قبل النكسة بيوم.. رواية تستدعي الماضي بآلامه

قبل النكسة بيوم
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. خالد عزب

مثلت نكسة 5 يونية 1967 م طعنة لمصر لم تضمد جراحها بعد، لذا جاءت رواية (قبل النكسة بيوم) للدكتور ايمان يحيي الطبيب والروائي القدير، والتي صدرت عن دار الشروق،  لتقدم قراءة في السنوات التي سبقت هزيمة يونية 1967 فهذه الحرب لم تكن مجرد حرب عابرة بل نتيجة لتداعيات سبقتها، الرواية في ذات الوقت تستدعي أحدداث ثورة 25 يناير 2011 م لنري تواصلا للأجيال الجيل الذي عاصر هزيمة يونية 1976 وأحفاده الذين يشاركونه الأحلام في وطن أمن متقدم  في أحداث 2011، إذا من أين تنطلق الرواية تنطلق من حلم فتاة من النوبة والدها يعمل بواب في احدي عمارات شارع قصر النيل، تقتنص فرصة التعليم المجاني لتحصل علي دبلوم تجارة وتعمل في إحدي الشركات علي الألة الكاتبة، وفي ذات الوقت تلتحق بمعهد الخدمة الاجتماعية لكي تكمل تعليميها، وتصبح مثار اعجاب أسرتها، قادها طموحها للعمل السياسي في منظمة الشباب ولدوراتها التدريبية التي تتعرف خلالها بالمدرب حمزة النادي الذي يحاضر في معهد التدريب بحلوان، ومن هنا تنطلق في حبها لحمزة النادي ابن الطبقة الوسطي الذي يسكن شبرا، وفي خلال هذه الأحداث تشاهد عن قرب الرئيس جمال عبد الناصر في أثناء الدورة التدريبية، الرواية تقدم فصولا من تاريخ اليسار في مصر وحركة القوميين العرب قد تبدو أنها جزءا من سياق أدبي اقتضته مسيرة الأحداث في الرواية، لكن في حقيقة الأمر الرواية ظل لأحداث حدثت فعلا، كما أن الرواية بهذا تستكمل ما لم يكتبه المؤرخين عن هذه الحقبة حقبة ما قبل هزيمة يونية 1967 وما جري قبلها، لذا فان الرواية تعكس صراعات السلطة في مصر قبل الهزيمة، الرئيس والمشير وقلق الرئيس من تصاعد قوة المشير، غرور القوة الذي كان يعتري السلطة في مصر، الأزمات الاقتصادية الطاحنة ومحاولات زكريا محي الدين لمعالجتها وكبح الرئيس له خوفا من خسارته الناس، وهو ما دفعت ثمنه مصر لاحقا أضعافا مضاعفة، حرب اليمن وتداعياتها علي مصر اقتصاديا وسياسيا، سوق المجندين لمعركة بالجلاليب ودون تدريب، مانشيتات الصحف التي تري النصر قريب، لكن الأهم في الرواية هو أن نظام الرئيس عبد الناصر كان يأكل نفسه من الداخل عبر اعتقال وتعذيب أنصار الرئيس في عصره وبعلمه، حتي فقد حمزة النادي بطل الرواية الذي كان يؤمن بالعروبه الأمل فنراه يقول: (لا أشعر بالحرية، حرية إيه يا كريمة إخرجت من سجن صغير إلي سجن كبير) وحين قامت ثورة 2011 كان هاجر إلي الولايات المتحدة نراه أمام شاة التليفزيون يتذكر الاحداث علي النحو التالي: (عندما أتذكر كيف التحقت بشركة ماكنزي للاستشارات المالية والادارية أزداد يقينا بأن هذا العالم صغير جدا، أصغر مما كنت أتصور،بعد مغادرتي القاهرة عقب وفاة جمال عبد الناصر ذهبت إلي الكويت للعمل في مكتب محاسبة قانونية، دفعتني معاناة الهزيمة المرة في السابع والستين، والفترة التي قضيتها في المعتقل قبلها وبعدها، إلي التفكير في الهجرة إلي عالم غير مهزوم، وغير مريض بهواجس كاذبة،تحطم حبي الأول علي صخرة الاعتقال والتقاليد، لم يعد هناك أي شيء يربطني بالبلد، نشروع سياسي أمنت به، فظهر سرابا خادعا، كان الخروج هو الحل)

الرواية إذا تقدم انهيار جيل عاصر هزيمة يونية 1967 هذه الهزيمة التي بدأت قبل أن تحدث ففي بلد يفقد الانسان حريته ويدخل السجن دون جريمة تصبح الهزيمة هزيمة لكرامة الانسان وثقته في بلده، وهو ما حدث لبطل الرواية، علي الرغم من أن ذكي الزوج تزوج كريمة حبيبة حمزة النادي والذي كان مجندا في حرب اليمن ثم في حرب يونية 1967 نراه يقول ما يلي: (أنا خدمت في حرب 67 وشفت الهزيمة بعيني، لكن ما ساتسلمناش، واتغلبنا علي صدمتنا)

لخص الراوي مصر وما يجري بها عبر أحداث الرواية في مقتطفات في الرواية من مقالات ثلاثة نشرها صلاح عيسي في مجلة (الحرية البيروتية) تحت عنوان (الثورة بين المسير والمصير) فنري صلاح عيسي يتحدث عن الغرور الثوري علي النحو التالي: (… يضعون الانجازات التي حققتها ثورة يولية، في موضع المقارنة مع الأوضاع القائمة قبل الثورة في مصر، وفي الأمة العربية، وكان حصاد المقارنة تلالا من الأرقام يكفي تأملها للشعور بالرضا الذي ينقلب مع التحليل إلي ثقة متزايدة بالذات، تتعدي حدود الثقة الدافعة إلي العمل، إلي الثقة التي لا تحسن تقدير ظروفها…..، وتلك بعض أعراض الغرور الثوري الذي يتغذي علي الاحباط المتكرر الذي التهم الثورة العربية تجربة بعد تجربة…)

الرواية قدمت طوابير الجمعيات للحصول علي السلع والفساد الذي صاحب هذا من قبل موظفي الجمعيات، بل نري الرواية تقدم التحايل للحصول علي الرزق عبر ام محمد التي تحصل علي كوبونات القماش التي يحصل عليها الموظفين كجزء من الدعم، لتقوم ببيعها لأخرين، لنري حيرة البطلة كريمة في كيفية توصيف ام محمد هل هي من أعداء الثورة أم من ضحاياها،لنري هذا الوضع المضطرب تعبر عنه الرواية في مواقف متتالية لنري الرواي يتسعين بمقال لصلاح عيسي يلخص صلب موضوع الرواية كما يلي: (فعلي المستوي السياسي مثلا تعثرت الخطوات الأولي لبناء التنظيم السياسي نتيجة لعدم وضوح المرحلة الجديدة، وافتقادها للمضمون الطبقي، وبذلك تسللت الطبقات المعادية للاشتراكية إليه.. وفي الستوي الاقتصادي أدي تبني الميثاق للمنهج البورجوازي الصرف في علاج المسألة الاقتصادية إلي قلة كفاءة القطاع الزراعي إنتاجيا، وخلق صعوبات كان في الامكان تجاوزها… وعلي المستوي الفكري تزايد العداء للاشتراكية العلمية، ولم يعد مقصورا علي المراكز اليمنية الواضحة، بل تسلل بالفعل إلي بعض مراكز التنظيم السياسي ومنظماته…. وعلي المستوي الاجتماعي فإن سقوط الإقطاع والبرجوازية الكبيرة، لم يفتح الباب أمام العمال والفلاحين – باعتبارهم أغلبية المجتمع لتولي السلطة الحقيقية داخله)

هنا نري صلاح عيسي يخلص إلي أن: (هذه الظواهر هي النتيجة الحتمية للاعتماد علي البنية الفوقية، وللتصور بأن في استطاعتها وحدها حسم كل القضايا)

الأحداث بالرواية وكثافتها جعلت هناك شخصيات حقيقية تتقاطع بسيرتها الذاتية مع الرواية لذا فهي رواية لا تستدعي الترايخ بل تقدمه في قالب تفسيري للأحداث، ومن هذه الشخصيات: جمال الغيطاني، طارق البشري، سيد حجاب، صلاح عيسي، فضلا عن قيادات التنظيم الطليعي في مصر في سيتينيات القرن العشرين والقيادات السياسية، بطل الرواية حمزة النادي يقيم من مكتبه في الولايات المتحدة الوضع في مصر وهو يتابع ثورة 2011 كما يلي: (ذهبت حكايتي في طي النسيان. كانتتجربة فاشلة واكبت مشروعا محبطا. حلم ليلة صيف،  جاء الشتاء بأمطاره فمحاه. كابوس الديكتاتورية أطاح به، فأصبح البلد في ذيل العالم. هذه قناعاتي بعد هذا العمر الطويل، لا أمل ولا تقدم سوي بتغيير طريقة التفكير. سيظلون هناك يفكرون، ويسيرون في الطريق المعاكس لحركة الحضارة الانسانية….)

الرواية ممتعه في سردها للأحداث، وبنيتها التي تحمل بعدا تحليليا، وفي عمقها اذ أن تعاقب الأجيال من 1967 إلي 2011 تطلب تربيطا للتقدم في الزمن والرجوع في الزمن، مع بعث الأمل وخفوته نقرأ قلق الأسر علي أبنائها من ممارستهم السياسة في ظل عواقب وخيمة لهذه الممارسة.

 

مقالات من نفس القسم