خالد أبو بكر
الموت (1)
دائما واثقون.
دائما مُرتدُون وجوهَ طمأنينةٍ
ورثناها عبر جيلين على الأقل.
نبتسم للمساكينَ وعابري السبيل
كأنهم أُخوة لنا
نعلم ما لا يعلمون:
أنّ المرء بوُسعه
أن يباغت الموتَ بقليلٍ من رباطةِ الجأشِ
كأن تقول له مثلا
“عفواً، لا أرغب في انتهاءِ كلِّ شيءٍ الآن.
لديّ أشياءُ لابد أن أنجزها.
لم أقم بزيارة “فينيسيا” كما وعدتُ أبنائي،
أو زوجتي لم تنته من دروس البيانو بعد”
وحُججٌ أخرى منطقيةٌ جداً
لدرجة أن الموت يرتبكُ تماماً حيالها.
تخيلوا أحدَهم
وهو يتوسل إليه ليمهلهُ
حتى يسدّد دَيْناً قديماً لجارٍ
لم يطعم أطفالَه منذ ليلتين.
أيُّ سببٍ هذا!
الحياةُ لم تعد بتلك البساطةِ أبدا.
الموت (2)
لا أكره ابنَ حارسِ البناية المقابلة
قاتلَ أبيه.
أبوه هذا كان قد غرق
بعد ولادة الابن الرابع بشهرين
لا أعرف ما الذي أغراهُ بمواصلة العيش هكذا
وسط زوجته وأربعةِ عيال
برائحة موتهِ التي حاصرتهم أحد عشر عاما
ويديهِ المثبتتينِ في وضع غريقٍ (يتعلق بقشة)
حتى وهو يضاجع امرأتَه.
كيف يتجرأ غريقٌ مات وشبع موتا
على مضاجعة امرأة؟
التباسُ الموتِ والحياةِ على البعضِ
ليس مبررا لأن تدّعيَ أن الأمور على ما يرام
فتضحكُ
وتدخنُ
وتنامُ
وتتجشأُ
وتسبُّ امرأتَك وأولادَك
كأنك لست ميتاً
منذ إحدى عشرة سنة كاملة.
……………..
*من ديوان “ومخالب إذا لزم الأمر” الصادر أخيراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب