي للحظة ثم سقطت مغشياً عليها.