فصل من رواية مقام غيـابك

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

مينا هاني 

يسرا ..

كأن لا أحد عليَّ غيرك .. هناك على حوائط القصر العتيق .. عالم سائل على الحوائط .. عالم من دموع و تراب و ماء و من انكساراتنا و أحضاننا و قبلاتنا و دخولنا وخروجنا و ضعفنا و قوتنا .. عالم من تناقض و متعة يعيشان في سلام على صدرك، انتهت متوالية الزمن يا حبيبي و انحنت الجاذبية راكعة عند رجلك. انحنت حتى تتعالى ..

الآن أبارك و غدًا أُلعن لأننى مسست منك طرفًا .. وكشفت صفحة عن المحتجب .. عن غير المعلن عنه، إن بركتى تحل الآن .. و غدًا مخيف .. و شرير جدًا لو كان بدونك .

تمنيت معها ألا أدخل نوبة من نوباتى الغبية .. لكن جيناتى لم تعد تنصفني .. يخونني جسدى ويخور من عبء مداولة الفكرة.. من براعة ما مررت به معها .. فابدأ في السعال.. وأكح اكثر حتى يفيض وجهي حمرة من شدة الكحة .. تأخذنى إلى حضنها كالولد .. تربت بذراعها على ظهرى.. تشد يدها على يدى حتى اهدأ و تقول بأسى:  يمكن أنا سممتك .. يمكن .

يسرا،

أنا مدين بالانسانية لو كانت حضنًا لحضنك

ولو كانت علمًا ف لكشفك

ولو كانت رؤية ف لعيونك

ولو كانت ضحكًا ف لشفاهك

ولو كانت براءً ف لشفائك

ولو كانت مرضًا ف لحبك

ولو كانت شهوة ف لجسمك

ولو كانت رحمة ف لرحمك ..

 **

لما هدأت ملت على أذنها و أنا اتأمل السواد فى عينيها الواسعتين : متخافيش مني أنا  عمري ما هأذيكي.

 أتأملها .. أتطلع إلى رخام جسدها العاري على الارض . مخلوط بياضه بالاحمرار .. اتطلع الى انحناء نسج المكان عند مفرق فخذيها .. إلى طول رقبتها و استقامتها .. إلى نفور ثدييها مخروطى الشكل .. أفكر فى عظمة ما خط تصميمك .

أمام عيناى، أتطلع إلى جنتي وجحيمي .. سحلتي الخاصة .. و آية اكتشافى .. و ماحكم عليَّ فى الدنيا ..

يونيو

أحك جبهة رأسى .. وأتطلع الى السقف ثم إلى حركة دوران المروحة المعدنية ..

أسمع انتظام دقات ساعة وجلة وأراقب بطرف عينى حبة عرق تنز على رقبتى، وأدارى آبار العين بغيابك

وأدارى وأداري....

تزيد حركة دوران المروحة .. أكثر فأكثر .. وتزيد سخونة جسمى و تتمدد عروقى منى و يتصاعد الفوران في دمي .. ويضطرب النسج أمامى .. بغيابك ..

وتنفك المسامير عن مثبت المروحة بروية وصبر .. المسامير تتوق للتحرر مما دقته فى السابق .

تنفك .. تنخلع .. تتهاوى على الارض

لا احاول اجتنابها فلا تحاول اصابتى

ثم يسقط السقف ايضا

ثم تقوم ثورة جديدة فى البلد

فلا تقوم البلد ..

ثم تحترق نصف المدينة و يحرقها هواءها المسرطن .. يسرى نارها فى هشيم صدأها

و تذوب أكوام البلاستيك على اطرافها مجرية نهرا مصهورا من السخط و يتهشم زجاج لوحات الشركات التى دمرتها و مسخت ناسها و يتطاير فى الارجاء جارحا سواد روحها المنتهكة ..

 ثم تقوم الحرب العالمية الاخيرة .. وتنهار الحضارة بشكلها المعروف

ثم ولد حبيبته مفقودة من زمن .. ثم تأن من الألم

ثم الملل – رغم كل ما حدث – يتوج ملكًا على نهر السخط ويخوض حربًا قصيرة مع أثر التبلد .. فتتوقف الحرب بفعل الملل الذى يعقد حلفا ابديا مع التبلد

لايصح – يا صديقى – أن يحارب إخوة فى العدم بعضهما!

ثم أدارى آبار العين بغيابك و أدارى ..

 إن حبة عرق على رقبة يسرا لهي أكثر متعة و تشويقا من نصف الحكى عن العالم بعدما يفنى العالم فى احدى مغامرات الملل الكبرى ..

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 روائي مصري
والرواية هي روايته الأولى ـ صدرت مؤخرًا عن دار روافد 

مقالات من نفس القسم