قراءة في ديوان (صورةٍ جماعيةٍ لي وحدي)

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

الإهداء:

"إليَّ .

إلي جميعي وأنا أجرجر كل موتاي خلفي، هذا الذي في اليمين أنا، وهذه التي على اليسار أنا  وتلك التي تغادر طرف الصورة أنا، وأنا الذي يلتقط الصورة وهذا الذي يقرفص في أقصى تابوته من البرد.

وهذا الذي يمسك ظلي من عنقه ليغرقه في الماء .. أنا" 

هكذا ابتدأ إبراهيم جابر إبراهيم ديوانه “صورة جماعية لي وحدي “

إبراهيم جابر إبراهيم هو صحفي وقاصّ وكاتب مسرحي، فلسطيني أردني. ولد عام 1966

هذا الديوان صادر عن مجلة دبي الثقافية في عدد إبريل 2015 ، جذبني اسمه فقمت بشراء العدد بمحض الصدفة.

الديوان قصائد نثرية، لازلت أعتقد – دون أي تحيُّز –  أن قصيدة النثر أشد صعوبة في فهمها واستساغتها عن الشعرية ، بل هي أكثر بؤسًا ، ربَّما الشعرية أكثر صعوبة في الصياغة ربما المرادفات أحياناً،  لكن النثرية أكثر تعقيدًا، أكثر رمزية، رغم أنني لم أحبها في بداية قراءاتي لها إلا أنني الآن أفضلها كثيرًا .

.

الديوان مقسَّم كحالاتِ ، وكلٍ حالةٍ تحوي قصائد مختلفة، في أول حالةٍ  “وحشة ”

يقول إبراهيم : “باب ..

أنتَ لم تعد تراني، ليس لأن بيننا باب

صار بيننا باب لأنك لا تراني”

قال لي أحدهم يومًا ما أنه لا يجب دومًا أن تكون المرادفات سخيةً أو بلغةٍ عاليةٍ جدًا  كي يكون المعنى عميق، أحياناً تكون الكلمات بسيطة لكن صياغتها في الجملة يعطيها معنىً أكثر عمقًا من غيرها، واعتقد أن هذا يبدو جليًا جدًا في هذا الديوان .

.

هذا الديوان وحيد، يؤنسك ليلًا ويربَّت على كتفك وقد يشاركك البُكاء ، تلقَّى الكثير من الصفعات ، وحيد حتى في وحدته ، يحدُّق في الشرفات ، ينتظر دومًا ما لا يأتِ .

.

يقول إبراهيم أيضًا :

” أخرجُ في الخامسةِ فجرًا

إلى محطاتِ الحافلات

أختارُ مسافرًا وسيمًا

ثم أودَّعه بحرارةٍ

أعود للبيتِ .. وأنتظره”.

هذا الديوان ينسج قصصًا ويعيش بها ، يخلق أشخاصًا يتعلق بهم ثم يبكي لفراقهم ، يعيش فيما لا يحدث أبداً ، في خانةٍ الأمنيات المُعلقة ، حتى أن  المصباح الذي  في قلبه توقَّف النور عنه .

هذا الديوان يكتب عن غائبين، ديوان فُقِد وافتقد، غاب وتُغيَّب عنه، سافر كثيرًا ولم يصل، يسير دون حِراك.

.

في حالةِ “أنفاس متقطعة” وهو جزء مميز بالنسبةِ لي، أشبهِ بلوحةٍ فنيةٍ خالصة وهو نص نثري واحد أخَّاذ، جميل التصوير ورائع الوصف، إنه المثال المثالي لنصِ أدبيْ، كتِب على لسانِ إمرأة وهذا شيء يُحسب للشاعر أنه أجاد وصفه وروعة إحساسه .

.

في حالةِ  “خوف” يقول إبراهيم :

“خائف لأن شيئًا ما يتربص بي”

“الهدوء المفتعل يحدق بي ، ولا يطمئنني ، لا أثق بهذا السلم ولا أصدق أن الصوفا الزرقاء بلا ذيل “

هذا الديوان يخاف الظلام ، لكن رغم ذلك يعيش به ، يحاول الخروج إلى النور لكن الشمس تؤذي عيْنيه ، يتمنى لو أن بوسعه أن يَرى أو أن يُرى .

.

في حالة  ” طعام يكفي عاشقين “

انتظار

يقول :

“هكذا أطرد الوحشة كل يوم ، فأنا لستُ وحيدًا ، إنما لسبب ما أجلس وحدي “

ربمّا لأنه اختار الوحدة ثم اختارته هي ، ربمَّا لأنهما أصبحها شقيَّن لا غِنى لهما عن بعضهما مهما ودَّ في أن يفارق شِقه الآخر .

.

في حالةِ رسالةِ في الحرب

يقول :

” أنا بخير ولكني ،

أتفقد الندوب التي علي وجهي كل يوم

فلا أجدها “

هذا الديوان حارب كثيرًا ، ولم ينتصر ، لكنه لازال يحاول أن يحرز نصرًا ما .

.

في حالة

أسباب رائحة البيت

رائحة العائلة “

يقول :

” لكل الأولاد اليتيمين الرائحة نفسها ، بكاء طري دائمًا يسيل من أسمائهم ”

هذا ديوان يتيم ،  لا يدري من أبويهِ ، أو يدري من هم لكنه لا يتذكرهم ، يُحدق في الصور محاولًا استجداء عطفٍ ما شعور ما ..

أو يتذكرهم فتؤلمه الذكرى وينتحب اليُتم على شفتيه .

.

هذا الديوان بائس ، ربمَّا هذا هو سر جاذبيته وجماله .

 

مقالات من نفس القسم