سماح حسن
-ذات ليلة وقفت بمحاذاة مكتبتي تلك لأمر سريعا علي عناوين الكتب فأنتقي منها كتابا أبدأ معه رحلة من المعرفة إلي أن وقع الإختيار علي (رواية الحب والصمت) وبدأت الرحلة ،لم يصادفني ذاك العنوان من قبل ثار بداخلي الفضول من تكون عنايات الزيات؟ لتبدأ رحلة البحث
“هناك فضول يتلبسنا عندما يكون الكاتب مجهولا مقطوعا من شجرة،لا نبذة عن تاريخ الولادة أو الموت لا معلومة عن جيل أو أصدقاء أو شلة أو أباء وأمهات في الكتابة.الكتاب أفراد مستقلون أي نعم ولكنهم يعملون في لغة يعمل فيها أخرون،من المستحيل أن نتخيل الكتابة بمعزل عن تقاطعات النصوص مع بعضها.لمن كانت تقرأ عنايات؟وهل كان مصطفي محمود من كتابها المفضلين؟هل تعرفت علي أي من كتاب لحظتها التاريخية أم كانت علي هامش اللحظة الأدبية التي شكلتهم؟
– أن تخرج خارج حدود الزمان والمكان وتحلق بعيدا تتبع أثر شخص غادر الحياة فتتساءل كيف كانت نشأته من هم أشخاصه المقربين
ما الذي دفع ذاك الإنسان للرحيل بهذه الصورة وبتلك الطريقة
تلك ما فعلته بنا إيمان مرسال وهي تتبع أثر عنايات الزيات.
-لم أرغب في إنهاء قراءة الحب والصمت سريعا استغرق الأمر خمس جلسات قراءة مكثفة وقت أن أتممت قراءة الحب والصمت شعرت وكأن الرحلة لم تكتمل بعد،وددت التعرف أكثر علي الكاتبة عنايات الزيات إلي أن تذكرت كتاب(في أثر عنايات الزيات،للشاعرة/إيمان مرسال) وجدير بالذكر أنني قمت بشراء العملين سويا دونما تخطيط مسبق.
-وأنا بصدد البحث والتنقيب وجدت أن العمل الأدبي(الحب والصمت) تحول إلي عمل سينمائي تعجبت للحظات ثم بدأت بإستخدام محرك البحث جوجل للبحث عن الفيلم الذي يحمل نفس عنوان الرواية فثار بداخلي دهشة فقد وجدت أنني شاهدت هذا العمل من قبل مرة واحدة وأذكر أنه كان فيلما أقل من العادي ولم أكن أعلم وقتها أنه مأخوذ عن عمل روائي.
-تفتح الشاعرة إيمان مرسال الجرح وتجعلنا نتساءل لماذا ظلت الحب والصمت خارج قوائم التأريخ للرواية العربية وكتابة المرأة العربية؟
هل لأنها صدرت بعد الباب المفتوح بسبع سنوات فلم يلتفت القاريء لتميزها أم لأنها صدرت عام 1967 م عام الهزيمة فلم تجد قاريء! ثم لماذا كتب مصطفي محمود مقدمة الحب والصمت “هل طلبت الكاتبة منه ذلك قبل أن تموت أم أن الإختيار هذا وقع من قبل دار النشر لتقديم هذا العمل!
-ما إن بدأت في قراءة العمل (في أثر عنايات الزيات) حتي شعرت أنني وجدت ضالتي وجدت تلابيب الخيط الذي من شأنه إيصالي لغايتي حيث أنه لا يمكنك أن تقرأ الحب والصمت بمنأي عن كتاب (في أثر عنايات الزيات) ستكتشف أن هنالك حلقة مفقودة تكتمل بهذا العمل…
-عكفت علي القراءة وأحضرت الأوراق والأقلام وكأنني بصدد الإقدام علي بحث/إكتشاف أدبي فأحيانا تقودنا الصدف إلي ما لم نكن نعلم،صدفة صغيرة قد تصنع حدثا بأكمله ربما كان هذا هو السبب وراء بزوغ هذا العمل الروائي وإستقراره بين أيدينا الأن.
بداية الرحلة والمصادفة التي خلقت رحلة البحث
-بينما تبدأ إيمان مرسال رحلة البحث عن كتاب(كرامات الأولياء للنبهاني) لتعثر بالصدفة البحتة علي رواية الحب والصمت فتبدأ رحلة البحث حيث تقول إيمان مرسال في هذا الصدد “وقعت في يدى رواية الحب والصمت بينما كنت أبحث عن نسخة رخيصة الثمن من كتاب “كرامات الأولياء للنبهاني” قال بائع سور الأزبكية “بجنيه” اشتريتها علي الفور رغم أني لم أسمع بها من قبل ولتشابه الأسماء تصورت أن الكاتبة لابد أنها أخت لطيفة الزيات الصغري.
فكرة الأرشيف
-جاءت لفظة “أرشيف” بصيغتين فعل وإسم،كلمة الأرشيف مشتقة من الكلمة الإغريقية “أرخيون/أرشيون” التي تتصل بدائرة من الدوائر وفي الأصل كانت تطلق علي سجلات الحكومة ووثائقها.
-الأرشيف: هو عمل الحضارة،رغبة في الحفاظ علي التجاور والتعدد والتناقضات بإعتبارها معا ذاكرة جمعية لكنه أيضا لا يمكن أن يكون إلا إنعكاسا لوعي ثقافة ما بذاكرتها،في لحظات الإنحطاط العابرة تتضاءل أهمية الذاكرة ويأتي خبير ليقيم ما هو مهم وما هو تافه من موقعه في هذه اللحظة المنحطة.
غياب الرواية عن كل تأريخ للرواية العربية في القرن العشرين
-عشرات من القصص والروايات منذ منتصف القرن التاسع عشر بعضها إنتهت قيمته الأدبية بإاتهاء الوظيفة الإجتماعية/السياسية التي أنتج من أجلها،بعضها تذكر أهميته في قوائم تؤرخ لما كتبته النساء منذ بداية النهضة حيث لم يعد يقرؤه إلا الأكاديميون أثناء إعداد دراساتهم،بعضها عاش علي خجل في هوامش المتن الأدبي والقليل منها ما زال مقروءا بقوة ومؤثرا.
-عامل هام أيضا ربما ساهم بقوة في غياب رواية الحب والصمت عن المشهد الأدبي وهو: وجود بعض الأعمال الأخري التي تصدرت المشهد وقتها علي سبيل المثال رواية لطيفة الزيات( الباب المفتوح) التي قامت بدور ما وصفه “إدوارد سعيد” (بالأثر الحاسم) الذي يتركه الكتاب الأفراد علي الأرشيف الجمعى،الأرشيف الذي يظل فيما عدا ذلك مجهول الهوية أدي ذلك إلي هامشية عنايات في الأرشيف المؤسسى.
الفرق بين تتبع الأثر وكتابة قصة عن حياة شخص ما
-تتبع أثر شخص يختلف عن كتابة قصة حياة هذا الشخص،تتبع الأثر لا يعني ملء كل الفجوات ولا يعني البحث عن كل الحقيقة من أجل توثيقها،إنه رحلة تجاه شخص لا يستطيع الكلام عن نفسه،حوار معه ولا يمكن إلا أن يكون من طرف واحد.
أما كاتب السير المحنك:ينتقي من يكتب عنه يبدأ عادة من الولادة وينتهي بالموت إنه يملأ الفجوات في خيط حياة بالبحث مرة وبالخيال مرات،يعرف عن ماذا سيكتب وأين يجد مادته وما أهميته للقاريء إنه في الحقيقة يعرف القاريء.
-ونضيف علي ذلك: أن متتبع الأثر لا ينتقي من يكتب عنه إنه يعثر عليه مصادفة كما حدث مع الشاعرة إيمان مرسال والمصادفة التي قادتها لرواية الحب والصمت والتي شكلت حجر الزاوية الذي انتقلت منه لتنقب وتبحث عن (ماهية عنايات الزيات)
-متتبع الأثر أيضا يشبه أحيانا من يبحث في الأرشيف كلا منهما يواجه أشياء متنافرة وعشوائية تحتاج من يتأملها ويجد العلاقات بينها،كل منهما يبحث عن مصداقية للتأويل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية