صلصالٌ لينٌ
أصحو على صوتِ العصافيرِ؛
لأنني اشتريتُ زقزقتَها بِحَبٍّ،
لا يُكلفني سوى خمسةِ جُنيهاتٍ في الأسبوعِ
أصحو على كفِ زوجٍ حانية؛
لأنني اشتريتُ رقتَها بِحُبٍّ،
لا يُكلفني سوى الصدقِ والإخلاصِ
أصحو على ضحكاتِ ابنتي؛
لأنني اشتريتُ فرحتَها باهتمامٍ،
لا يُكلفني سوى احترام الغدّ
فأنا أُحبُ الله كطفلٍ يلتمسُ من نوره؛
ليعبرَ المسافة بين رغبتهِ في المشي وحاجتِه إليه
لهذا أكره بعضَ دوائرِ المثقفين؛
لأنها تُشعرني بالخجل؛
فأنا عادية
كشجرةٍ تولدُ بعضَ الأكسجينِ
وقطعُها لا يضرُ؛
فهو كافٍ لصناعةِ مقعدٍ ضيقٍ
ربما
يرتاحُ فوقَ موتِه طفلٌ عائدٌ من مدرسةٍ
عاديةً
كنقطةِ ماءٍ عذبةٍ
كانت تجمعُ الطميَ على ضفةِ النيلِ،
فحجبوها بسدٍ
أنا صلصالٌ لينُ
يحتاجُ إلى استمرار تشكيلِه
******
+18
أخشى الدهشةَ؛
هي زائرٌ يقبلُ فمَ الهواءِ
من دونِ مراعاةٍ لمشاعرَ الصغارِ
أبدأُ في التعرقِ عندَ رؤيتي المشهدَ المثيرَ
كما علمتني أمي
أغطِي عينيَّ ولكن دونَ جدوَى
الوحدةُ تراقبُني في صمتٍ
تقتربُ منِي
النار تشتعلُ داخلِي،
تتأججُ في انتظارِ صفعةِ أمِي الحانيةِ
عند ضبطِي في أحضانِها
بينما تنهمكُ أمي في مراقبةِ الحزنِ
وتعيدُ طبخَه كلَ يومٍ في إناءٍ جديدٍ
لا أفهمُ الكبارَ
ولا أكلاتِهم المعقدةَ
لكنني أفهمُ جيدًا طعمَ الحزنِ
……………….
المساءُ فستانٌ ضيقٌ
ماذا لو فقدَتْ الحياةُ دائريتَها لحسابِ مكعبٍ؟
الآن أسيرُ فوقَ الدائرةِ؛
تشعرُ قدماي بسهولةِ الطريقِ
مساءُ أمسٍ
قصيدتي مشروعُ مناقشةٍ في ندوةٍ طيبةٍ
رئيسةُ لجنةِ المناقشةِ امرأةٌ “كرنفاليةٌ”
تختبئُ تحتَ طبقةٍ سميكةٍ من الأفكار الجاهزة
وهي مستريحةٌ على المقعدِ
تنظرُ إلى وتشيرُ بضحكةٍ صاخبةٍ
إلى حجمِ جمجمتِي الصغيرةِ
المتناسبةِ عكسيًا مع حجمِ جسدِي الممتلئِ
فـ(يضحكُ الجميعُ)
يومي طويلٌ
بدأَ منذ أربعةٍ وثلاثينَ عامًا ولم ينقضِ حتى الآنَ
لهذا أمتنعُ عن الضحكِ
أنصهرُ من الخجلِ وأتضاءلُ أمامَ إلحاحِها،
وهي تقولُ:
“تدعي،
تحاولُ ارتداءَ فستانٍ ضيقٍ
لا يناسبُ كتلَ الشحمِ المدلاةِ من أنحاءِ جسدِها”.
عزيزتي:
بمناسبةِ حفلِ زفافِ أخي رأيتُه أولَ مرةٍ
كقطعةِ خشبٍ طافيةٍ أُلْقِيَتْ في وجهِ غريقٍ
تشبثتْ به
هو جزءٌ أعرفُه منِي
وجبَ عليَّ ارتداؤه في الغدِ
أخي رفضَ بشدةٍ ارتدائي لثوبٍ ضيقٍ مثل هذا
يبرز جمالَ جسدٍ عشرينيِ فتيّ
فارتديتُ عباءةَ جدتِي في الحفلِ
وتركته في دولابِي وحيدًا
في عالمي
لم أكنْ فتاةً محببةً
“أنا ثرثارةٌ وأدعى المعرفةَ”، أخبرني الرصيفُ
اليومَ في تلكَ الندوةِ الطيبةِ
بعد مرورِ أربعةِ عشرَ عامًا
يجبُ ارتداءُ نفسِي كما هي
لا يدعي أحدٌ ما
أنه شخصٌ آخرُ لمدةِ يومٍ طويلٍ كهذا
عليّ الاقتناعِ بما لديّ
حتى لو كان يعلوه أطنانٌ من الشحومِ الزائدةِ
وجب القيامُ الآنَ والابتسامُ للجميعِ
الدمعةُ المحتجزةُ رغمًا عني تنفلتُ
لا بأسَ،
يمكنُكِ البكاءُ قليلًا
لكن لا يمكنُكِ خلعَه
****
ليلٌ وقصائدُ ساخنةٌ
كم أحببتُ شتاءَ العالمِ،
في طفولتي أتى كفتىً أسمرَ
لوحتْه شمسُ آبٍ
معبأٌ برائحةِ الأكلاتِ الحارةِ والتوابلِ
والألعابِ الناريةِ وقبلاتٍ مؤجلةٍ
وأحضانٍ لاهثةٍ تحتاجُ ذراعًا تتكئ عليها
هذا العامُ
وزني الزائدُ لا يسمحُ بالركضِ إليه
سأجلسُ في عليةِ بيتِي
أنتظرُ تحتَ غطاءِ العمرِ الباقِي
أتسلى ببعضِ الحزنِ
حتى ألمحَ في الباحةِ ظلَ الشيخِ القادمِ
أسنانُه تصطكُ ببردِ الوحدةِ
في انتظاري
يشعلُ في القبلاتِ النارَ لكي يتدفأَ
حتى الأحضانَ اللاهثةَ يذوبُها المللُ
وأنا من أعلي
أغزلُ ليلًا
أحشوه بألعابِنا القديمةِ
ألعابُ الحبِ والحاجةِ والقصائدِ الساخنةِ
أحملُ أحلامَ الغدِ
بنفسِ الكفِ الحاملةِ الآنَ لكفنِي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ديوان ضع يدك مرة أخيرة واكتشف، صدر عن دار شهرازاد للنشر والتوزيع، 2018 حاز على المركز الثاني بمسابقة المجلس الأعلى للثقافة، والمركز الأول بمسابقة التكعيبة