قصائد الصمت

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

للشاعر الفنلندي بو كاربيلان

ترجمة نزار سرطاوي

 

1.أشجار صامتة

هل ستمتد يَدٌ مجهولة وترفع القارّات

وتصيبُ الأغنيةُ الطائرَ بالشلل،

ويهجر المدّ الشواطئَ

أم يغسلها بضياء تدوم طويلاً؟

وأنا الذي أُشَكِّل الظِّل

الذي تلقيه روحي على الأشياء،

هل سأظل موجوداً في هذه القصيدة

أم  لن يقرأَني أحد؟

ها هو منتصفُ الليل يوشك أن يحلّ،

الأشجار تقف صامتة.

 

2.العشب الأبكم

القلب لا ينسجم مع حدوده،

ولا القصيدة مع الواقع،

ولا الواقع مع حلم الله.

أي نوع من الحوار ذاك الذي يُحوّلك

دون أن يحدُث أي تحوّل في ذاتك؟

لا تبحث بين العشب الأبكم، بل ابحث عن العشب الأبكم.

 

3.خلال المساء

النجوم تلمع من خلال المساء،

طائر يراقب ما يجري.

الأشجار تتحرك في عيون طفل،

الطائر يراقب ما يجري

إلى أن تصمت الرياح.

 

4.صباح، مساء

بارداً يستريح العشب،

إنه الصباح، المساء

في حياتك.

على مقربة من دروبك

يمضي اليوم الأخير

لعله مختبئ في أوراق الشجر

أو في تلك المدن الصامتة

حيث لا يسمع صراخك أحد.

 

5.نزهة خريفية

رجل يسير عبر الغابة

ذات يومٍ يتقلب فيه الضوء.

يقابل عدداً قليلاً من الناس،

يتوقف، يُقَلّب وجهَه متفكراً في السماء الخريفية.

هو ذا يتجه نحو المقبرة

ولا أحد يتبعه.

 

6.ثلوج آذار

الثلوج تحت الضياء المتراقصة لسماء آذار

تلقي فوق حياتك  بندفها الذي له نكهة التلاشي.

بالنسبة إليك فإنّ همهمة أيام الربيع قد أمست شيئاً من الماضي.

تصيخ السمع، كأنما قد ندت 

كلمةٌ عن الموت، عن القباب السماوية العالية

ولم يمسها الثلج.  

 

7.الصبي الذي كان يعدو  من خلال المياه الدافقة

الصبي الذي كان يعدو من خلال المياه الدافقة

اختفى في الجبل. لم يعد يصرخ أبداً.

لعلك ترى نفسك، لكن لا يمكنك أن تسمع صوته.

ولعلك أيضاً لا تستطيع أن تراه في ظلام الصيف.

أمه تناديه بصوتٍ عالٍ.

الزهور الآن تنتصب واقفة وقد أوهنها الصقيع.

إنها ثلوج الشتاء التي تتساقط على الجانب الآخر للجبل

وإنسان ينتظر أن تظهر صورته مطبوعةً في سفح الجبل.

إنها في ظل المشهد الذي لا يتغيّر أبداً

حيث تغني طيور الموت أغنيتها البهيجة

فتُذَكّرُنا بصوته.

 

8.السحابة الهائلة

السحابة الهائلة على شكل جناح

تنحدر رويداً رويداً أمام الشمس

مثل ورقةٍ حمراءَ كالدمِ تسقط من شجرة الموت.

وعلى سطح البحر ينساب طائر المساء،

يلامس وجه المياه بجناحيه،

فيتغير، كما لو لم تكن هناك أية حركة

ولا أيَّ شيء سوى الأغنيةِ المعجزة: الصمت.

 

9.خبّريني

خبّريني قبل أن ترحلي عني إليك

عن التعب الذي كابدتُه حتى في الليل

عن الدنيا التي لا تنام  أبداً، عن الخطوات

التي تمضي نحو نفس الهدف –

خبّريني قبل أن ترحلي

إن كان هناك شيء قد قيل أو لم يقل،

أنت يا من تعرفين كل شيء ولا تجيبين عن الأسئلة

وتتحركين فوق الحقول مثل طائر من طيور شعار النبالة

 

10.ليل طويل

ذات يوم حين يمسي الحد ما بين اليوم الذي مضى واليوم الذي سيأتي

تحوّلاً في الضوء لا يكاد يحس به أحد

وتنتصب الأشجار كالحرس خارج النافذة،

ذات مساءٍ حين تكون قد بلغت سِنّ النضج تتخللّك موجة باردة وتغسلك على مهل.

لا تعرف شيئاً عن تلك الظلمة التي حطت رحالها؛

إنه الربّ الذي يراقبك وينصرف في ضوء القمر،

وتكون الحياة التي تعيشها قصيرة بالقياس إلى هذا الليل

 

11.الشجرة الخضراء، البحر الأزرق

الشجرة الخضراء تحمل فوق الطفل

أذرعَها الهادئة

البحر الأزرق يخلد إلى الصمت، تختلط أنفاسه

بأنفاس الطفل.

كان هذا من سِنين. لاحظ

أنّ الشجرة، البحر يظلّان

الخضراء،

الأزرق.

 

12.طائر النورس

لا بد للمشهد الطبيعي أن يتحول،

أن يتحول القمر إلى دمٍ وسط سماءٍ سوداء

وأن تصبح أوراق الأشجار برونزية اللون.

فعيناكَ هما اللتان تتعذبان،

تموتان وتولدان من جديد في تلك الهاوية

التي تفصل عالمَك عن الدنيا.

تُلقي بنفسك فوقها مثل إنسان يائس.

حينما تسقطُ، فإن مشاهدك هذه

قد تُنتزَعُ من عينيك

وتكون أنتَ أنت ولا شيء معك سوى النورس في السماء السوداء

ومعه صوت الموت.

——————————

بو كاربيلان هو واحد من ابرز شعراء فنلندا في العصر الحديث. وهو أيضاً روائي وكاتب مسرحي وكاتب مقالات وناقد ومترجم. كتب باللغة السويدية التي هي اللغة الرسمية الثانية لفنلندا إلى جانب الفنلندية.

ولد كاربيلان في العاصمة الفنلندية هلسنكي في 25 تشرين الأول / أكتوبر عام 1926. تلقى تعليمه المدرسي في أقدم مدرسة في هلسنكي. بعد ذلك التحق بجامعة هلسنكي ودرس ألأدب وتخرج بدرجة الماجستير عام 1948. كما حصل على الدكتوراه في عام 1960. عمل من عام 1946 إلى عام 1980 موظفاً في مكتبة بلدية هلسنكي، ليصبح لاحقاً مساعداً لمديرها.

تأثر كاربيلان في بداياته بمدرسة الحداثة السويدية والوجودبة الفرنسية. فسادت في قصائده صور الظلام والحزن والسكون. لكنه فيما بعد التفت إلى الآداب الكلاسيكية الإغريقية والرومانية فكانت بالنسبة له مصدر إلهام كبير.

ظهرت مجموعته الشعرية الأولى في عام 1946. ومنذ ذلك الحين أصدر 14 ديواناً شعرياً.  وفي عام 1977 حصل على جائزة الأكاديمية السويدية لدول الشمال (اسكندنافيا)، التي تُعرف بجائزة “نوبل الصغرى.” كما نال جائزة فنلنديا مرتين (1993 و 2005). وفي عام 2006 حاز على الجائزة الأوروبية للأدب.

ترجمت أعماله إلى اللغات الإنجليزية، الفنلندية، الدانماركية، النرويجية، الألمانية، البولندية، السلوفاكية، والفرنسية وسواها.

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم