محمد الكفراوي
عادة ما يسقط الرجل في الغرام بسهولة، معروف أن الرجال مخلوقات هشة، سريعة التأثر، ساذجة لدرجة لا توصف، ومع التقدم في العمر، تكون وتيرة السقوط في فخ الحب أسرع، وتكون الصراحة والمكاشفة هي الطريق الوحيد للخلاص من تأنيب الضمير.
في رواية ” كاتيوشا” التي صدرت مؤخرا للكاتب وحيد الطويلة، تتلخص تراجيديا الحب الثاني بطريقة مأساوية تقترب من الكابوسية، فالزوجة التي تعشق زوجها وتحبه بشكل جنوني ودون شروط تفاجأ بزوجها وهو في أجازة بمصر حيث يعمل في إحدى الدول العربية، يصارحها بأنه يحب امرأة أخرى، وهي إحدى الصديقات المقربات لزوجته، يصارحها بهذا الأمر وهما في الطريق إلى المطار ليسافر إلى عمله، فتثور وتهجم عليه ويقع حادث يسقط الزوج من بعده في غيبوبة طوال الرواية، لتبدأ المراة في البحث والتقصي ومقاربة الشكوك التي تنتابها حول هوية الحبيبة التي سقط زوجها في غرامها.
خلال رحلة التقصي عن الحبيبة الغامضة يبدو على الزوجة حالة الصدمة والإنكار وعدم التصديق، فبعد هذا العمر الطويل تفاجأ بحبيب عمرها وزوجها الكاتب الروائي الكبير يتخلى عنها ويحب امرأة أخرى، تفند علاقة زوجها بصديقاتها واحدة إثر واحدة بأسلوب مليء بالشك والتخيلات وإعادة تركيب الأحداث والتفاصيل البسيطة، بطريقة ملؤها التشويق الكامن في التفاصيل المحيرة الدالة والنافية في القوت نفسه، لتكتشف في النهاية أن الشخصية التي تبحث وراءها ليست هي المقصودة، إلى أن تهتدي للشخصية في المحاولة الرابعة، لكن في طيات البحث تكمن التفاصيل المهمة والحكايات المرتبطة بالعشيقات بأسلوب رشيق، حتى يصل الأمر لمطالبة الحبيبة في بعض الحالات التاريخية المشهورة بحقها في الحضور والتجلي باعتبارها تمثل الجانب الحقيقي الأكثر شغفا في حياة حبيبها.
يستغل الكاتب الإجواء المشحونة المحيطة ببحث الزوجة عن غريمتها ليظهر قصة حب مثالية، الطريقة التي تعرفت بها الزوجة مشيرة على زوجها رشيد، السنوات الطويلة التي قضياها معا، علاقته بكل صديقاته وصديقاتها دون أية شكوك أو مخاوف، تبدو الزوجة في الرواية كالممسوسة بالحب، المجنونة بزوجها، مفطورة القلب بسبب الخبر الذي وقع عليها كالصاعقة وأدى للحادث الذي يرقد على إثره زوجها في المستشفى فاقدا للوعي.
يعتمد الطويلة في هذه الرواية على رهانين أساسيين، الرهان الأول الذي يقدمه هو الغوص في أعماق المرأة والتفكير بعقلها بل والتوغل إلى قلبها ومحاولة الوصول إلى عمق مشاعرها ليقدم لنا تحليلا نفسيا وروحيا وعاطفيا ينعكس على طبيعة المرأة المحبة أو العاشقة لزوجها، والتي تحارب حتى آخر لحظة للحفاظ عليه، وتستدعي طريقة ارتباطهما، والحرية التي تركتها له في التعامل مع صديقاته اللاتي عرفهن قبل الارتباط بها، وكأنه يقوم بتشريح النفس البشرية ولكن هذه المرة من خلال قصة حب طويلة، ربما فقد أحد أطرافها الشغف وقرر أن يبحث عنه لدى امرأة أخرى، لكن تظل الزوجة على عهدها ووفائها وتتعرض لصدمة حقيقية من موقف زوجها واعترافه لها بحبه الثاني.
أما الرهان الثاني فيكمن في مساحات التداعي الممتدة باستمرار من خلال الحكايات المنفصلة ـ المتصلة، وهي حكايات الصديقات موضع الشك من قبل الزوجة، بالإضافة لحكايات أخرى متناثرة ترتبط بحالة الحب الثاني نفسها عبر التاريخ وعبر شخصيات مشهورة، أو موقف الزوجة من الحبيبة الثانية والعكس، بعض الحكايات تبدو واقعية وحقيقية تماما وبعضها يتداخل فيه الخيال مع الواقع مع الفرضيات المحتملة في مثل هذه الحالات، وساهم في نجاح هذا الرهان أن الطويلة معروف باعتباره حكاء بارعا، ربما مهووسا بالحكي، وهو ما يتضح من أعماله السابقة ومن طريقته في الكتابة التي تعتبر الحكاية هي البطل فيها ومن بعدها يمكن أن تأتي أية عناصر أخرى مثل الفلسفة والتحليل النفسي والأبعاد الروحية للشخصيات، كما ساعده أيضا ـ في تصوري ـ اختياره لبيئة الرواية وهي بيئة ثقافية محضة، فالبطل روائي شهير وزوجته تعمل أيضا في الصحافة الثقافية، وربما اختار الكاتب هذه الشخصيات تحديدا لنقد الأمراض المستعصية الموجودة في الساحة الثقافية، وتقديم رؤية لهذه الأوساط تخدم موضوع الرواية.
في نهاية الرواية يأخذ الصراع بين الزوجة والحبيبة طابعا ماديا يختلف عن الطابع الروحي والعاطفي الذي اتخذه هذا الصراع على طول الرواية، وتتصاعد هواجس الزوجة لدرجة أنها تظن أن الحبيبة تريد قتل زوجها أثناء رعايتها له في المستشفى .
نهاية الرواية تحمل بعدا فانتازيا بعض الشيء، ففي اللحظة التي يفيق الزوج من غيبوبته، ومن المفترض أن تكتمل المواجهة بينه وبين زوجته، إذ بالزوجة تقع في غيبوبة هي الأخرى نتيجة حادث، لتبقى القصة مفتوحة، ويبقى النص قابلا للتمدد في اتجاهات مختلفة.