نجاة علي
البحارة
قاطعوا البحارة
فقتلاهم هنا كثيرون
ثم إنني كلما رفعت عيني
لأنظر إليهم
أبصرت آثار دمائي
على أطرف
أصابعهم.
لا تخبروهم أنني هنا
وأنني عبرت المحيط
لأجلهم فقط.
ولم أعد أفعل شيئا
سوى أن أكتب
أسماءهم على حائطي
ثم أمحوها.
لا أريدهم أن يعبثوا بروحي
يكفيني قلبي المتعب جدا
وأيامي التي صارت أثقل
من أحلامي.
البعيد
يقولون إنك لا تشبه أبي
في شيء
حتى أفتن بك
لكنني بك فُتنتُ
فلا تصوب عينيك
هكذا باتجاهي
كمدفعين يخترقان صدري
فلستُ نجاة الصغيرة
حتى ترسمني بشفتين
مثيرتين
وتعلق صورتي على حائطك
المتهاوي.
غرفُتك ضيقة فعلا
لن تتسع لظلي حين
أمده بالليل.
وحدي هنا أجمّع ما تبقى
من آثارك قرب نافذتي
التي أطلُ منها
على قلبي المهزوم أمامك.
كيف تجرؤ على النوم
وبيننا محيط مشتعل
بشوقي إليك
وحدي هنا أكلم
صورتَك
علها تخبرك بمتاهتي.
وبأن الكأس الخامس
هو من أوهمني سهولة
الوصول لجسرك!!
لكن “بروكلين” هذا بعيد
جدا
أريد فقط أن تراني
حين ألوّح
لك من فوقه
بيدي المرتعشة
لتعرف أيها المجنون
كم أحبك.
هيلين
لماذا لا أكرهك يا هيلين؟!
أو أدوس على ظلّك
ثم أمثّل بجثتك في أحلامي
كما ينبغي لغريمة شرسة
مثلي
كنت على الأقل
سأكتب القصيدة
وأنا هادئة.
لابد أنك نائمة الآن
في حضنه
أسمع صوتك تتأوهين
يا هيلين
على مقربة من رسائله الساخنة لي
عبر حائط اليكتروني بارد.
لماذا إذن ينتفض جسدي
بشدة
أمام دموعك الحارقة
كأنها شوكة مغروزة
في جلدي
هل صحيح أنني حين أنظر
إلى المرآة
سأراك؟
هكذا أخبرني حبيبي ذات مرة
لكن عيوني ليست زرقاء
والمسافة بين الشعر والهندسة
ليست هينة على ما يبدو.
فهل سأظل وحدي
هنا
في الطريق بين القاهرة
وواشنطن
بخيال تائه
أرسم صورتك ثم أمحوها
كتلميذ خائب!!!
بنيامين
هجر اسمه لئلا يعرف
هويته أحد
وفّرّ من بلد إلى بلد
ليغلق وراءه
كل أبواب الحنين
لكن لماذا بلاد الله الواسعة
صارت ضيقة عليه؟
لا يصحو فيها
إلا على كوابيس تؤرقه
وأصوات تذكره بجرائم أبيه
وإخوته
ودم لا يجف على الوسائد
وصورة حبيبته وهي تسخر
من حيرته .
لماذا يخاصمه الله
بكل قسوة.
أربعون عاما
من الشتات والحيرة
وهو تائه في صحراء الله
ولم تعد الأشياء
الآن حوله
سوى محض استعارات
ميتة.
شارع عيون الحرية
هنا البيت وليس ميدان التحرير
وغرفة نومي لم تكن يومًا
شارع محمد محمود
من أين يأتي الغاز إذن ؟
ومن سمح لقناصة العيون
أن تعتلي النوافذ
ومن قال للجنود أنْ يعبروا
– هكذا- بحرية
بالقرب من سريري
منتشين برائحة الموت
وبالفرجة على جثث مكومة
قرب صنايق القمامة.
لكنني هنا .. أقف وحدي
على بعد سنتيمترات
من الرعب
أجمّع ملامح الأطفال
بزيهم المدرسي
وهم يسقطون بخفة
قرب قدمي
فأكتفي- فقط – برسمهم على
الحوائط
-وهم مبتسمون نصف ابتسامة-
وأظل أراقب الهاربين من الحياة
منتظرة عودة صديقتي الوحيدة
من قصر الدوبارة
لأسألها من أين يأتي
كل هذا الغاز؟
وهل شاهدتْ صدري المثقوب
منذ ثلاثة أعوام
وكأنني عدت لتوي من الحرب!!