خالد السنديوني
مفاجأة سعيدة تفجرت في حقل الفن التشكيلي في قاعة ضي بالقاهرة مارس الماضي، معرض مفاجئ لعالم الآثار الشهير فكري حسن في فن الكولاج.
بداية يعود فن الكولاج إلى تاريخ بعيد ربما ظهر مع اختراع الورق في الصين القديمة وهناك من يرى أنه بدأ في القرن العاشر الميلادي في اليابان عندما أبدع الفنانون في المزج بين الكلمات المطبوعة واللوحات الفنية، الفيسفساء ايضا هي وجه من وجوه الكولاج، ذاع استخدام هذا الفن حديثا على المستوى الإبداعي على أيدي بيكاسو وبراك واحتل مكانة رفيعة في فن الإعلان عصر انتشار المجلات ثم الهيمنة الكبيرة في عصر الإنترنت والوسائط المتعددة وانضواء أطياف كثيرة من الفنون إلى مادته الخام فهو بالتأكيد فن ممتد عبر التاريخ بلا توقف وكان دائما يجد صيغته الخاصة التي تناسب العصر ولم يتهدد كما هدد اختراع الكاميرا فن النصوير الزيتي.
أحد أهم النقاط في هذ المعرض هي شخصية الفنان نفسه: فصاحب المعرض هو بروفيسور شهير في علم الجيولوجيا وبروفيسور أشهر في علم الانثروبولوجيا. لسنا معتادين على معارض تصدرعن قامات ذات خلفية علمية كبيرة في الوسط الثقافي، إلا أن التجربة تحمل من الزخم والوعي الفني بقدر مايحمل ( العالم/ الفنان ) نفسه ففنه يستند على إدراك عميق بالتاريخ الفني للحضارة الإنسانية عامة والحضارة المصرية على وجه الخصوص حيث يلم بتفاصيل وتطور الفن التشكيلي المصري القديم من ألوان وصبغات ومدارس فنية كما يتمتع بالشغف ذاته تجاه الفن المعاصر.
هذا كما انه يتمتع بالذائقة الفنية العالية والتي تتوج هذا الإدراك والوعي بعناصر التشكيل وتطور أدواته.
بحكم قربي من البروفيسور فكري حسن، فأنا معتاد منه على نشاطاته المتنوعة من بحث وتأليف علمي واكتشافات وسفاري خاصة بالمواقع الأثرية الخاصة بالإنسان الحجري الحديث في الواحات أو الدلتا أو الجلف الكبير، لكن منذ عدة سنوات وفي زيارة خاصة فاجأتني تلك اللوحات الرائعة وتفاجأت باندماجه الكامل في تلك التجربة، وتفاجأت أكثر باختياره للألواح الورقية الملونة سهلة التشكيل كبديل للالوان الزيتية او المائية، على مافيها من مخاطرة عند قصها خصوصا في اللوحات التي تشتمل على شخوص أنثوية حيث تتحدى النسب مهارة اليد والعين فكل خطأ لن يمكن إصلاحه أو إعادته، إلا أن مهارته اليدوية وموهبته لابد أنها جعلت من الأمر أقل مخاطرة لتخرج تلك اللوحات بهذه البساطة والعمق والتناغم في آن.
مرت عدة سنوات بالتأكيد انشغل بأبحاثه وسفرياته ونشاطاته الثقافية المتعددة ثم دخلت سنوات الوباء حتى قرر عرض تلــك اللوحات المميزة في قاعة ضي بالمهندسين.
شملت اللوحات التجريد والتشخيص والبورتريه واللاندسكاب، أي أنها غطت المواضيع الرئيسية لفن التصوير منفذة بواسطة كولاج من الألواح الورقية الملونة، على أنه في حين احتفظت اللوحات بطرافتها فيما يتعلق بالتنفيذ لم تفقد رصانتها وعمقها التشكيلي وشحنتها التعبيرية ولاحتى شاعريتها التي أعلم أنها أحد أهم ركائز شخصيته، فأنا شخصيا بدأت حياتي الشعرية من مكتبة الدكتور فكري إما بالاستماع إلى قصائده في آخر الليل أو قراءة دواوين مثل فصل في الجحيم لرامبو أو أزهار الشر لبودلير وأحيانا بسرقة تلك الدواوين للتخفيف من ازدحام المكتبة.
بدأ البروفيسور فكري من حيث انتهى ماتيس في سنواته الأخيرة فيبدو المعرض كأنه تحية إلى مدرسة ماتيس وأسلوبه في استخدام المقص وألواح الورق الملون حيث يسهل تنفيذ الأفكار الفنية بواسطة المقص مما أطلق عليه تحديدا Cutouts، والتي بدأها في نهاية الأربعينات من القرن العشرين، على أن تنفيذ هذه اللوحات بهذا المستوى العالي من الحرفية والتشكيل والخبرة اللونية ليس بالامر السهل، وإن كان يعكس هذه السهولة في بعض اللوحات فإن البورتريه الشخصي للفنان يعكس موهبته الفنية في أقصى درجاتها حيث تمكن من إظهار ملامحه وشخصيته معا بواسطة تلك القصاصات التي تساقطت من بين يديه بينما يقوم بنحت لوحاته المتنوعة.
هذه اللوحة بالذات أعتقد أنني في زيارتي القادمة له لن أقاوم رغبتي في تخفيف العبء عن الجاليري الخاص به المزدحم بكل مايتعلق بالعلم والفن معاً.