محمد الفخراني
بعد الشهر الأول من ظهور الڤيروس، وخلال أوقات العزل، يخرج الناس إلى سطوح العمارات لقضاء بعض الوقت خارج جدران بيوتهم، لاحَظَ الأولاد والفتيات أن المسافات قصيرة بين الكثير من سطوح العمارات، تتراوح بين مترين إلى خمسة، بعض العمارات شِبه متلاصق، لكن هذا النوع ليس مهمًا فيما أحكيه.
بدأ الأولاد والبنات يضعون ألواحًا خشبيَّة بين حافة سطح عمارة وأخرى، تلك التى تفصلها مسافات قصيرة، بدأوا يمشون على هذه الألواح، ويتنقُّلون بين العمارات، يفعلون هذا ببساطة، دون ترَدُّد، يمشون بثقة، ربما تَهُوُّر، لا مشكلة، كأنهم يتَحَدُّون أنفسهم، وفى الوقت نفسه يتَحَدُّون الڤيروس، يسخرون منه، ويكسرون غروره، لم يُمانع أهلهم، يتفرَّجون عليهم، ويُشجِّعونهم.
بعد أسبوع اخترع الأولاد والبنات تَحَدِّيًا جديدًا، قام ولد بربط حبل بين عمارتين، ومشى فوقه، فَعَلَها بسهولة، كانت أمه أول مَنْ شجَّعَه، كافأتْه بواحدة من كيك البرتقال المُفَضَّلَة له.
صار عاديًا أن أرى أولادًا وبناتًا فى عمر السادسة عشر حتى الثامنة عشر عامًا يمشون فوق حبال ممدودة بين أسطح العمارات، وأن أرى ولدًا وبنتًا جالسَيْن معًا فى منتصف الحبل بأريحية، تتدلَّىَ سيقانهما بلا مبالاة لطيفة، يتحدثان، وبأيديهما علبة عصير، عنقود عنب، تفاحة، قطعة من الكيك، أو بعض المُسَلِّيات، يتفرَّجان على شىء فى الموبايل، أو يقرآن معًا من كتاب، أو فقط يَهزَّان سيقانهما بإيقاع متناغم أو فوضى لطيفة، ويضحكان.
نشأتْ قصص حب كثيرة هناك.
وجاءت فتاة، فكَّتْ حبلاً بين عمارتَيْن، ومشَتْ فوق الأثر الذى تركه هذا الحبل فى الهواء، فقط كان عليها أن تنتقل إلى الجهة الأخرى بسرعة، لأن أثر الحبل لا يستمر أكثر من دقيقتين.
أتساءل، هل تصمد قصص الحب التى نشأت هناك بالأعلى، عندما ينزل الشاب والفتاة إلى الأرض؟
أقول لى، المهم أن قصص حب قد نشأت، وليكن ما يكون.
……………….
*مقطع من رواية بعنوان: زهايمر حبيبة.