قراءة في “الحب لا يغادر البلاد” للمغيرة الهويدي
أحمد شاكر
الوجه/ الوجوه:
ما الذي يلح علينا بالظهور ونحن في حالة الوحدة، أو ما الذي يمكن أن نراه في وحدتنا، مغلقين علينا الأبواب؟ ما نفتقده. من نفتقدهم. الوجوه الغائبة، والمفتقدة، والمنتظر لقاءها. (اتخيل وجها منعزلا، محاصرا بوجوه، تحدق فيه، ويحدق فيها).. أو نسمع أصداء وأصواتا، تهتف بنا. أصداء الغائبين وأصواتهم. وهذا لا يخلو ايضا من استحضار للوجوه.
في وحدتك، تصبح أنت، أنت. وجه كامل، وكيان ملتأم. في الوحدة تحقيق، ووجود للذات، في وجود واستدعاء الوجوه الأخرى، وبالمثل إذا كنت، مستدعيا للآخرين، فأنا أيضا حاضر ومستدعى لدى الآخر. وبصورة الاستداعاء تلك (استحضار الوجوه)، يجد الواحد ذاته، ويجد الآخر ذاته أيضا. وتتحق الوحدة..
أما في مشاركة الحياة مع الآخرين؛ في الزحام، في الشارع، في الشغل، في الباصات، ونتيجة للتسلط والقمع تصبح غيرك، وتضيع فرادتك، وتمحى ملامحك. لكن، كيف لنا أن نتخلى عن الرغبة، في الحياة مع الآخرين. فتلك الرغبة، هي التي تجعلنا، في وحدتنا، لا نكف أبدا عن استحضار الوجوه، أو على الأقل مراقبة الصخب من باب موصد..
إذا، نحن أمام حالتين متقابلتين: الوحدة، واللاوحدة. في الوحدة نحتفظ بملامحنا، نتأملها: (يمكننا أن نستحضر هنا المرآة)، فالتأمل في الوجه يكون غالبا من خلالها، أو أحيانا، من خلال الصورة؛ تحديدا الفوتوغرافية، أو من خلال استدعاء الآخر وحضوره، وفي اللاوحدة، تضيع تلك الملامح، أو تنمحي وسط سيلان الوجوه، وتنوعها، وتكرارها، وبفعل التسلط والقمع. ولا نفكر إلا في الخلاص منها..
إن مجرد مشاركتنا الآخرين، زحام الحياة، ضياع. ضياع لوجوهنا. وفرادتنا. وفقدان للوجه الذي هو لنا، حتى لو كانت تلك المشاركة، ابتسامة. نقرأ مع المغيرة نصه، المعنون بـ (ما زال ضائعا): وجهي ضاع في ازدحام المقهى/ "أظن"/ كان معي عندما ابتسمت به للنادلة../ أيعقل أنها توهمته منديلا على هامش الطاولة فحملته مع منفضة السجائر إلى سلة المهملات؟! لست أذكر/ لكنني عندما عدت إلى البيت انشغلت بالوحدة طويلا../ نمت/ استيقظ كلي/ وجهي الذي لم يكن في المرآة ضاع../ وجهي الذي كان في المقهى رحل!
معروف، أن الولع بالمرآة أدبي وأسطوري. من المعلوم أن هناك انجذابا نحوها ونفورا منها في آن، التحقق من وجود الذات والخوف من فقدانها، فقد يتعرض المرء للغرق في صورته، وقد يحدث أن لا تعكس المرآة وجهه. الصورة الغائبة في هذه الحالة تعادل الموت، ذلك ما تعرضه بصفة جلية قصة "لو هورلا" لموباسان، وهو كاتب لا تخلو رواياته وقصصه من سحر المرآة، سواء تعلق الأمر بأزمة نفسية أم بتدرج في السلم الاجتماعي، فالانتقال من وضع إلى آخر يصاحبه عنده نظر في المرآة، أو وصف مكان يتضمنها، أو اشارة إليها. ترتبط المرآة أيضا بموضوع القرين أو النظير، كأن تلتقي بشخص يشبهك في ملامحه أو يتقاسم معك اسمك.. وفي الأفلام البوليسية، ما أن يصور شخص أمام مرآة إلا ويتوقع المشاهد خطرا ما يحدق به ويتهدده.. (1)
كيف عرف، صاحب الوجه أنه فقد وجهه؟ المرآة، من النظر فيها: (وجهي الذي لم يكن بالمرآة ضاع..). وهو، تقريبا، ما حصل لبطل قصة (لو هورلا)، لـ غي دو موباسان. و (لو هورلا) كائن خفي غريب يلازم، ويهدد، ويعكر صفو حياة بطل موباسان، الذي قرر (حين رآه)، أن يمسك به ويقتله. وبعد أن نصب له كمينا في غرفته بواسطة مرآتين يستخدمهما في الحلاقة وارتداء الملابس، وتأكد من وجوده خلفه، يراقبه هو الآخر، ويقرأ ما يكتبه، اعتدل ليفجأه، فلم يجد نفسه/ صورته في المرآة. كانت خاوية تماما من أي انعكاس، لا يرى فيها سوى الزجاج الشفاف، من أعلاه إلى أسفله. لقد التهم (لو هورلا) بجسده، صورته. ذعر بطل موباسان من فقدانه صورته. لكن فجأة من خلال ضباب بدا في عمق المرآة أخذت صورته تتضح، لكن الرعب الذي تملكه، لم يفارقه.. لذا، سيدبر مكيدة أخرى ليتخلص منه، لكنه لن ينجح، مقررا: لا بد لي أنا إذن من الانتحار..
في نص المغيرة، لا وجود صراحة لمن يمثل دور (لو هورلا)، وإن كان موجودا، ولا وجود للرعب المتمثل في فقدان الوجه، الذي عاشه بطل موباسان. وكأنه (هنا) يتكلم عن شبح يتنقل بين البيت والمقهى، يروح بوجه، ويعود بدونه، كمن يمشي بقفاه، مثلا. أو ربما هو التعود، على الفقد. فقوله "أظن"، كان معي عندما ابتسمت به للنادلة، يعني أنه لا يتذكر على وجه التحديد آخر مرة استخدمه، وكأنه غرض عادي. لكنه على يقين بضياعه في ازدحام المقهى. لذا فهو يخمن أن النادلة توهمته منديلا على هامش الطاولة فحملته مع منفضة السجائر إلى سلة المهملات!! فالوجه الذي اختلط في الزحام متخليا عن وحدته، صار وجها مستعملا، كمنديل مستعمل بلا قيمة، ملقى على هامش الطاولة، ليس له مكان آخر، إلا سلة المهملات.
لكن لماذا المنديل؟ ما هو الرابط بين الوجه والمنديل، ليلتبس الأمر على النادلة، أو يجعله يظن أنها توهمته منديلا؟ للمنديل علاقة (ظاهرة) بالوجه، أو وثيقة الصلة به. فهو يكثر استخدامه، لكفكفة الدموع، ولتجفيف العرق، ولحمل البصاق أو المخاط، أو يمكننا القول إجمالا، هو (لإفرازات الوجه المختلفة). إنه يلتقي، بملامح الوجه كلها، ويتحسسها؛ يأخذ منها ما تفيض به، أو تطرده: العين، الجبهة، الوجه، الفم، الأنف..
إذا الوجه المستعمل (من أثر الزحام)، منديل مستعمل، بلا قيمة؛ ليس له سوى سلة المهملات. (هل لنا أن نتخيل سلة مهملات مليئة بالوجوه المستعملة/ المناديل؟! هل لنا أن نتخيل أيضا النادلة وهي تجمع الوجوه المستعملة/ المناديل المهملة من فوق الطاولات، وتلقي بها في سلة؟! هل لنا أن نقول بأن النادلة، هي (لو هورلا) النص هنا. هي التي يظن بها السوء. أو هي (على حسب ما يتذكر فاقد وجهه) آخر من رأته، قبل فقده: (أظن، كان معي عندما ابتسمت به للنادلة).
في البيت، أو عند وصوله للبيت: انشغل بالوحدة. وربما انشغل باستحضار الوجوه المفقودة، أو المنسية والغائبة، وربما بالمهملة، الملقاة هي الأخرى في سلة مهملات، بمقهى لا يعرف عنه شيئا، ونام. ثم لما استيقظ، اكتشف الأمر: فقدانه وجهه. لم يصبه ذعر (كبطل موباسان)، أو خوف موته (فقدان الوجه موت)، وتعامل مع الأمر، وكأن الأمر عاديا للغاية. وكأنه فقد منديلا مستعملا، أو علبة سجائره، أو قداحة، لا وجها يمثل وجوده. ثم هو يمارس حياته، بطريقة عادية، لا مبالية، معلنا: (ما زال ضائعا)؛ العنوان..
لنتخيل شيئا آخر، لم يقله النص هنا، لقد (وعلى غرار بطل موباسان) أصابه الذعر. نظر في المرآة فلم يجد وجهه. حاول التذكر: أظن، كان معي عندما ابتسمت به للنادلة، وغادر بيته، وهو يهرول إلى المقهى. لم يسأل عن النادلة. يخاف أن يظن به الجنون. كانت وجهته سلة المهملات، القريبة من طاولته. قلبها، كانت عن آخرها مليئة بوجوه أخرى مستعملة؛ وجوه مطوية، أو مدعوكة. فأخذ يتفحصها، وجها وجها: هذه ليست ملامحي. وهذه أيضا. هذه قريبة منها. قد تكون هي. سأعود إليها لاحقا. هذه لإمرأة كانت تصبغ وجهها بألوان غريبة. وهذه لرجل مصاب بالبرد. هذه لآخر كان يأكل بيتزا.. وهذه لرجل كثير البصاق. أين وجهي (صرخ في المقهى)؟ لم يأته رد. أخذ الآخرون يتحسسون وجوههم المفقودة (فتحسس وجهك، فتحسس). قاموا جميعا إلى سلات المهملات يفتشون عن وجوههم الضائعة. كانت النادلة (لو هورلا)، تراقب من بعيد. توارت. كيف لها أن تدل كل فاقد وجهه على مكان وجهه. أو كيف لها أن تؤكد لكل واحد، إن كان هذا الوجه له، أم لا؟ لقد اختلطت عليها الوجوه. إنها لا تملك أن تحفظ كل تلك الفروق والاختلافات بذاكرتها. فهي تلقي في اليوم الواحد عشرات الوجوه، ولا يعود أحد لها ليسأل عن وجهه/ منديله. لكن.. كان لصاحب المقهى رأي آخر، (ظاهريا هو رأيه لكنه في الحقيقة بإيعاز من النادلة/ لو هورلا) أو يمكننا أن نقول: تفكير عملي يبعده عن دائرة الاتهام، ليحافظ على رواد مقهاه. ومقهاه ذاته من أن يحرق بالنادلة (كما فعل بطل موباسان مع لو هورلا في محاولة للتخلص منه، حيث أحرق به البيت..)، لقد طلب من الجميع الهدوء، لحين تفريغ كاميرات المراقبة، عندها، سيعرف كل فاقد وجه وجهه الحقيقي الذي كان له، وإن كان قد دخل المقهى وهو يحمل وجهه من الأساس أم أنه كان قد فقده من قبل. في الزحام..
لكن: ماذا لو عاش الناس بلا وجوه؟ لا أعرف، لكني أشعر بالتسلية وأنا أفكر في الأمر، وأيضا، وأنا أطرح هذا السؤال.
في نص آخر، يقول: كل صباح أتفقدني/ ربما ضاع في أرق البارحة شيء مني/ وجهي/ أصابعي/ صحوي في الجهات/ كل صباح أقترف حضوري هنا/ أراجع نفسي/ وأطمئن إلى أنني ما عدت هناك!
إنه مشغول بفقدان نفسه. نسيانها أو ضياعها. أو حتى شيء منه: وجهي/ أصابعي/ صحوي في الجهات. أيضا الخوف من فقدان الوجه/ الذات حاضر هنا..
لا يخشى من فقد للذات بتلك الصورة، أو لا يحمل هما كهذا، إلا في الحرب، او في الغربة، أو في المدن الكبيرة. طبعا نحن، لا نفكر في الاقتراب من تحليل نفسي، للنص، كما فعل من قبل مع موباسان، لما نشر نصه (لو هورلا). وكما توقع هو. حيث ربط بين جنونه/ انهياره العقلي وتلك القصة..
الوجه/ المزاج:
في نص آخر، عنوانه: (وجوه)، يعامل الوجه، كما تعامل الملابس؛ يرتدى كما ترتدى: وعندما أستيقظ أحار أي وجه ارتدي/ وفي النهاية أرتديه حزينا كيفما اتفق/ وأمضي إلى الحياة بقلب لا يرى/ وبصوت يستعير الإصغاء ليثرثر/ وبكفين كمدفأتين/ أوقد حطبهما في كل فجر كي أصافح امرأة/ والمصيبة أنني في كل وجه عابر أصافح كف امرأة!
ارتداء الوجه هنا يتحكم فيه مزاج يشبه مزاجنا المتحكم فينا، أمام دولاب الملابس. يمسك الواحد قميصا، ويتركه، ويمسك آخر ليلبسه. ويضع عليه رابطة العنق التي تليق. وهو ينظر لرابطة عنق أخرى قد تكون أليق. هكذا يكون التعامل مع الوجوه المتعددة. وفي النهاية لا يليق سوى الحزن. برابطة قلبه الذي لايرى، وبمشتملاته الأخرى: الصوت والكفين المدفأتين..
الوجه/ العمر:
الوجه عمر، او تحديد له. كل عام يطبع وجها. أو طبقة، (لا أريد أن أقول قناع)، شيء يماثل تلك الحلقات الثانوية التي تعرف في سيقان النباتات المعمرة: كل حلقة تؤشر إلى سنة: يا وجه أمي اقترب/ يا وجه أمي في البعيد/ أو../ قربي "ملفعك" لأمسح الثلاثين وجها/ وأعود إليك طفلا من جديد/ مديه إلي...
هنا نلحظ ما يعرف، بمرحلة المرآة لـ لاكان، وجه الأم، مرآة. عينها، البؤبؤ، يعكس صورة الطفل. لكنه لما أدرك استحالة أن تقترب، أو يعود إليها، أو تعود إليه طفولته، قال: أو.. قربي ملفعك لأمسح الثلاثين وجها، علها تفلح في رده إليها طفلا.
الوجه بين الترتيب والإلغاء:
يأخذ الوجه، لدى المغيرة، أوضاعا مختلفة، فهو: ضائع، و مشتهى. قاس، و بارد. مخمشا، و منحسرا. قريبا، و بعيدا. رماديا، وترابيا. قابل للترتيب وقابل للمحو وقابل للإلغاء أيضا..
ولأنه، يخضع للمزاج: يلبس ويطرح، كما الملابس تماما، ويمسح، بملفعة الأم، ليعود وجه ابن الثلاثين، طفلا، فلا مانع إذا من ترتيبه، أو اعادة ترتيبه في الصباح، أو حتى إلغاءه/ حذفه، يقول: أنهض من نومي، أغسل سريري، أرتب أسناني، أشرب الجريدة، أقرأ قهوتي، أرتدي حقيبتي، أحمل ثيابي، أنظر إلى الجدار، أغلق ساعتي وأدخل إلى الشارع، ابتسم في وجه السيارة، افتح وجه جاري، أشعل الشاخصة، أنظر إلى سيجارتي، أرتب وجهك، أتذكر مواعيدي.. الغي وجهك، وأوغل في تذكر مواعيدي!
تورد هيرتا موللر، في خاتمة كتابها (اسقاطات) نصا عنوانه (يوم العمل)، يشبهه من قريب نص المغيرة، سننقله هنا، مبررين ذلك، بأن، النصوص في وحدتها، تستدعي بعضها البعض، كما الوجوه تماما، تقول موللر:
الساعة.. الخامسة والنصف صباحا. يرن المنبه.. أستيقظ فأخلع ثوبي، وأضعه على الوسادة، وأرتدي بجامتي، وأذهب إلى المطبخ، وأدخل في حوض الاستحمام، وأتناول المنشفة، فأغسل بها وجهي، وأتناول المشط، فأجفف نفسي به، وأتناول فرشاة الأسنان، فأمشط شعري بها، وأتناول ليفة الحمام، فأنظف بها أسناني. ثم اذهب إلى الحمام، فآكل شريحة من الشاي وأشرب كوبا من الخبز. وأضع عني ساعة اليد والخواتم. وأخلع حذائي. وأذهب إلى بيت الدرج، ثم أفتح باب الشقة. وأنتقل بالمصعد من الطابق الخامس إلى الطابق الأول. ثم اصعد تسع درجات لأصير على الشارع. وفي البقالة أشتري جريدة، ثم اسير حتى الموقف واشتري كعكا هلاليا، ثم وقد بلغت كشك الجرائد أركب الترام. فأترجل في الموقف الثالث قبل الركوب. وأرد التحية على البواب، ثم يحيي البواب مردفا: إنه يوم الاثنين من جديد، وها قد انقضى من جديد أسبوع آخر. وأدخل المكتب، فأقول إلى اللقاء، وأعلق معطفي على المكتب، وأجلس على علاقة الثياب لأشرع بالعمل. وأعمل ثماني ساعات. (2)
الوجه/ الجسد:
لا يذكر الوجه في حضور الجسد. لا يجتمعان. يغيب الجسد الوجه خلفه؛ يقصيه. ففي النصوص المعنونة بـ: في مديح جسدها، لا يذكر الوجه أبدا. وكأن القرب الشديد يعمي؛ يميت التخيل. فلا حاجة للتأمل بوجه المحبوب، طالما الوجه بالوجه، ملتصق. (أحيانا يكون النظر في الوجه الآخر، توكيدا فقط على حقيقة الواقع، نفيا للوهم). هنا الجسد يلتهم، ينهل منه. دفئه هو المراد. حديقة مشتهاة. تفاصيله هي الأهم: الشامة في الساق اليمنى، خلخالها، عبيرها، الضحكة الممطرة..
وجه درويش:
في القلب من تلك النصوص، نرى الـ (درويش) حاضرا. اقصد شاعر فلسطين الاشهر محمود درويش. وكأن المغيرة كان يكتب في ظله؛ تحت سمعه وبصره، تلك الهبات الحارة والدافئة، التي تحملنا إليه: جمع خيول أنا/ للحرب/ للحب/ ولي من اسمي كل النصيب "المغيرة"! (3)، وهذه: هل فكرت بغدك عندما تستيقظ بعد عشرة أعوام متأخرا عن عملك (4)، وينهي متن الغياب بقوله: في الغياب/ تحط البلاد/ تطير البلاد (5)، وعلى هامش المقبرة، كأنه يقول: فكر بغيرك: هل فكرت وأنت تسدد فاتورة الرعب كيف تقابل وجه أمك في الصباح؟ (6)، ويفتتح فزاعة الرعب، معلنا: أنا سيد الحقل الوحيد/ وهذه الأرض لي/ احتمالات السماء لي/ الغيم/ بيادر الحقل لي/ طاغية الحقل أنا (7) وبينما هو على وشك الختام، في الورقة التاسعة من أوراق مواطن مفقود، يشهر في وجه الحرب تصريحا على قدر عال من الأهمية: علي أن أحيا كما أريد (8).
ولا غرابة في ذلك، فالشعر واحد والألم عظيم. ودرويش والمغيرة، يشتركان معا في، وطن مستلب، تطحنه حرب لم تترك فيه حجر على حجر، ووجوه ضائعة، ومفتقدة، وأم حبيبة بعيدة، لا ترى إلا في القوافي والصور..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): كيليطو، مسار. الطبعة الأولى 2014، دار توبقال للنشر- المغرب
(2): هيرتا موللر، اسقاطات. ت: أكاد محمد حسن، الطبعة الأولى 1433هـ 2012 م (مشروع كلمة)- أبوظبي، الاماراتالعربية المتحدة.
(3): وهذا الاسم لي (جدارية محمود درويش)، الطبعة الثالثة، يناير 2009م- رياض الريس للكتب والنشر، بيروت- لبنان.
(4)، (6): فكر بغيرك (كزهر اللوز أو أبعد)، الأعمال الجديدة الكاملة، الطبعة الأولى، يناير 2009م- رياض الريس للكتب والنشر، بيروت- لبنان.
(5): يطير الحمام، يحط الحمام، (حصار لمدائح البحر)، الأعمال الأولى، الطبعة الأولى، يونيو 2005م- رياض الريس للكتب والنشر، بيروت- لبنان
(7): (هذا البحر لي/ هذا الهواء الرطب لي/ هذا الرصيف وما عليه/ من خطاي وسائلي المنوي../ لي/ ومحطة الباص القديمة لي)، (جدارية محمود درويش)، الطبعة الثالثة، يناير 2009م- رياض الريس للكتب والنشر، بيروت- لبنان.
(8): (ربما/ ما زلت حيا في مكان ما، وأعرف/ ما أريد../ سأصير يوما ما أريد)، (جدارية محمود درويش)، الطبعة الثالثة، يناير 2009م- رياض الريس للكتب والنشر، بيروت- لبنان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاص وناقد مصري