محمد مصطفى الخياط
يقتحم البلدوزر الجزيرة الخضراء وسط الشارع، يسدد ضربة مميتة إلى عنق الشجرة العتيقة، تترنح، تفر العصافير كغمامة قاتمة محملة بالدموع والمطر، يسدد ضربة أخرى قوية، ترتج، تقاوم السقوط، ثم تهوى كتلة واحدة، تحلق العصافير ملتاعة فوق جثمان مدينتها، تنفرط أعشاشها، يتدحرج بعض بيض صغير فتدهسه الأقدام الثقيلة دون اهتمام، يقتنص القط الرمادي فرخًا يعلوه الزغب ويختفي وسط الضجيج.
في طابور جنائزي، اصطفت سيارات النقل. خلف كل كابينة قيادة نعش فاغرٌ فاه، وبجبروت قوة غاشمة راح البلدوزر، يلقي بالمخلفات وجذوع الأشجار داخل صناديقها، واحدة تلو أخرى. تحولت الجزيرة إلى مقبرة جماعية؛ سُحقت الحشائش وأحنت الأشجار هاماتها السامقة وسجدت ذُلاً، وتحشرجت أنفاسها.
فى قلق رفرفت العصافير، حطت متوترة على أسلاك الكهرباء، نفشت ريشها، اشتبك عصفوران بمنقاريهما فى الفضاء ثم هويا معًا إلى الأرض، قبل أن يستوعبا الموقف، انقض عليهما القطان؛ الأبيض والأسود، واختفيا وسط قهقهات سائق البلدوزر